الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله ( وإن هرب الأجير حتى انقضت المدة : انفسخت الإجارة . وإن كان على عمل : خير المستأجر بين الفسخ والصبر ) . إذا هرب الأجير ، أو شردت الدابة ، أو أخذ المؤجر العين وهرب بها ، أو منعه استيفاء المنفعة منها من غير هرب : لم تنفسخ الإجارة . ويثبت له خيار الفسخ . فإن فسخ فلا كلام . وإن لم يفسخ ، وكانت الإجارة على مدة : انفسخت بمضيها يوما فيوما . فإن عادت العين في أثنائها استوفى ما بقي ، وإن انقضت انفسخت . وإن كانت على موصوف في الذمة . كخياطة ثوب ونحوه أو حمل إلى موضع معين : استؤجر من ماله من يعمله . فإن تعذر فله الفسخ . فإن لم يفسخ فله مطالبته بالعمل . وإن هرب قبل إكمال عمله ملك المستأجر الفسخ والصبر كمرضه . قدمه في الرعايتين ، والفائق ، والحاوي الصغير . وقيل : يكترى عليه من يقوم به . فإن تعذر فله فسخها . وإن فرغت مدته في هربه فله الفسخ . قدمه في الفائق ، والرعايتين ، والحاوي الصغير . وقيل : تنفسخ هي . وهو الذي قطع به المصنف هنا . قوله ( وإن هرب الجمال أو مات وترك الجمال أنفق عليها . الحاكم من مال الجمال ، أو أذن للمستأجر في النفقة . فإذا انقضت الإجارة باعها الحاكم ووفى المنفق وحفظ باقي ثمنها لصاحبه ) .

[ ص: 61 ] إذا أنفق المستأجر على الجمال والحالة ما تقدم بإذن حاكم : رجع بما أنفقه بلا نزاع . وإن لم يستأذنه ونوى الرجوع . ففيه الرويتان اللتان فيمن قضى دينا عن غيره بغير إذنه ، على ما تقدم في باب الضمان . والصحيح منهما : أنه يرجع . قال في القواعد : ومقتضى طريقة القاضي : أنه يرجع رواية واحدة . ثم إن الأكثرين اعتبروا الإشهاد على نية الرجوع . وفي المغني وغيره : وجه أنه لا يعتبر . قال في القواعد : وهو الصحيح . انتهى . وحكم موت الجمال حكم هربه ، على الصحيح من المذهب . كما قال المصنف وقال أبو بكر : مذهب الإمام أحمد : أن الموت لا يفسخ الإجارة . وله أن يركبها ، ولا يسرف في علفها ولا يقصر . ويرجع بذلك . قوله ( وتنفسخ الإجارة بتلف العين المعقود عليها ) . سواء تلفت ابتداء أو في أثناء المدة . فإذا تلفت في ابتداء المدة انفسخت وإن تلفت في أثنائها انفسخت أيضا فيما بقي فقط ، على الصحيح من المذهب . جزم به في المغني ، والشرح ، والمحرر ، وغيرهم . وقدمه في الفروع وغيره . وقيل : تنفسخ أيضا فيما مضى . ويقسط المسمى على قيمة المنفعة . فيلزمه بحصته . نقل الأثرم فيمن اكترى بعيرا بعينه فمات ، أو انهدمت الدار : فهو عذر . يعطيه بحساب ما ركب .

