الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله ( وإن علمت عدد أيامها ، ونسيت موضعها ، جلستها من أول كل شهر في أحد الوجهين . وهذا الحال الثاني من أحوال الناسية وهو نوعان ) . أحدهما : هذا ، وهو المذهب ، صححه في التصحيح ، والنظم . قال في الفروع : اختاره الأكثر . قال الزركشي : وهو المشهور ، قال في الحاويين : هو قول غير أبي بكر .

كذا قال في الهداية ، وغيرها ، وجزم به في الوجيز ، والمنور ، والمنتخب ، وغيرهم . وقدمه في المحرر ، والرعايتين ، والفروع ، والفائق ، وتجريد العناية ، وغيرهم .

وفي الآخر : تجلسه بالتحري . قلت : وهو الصواب ، وجزم به في الإفادات ، واختاره أبو بكر ، وابن أبي موسى . وقدمه في نهاية ابن رزين ونظمها ، وأطلقهما في الشرح ، وشرح ابن منجا [ ص: 369 ] والشرح ، والحاويين . وقيل : تجلس من تمييز لا تعتد به إن كان ; لأنه أشبه بدم الحيض . قلت : وهو قوي . وذكر المجد في شرحه . وتبعه صاحب مجمع البحرين ، وغيرهما : إن ذكرت أول الدم كمعتادة انقطع حيضها أشهرا ، ثم جاء الدم خامس يوم من الشهر مثلا ، أو استمرت وقد نسيت العادة . ففيها الوجهان الأخيران . ووجه ثالث : تجلس من خامس كل شهر . قال المجد : وهو ظاهر كلام أحمد ، واختاره ، قال في مجمع البحرين : وهو أصح ، اختار المجد ، وصاحب مجمع البحرين أيضا : أنه إن طال عهدها بزمن افتتاح الدم ونسيته : أنها تتحرى وقت جلوسها . وقال ابن حامد ، والقاضي في شرحيهما ، فيمن علمت قدر العادة ، وجهلت موضعها : إنها لا تجلس شيئا . وتغتسل كلما مضى قدرها . وتقضي من رمضان بقدرها ، والطواف . ولا توطأ . وذكر أبو بكر رواية لا تجلس شيئا .

تنبيه :

كل موضع أجلسناها بالتحري ، أو بالأولية . فإنها تجلس في كل شهر حيضة .

فائدة :

إذا تعذر أحد الأمرين من الأولية أو التحري عملت بالآخر ، قطع به المجد في شرحه ، وصاحب مجمع البحرين ، وغيرهما . وقدمه في الفروع . قال : ولما ذكر أبو المعالي الوجهين في أول كل شهر أو التحري ، قال : وهذا إذا لم تعرف ابتداء الدم . فإن عرفت فهو أول دورها . وجعلناه ثلاثين يوما ; لأنه الغالب . قال : وإن لم تذكر ابتداء الدم ، لكن تذكرت أنها طاهرة في وقت ، جعلنا ابتداء حيضها عقب ذلك الطهر . انتهى ، وإن تعذر التحري بأن يتساوى عندها الحال ، ولم تظن شيئا وتعذرت الأولية أيضا ، بأن قالت : حيضي في كل عشرين يوما خمسة أيام ، وأنسيت زمن افتتاح الدم . والأوقات كلها في نظري سواء .

ولا أعلم : هل أنا الآن طاهر أو حائض ؟ فقال المجد ، وتبعه في مجمع البحرين : لا أعرف لأصحابنا في هذه [ ص: 370 ] كلاما .

وقياس المذهب : لا يلزمها سلوك طريق اليقين .

بل يجزئها البناء على أصل لا يتحقق معه فساد في صومها وصلاتها ، وإن كان محتملا . فتصوم رمضان كله ، وتقضي منه خمسة أيام ، وهو قدر حيضها ، وهو الذي يتحقق فساده . وما زاد عليه لم يتحقق فيه ذلك . فلا تفسده . وتوجب قضاءه بالشك . وأما الصلاة : فتصليها أبدا ، لكنها تغتسل في الحال غسلا . ثم عقيب انقضاء قدر حيضها غسلا ثانيا . وتتوضأ لكل صلاة فيما بينهما ، وفيما بعدهما ، بقدر مدة طهرها . فإن انقضت لزمها غسلان بينهما قدر الحيضة . وكذلك أبدا كلما مضى قدر الطهر اغتسلت غسلين بينهما قدر الحيضة . انتهى .

قال في الفروع كذا قال والمعروف ، خلافه .

فائدة : متى ضاعت أيامها في مدة معينة فما عدا المدة طهر . ثم إن كانت أيامها نصف المدة فأقل حيضها بالتحري أو من أولها ، وإن زاد ضم الزائد إلى مثله مما قبله . فهو حيض بيقين . والشك فيما بقي .

فائدة : ما جلسته الناسية من الحيض المشكوك فيه : فهو كالحيض المتيقن في الأحكام . وما زاد على ما تجلسه إلى الأكثر ، فقيل : هي فيه كالمستحاضة في الأحكام الآتية فيها . وقيل : هو كالطهر المشكوك فيه . قاله القاضي : واقتصر عليه ابن تميم ، وجزم به في الرعاية . قال في المستوعب : هو طهر مشكوك فيه . وحكمه حكم الطهر بيقين في جميع الأحكام ، إلا في جواز وطئها . فإنها مستحاضة . وأطلقها في الفروع .

التالي السابق


الخدمات العلمية