وقيل : يلزمه بحصته من المسمى . وقيل : لا فسخ بهدم دار . فيخير . ويأتي حكم الدار إذا انهدمت في كلام المصنف بعد هذا . وكلامه هنا أعم . وعنه : لا تنفسخ بموت المرضعة . ويجب في مالها أجرة من يرضعه . اختاره أبو بكر . [ ص: 62 ] وأما موت المرتضع فتنفسخ به الإجارة قولا واحدا . كما جزم به المصنف هنا . قوله ( وتنفسخ الإجارة بموت الراكب إذا لم يكن له من يقوم مقامه في استيفاء المنفعة ) . هذا إحدى الروايتين . اختاره المصنف ، والشارح . وجزم به في الرعاية الصغرى ، والحاوي الصغير ، وشرح ابن منجا ، والوجيز . والصحيح من المذهب : أن الإجارة لا تنفسخ بموت الراكب مطلقا . قدمه في الفروع . قال في المحرر وغيره : لا تنفسخ بالموت . قال الزركشي هذا : المنصوص . وعليه الأصحاب ، إلا أبا محمد . قوله ( وإن أكرى دارا فانهدمت : انفسخت الإجارة فيما بقي من المدة ، في أحد الوجهين ) . وهو المذهب . صححه في المغني ، والشرح ، والتصحيح . وجزم به ابن أبي موسى ، والشيرازي ، وابن البناء ، وصاحب الوجيز ، وغيرهم . وهو ظاهر كلام الخرقي . وقدمه في الفروع ، والفائق ، والرعايتين ، والحاوي الصغير ، وغيرهم .

والوجه الثاني : لا تنفسخ . ويثبت للمستأجر خيار الفسخ . وهو رواية عن الإمام أحمد . اختاره القاضي . قال في التلخيص : لم تنفسخ . على أصح الوجهين . وقيل : تنفسخ فيما بقي وفيما مضى . ذكره في الرعاية الكبرى . قوله ( أو أرضا للزرع ، فانقطع ماؤها : انفسخت الإجارة فيما بقي من المدة في أحد الوجهين ) . وهو المذهب . صححه في المغني ، والشارح ، والتصحيح . وجزم به في الوجيز وقدمه في الفائق ، والرعاية الصغرى ، والحاوي الصغير . [ ص: 63 ] والوجه الثاني : لا تنفسخ . وللمستأجر خيار الفسخ . اختاره القاضي . وجزم به في التلخيص في موضع . وقال في موضع آخر : لم تنفسخ على أصح الوجهين . وقدمه في الرعاية الكبرى .

فائدة : لو أجر أرضا بلا ماء : فإن أجرها وأطلق . فاختار المصنف الصحة ، إذا كان المستأجر عالما بحالها وعدم مائها . وقدمه في المغني ، والشرح . وقيل : لا يصح . وجزم به ابن رزين في شرحه ، وأطلقهما في الفروع . وإن ظن المستأجر إمكان تحصيل الماء ، وأطلق الإجارة : لم تصح . جزم به في المغني ، والشرح ، والفروع وغيرهم . وإن ظن وجوده بالأمطار ، أو زيادة الأنهار : صح . على الصحيح من المذهب كالعلم . جزم به في المغني ، والتلخيص ، وغيرهما . وقدمه في الفروع . وفي الترغيب ، والرعاية وجهان . ومتى زرع فغرق ; أو تلف ، أو لم ينبت : فلا خيار له . وتلزمه الأجرة . نص عليه . وإن تعذر زرعها لغرقها فله الخيار . وكذا له الخيار لقلة ماء قبل زرعها أو بعده ، أو عابت بغرق يعيب به بعض الزرع . واختار الشيخ تقي الدين رحمه الله : أو برد ، أو فأر ، أو عذر . قال : فإن أمضى العقد فله الأرش كعيب الأعيان . وإن فسخ . فعليه القسط قبل القبض ، ثم أجرة المثل إلى كماله . قال : وما لم يرو من الأرض فلا أجرة له اتفاقا ، وإن قال في الإجارة : مقيلا ومراعي ، أو أطلق . لأنه لا يرد على عقد ، كأرض البرية . [ ص: 64 ] قوله ( ولا تنفسخ ) أي الإجارة ( بموت المكري ، ولا المكتري ) هذا المذهب مطلقا في الجملة . وعليه جماهير الأصحاب . وقطع به كثير منهم . منهم صاحب الوجيز . وقدمه في الفروع وغيره . قال الزركشي : هذا المذهب المنصوص . وعليه الأصحاب . وتقدم رواية اختارها جماعة أنها تنفسخ بموت الراكب وتقدم رواية : لا تنفسخ الإجارة بموت المرضعة .

تنبيه : قال ابن منجا في شرحه . فإن قيل : كيف الجمع بين قول المصنف " تنفسخ بموت الراكب " وبين قوله بعد " لا تنفسخ بموت المكري ولا المكتري " ؟ قيل : يجب حمل قوله " لا تنفسخ بموت المكتري " على أنه مات وله وارث . وهناك صرح بأنها تنفسخ إذا لم يكن له من يقوم مقامه . قلت : ويحتمل أنه قال هذا متابعة للأصحاب . وقال ذلك لأجل اختياره . قوله ( وإن غصبت العين : خير المستأجر بين الفسخ ومطالبة الغاصب بأجرة المثل . فإن فسخ فعليه أجرة ما مضى ) . إذا غصبت العين فلا تخلو : إما أن تكون إجارتها لعمل أو لمدة . فإن كانت لعمل ، فلا تخلو : إما أن تكون الإجارة على عين موصوفة في الذمة ، أو تكون على عين معينة . فإن كانت على عين موصوفة في الذمة وغصبت : لزمه بدلها . فإن تعذر كان له الفسخ . وإن كانت على عين معينة . خير بين الفسخ والصبر إلى أن يقدر على العين المغصوبة فيستوفى منها . [ ص: 65 ] وإن كانت إلى مدة : فهو مخير بين الفسخ والإمضاء وأخذ أجرة مثلها من غاصبها إن ضمنت منافع الغصب . وإن لم تضمن انفسخ العقد وقال في الانتصار : تنفسخ تلك المدة . والأجرة للمؤجر لاستيفاء المنفعة على ملكه . وأن مثله وطئ ، مزوجة . ويكون الفسخ متراخيا . فإذا لم يفسخ حتى انقضت مدة الإجارة كان له الخيار بين الفسخ والرجوع بالمسمى ، وبين البقاء على العقد ومطالبة الغاصب بأجرة المثل . فإن ردت العين في أثناء المدة ولم يكن فسخ : استوفى ما بقي منها . ويكون فيما مضى من المدة مخيرا ، كما ذكرنا . قاله في المغني ، والشرح ، وغيرهما .

فائدتان : إحداهما : لو كان الغاصب هو المؤجر : لم يكن له أجرة مطلقا . على الصحيح من المذهب . وعليه الأصحاب . ونص عليه . وقيل : حكمه حكم الغاصب الأجنبي . وهو تخريج في المحرر وغيره . وقال الزركشي : لو أتلف المستأجر العين ثبت ما تقدم من الفسخ ، أو الانفساخ ، مع تضمين المستأجر ما أتلف . ومثله : جب المرأة زوجها ، تضمن ولها الفسخ . انتهى . قلت : يحتمل أن لا فسخ لها . وتقدم قريبا إذا حوله المالك قبل تقضي المدة . وهذه المسألة من بعض صور تلك .

الثانية : لو حدث خوف عام يمنع من سكنى المكان الذي فيه العين المستأجرة ، أو حصر البلد ، فامتنع خروج المستأجر إلى الأرض : ثبت له خيار الفسخ قال الخرقي : وإذا جاء أمر غالب يحجز المستأجر عن منفعة ما وقع عليه العقد فعليه من الأجرة بقدر مدة انتفاعه . [ ص: 66 ] فكلامه أعم من كلام المصنف هنا . لأنه شمل الغصب وغيره . فلذلك استشهد به المصنف . فإن كان الخوف خاصا بالمستأجر ، كمن خاف وحده لقرب أعدائه من الموضع المأجور ، أو حلولهم في طريقه : لم يملك الفسخ . وكذا الحكم لو حبس أو مرض .

التالي السابق


الخدمات العلمية