الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وتابع في التلخيص المنصوص ، فقال : أحكام الوقف خمسة . منها : لزومه في الحال . أخرجه مخرج الوصية ، أم لم يخرجه . وعند ذلك : ينقطع تصرفه فيه . وشيخنا رحمه الله في حواشي المحرر لما لم يطلع على نص الإمام أحمد رد كلام صاحب التلخيص وتأوله . اعتمادا على أن المسألة ليس فيها منقول مع أنه وافق الحارثي على أن ظاهر كلام الأصحاب : لا يقع الوقف والحالة هذه لازما . قلت : كلامه في القواعد يشعر أن فيه خلافا : هل هو لازم أم لا ؟ . قاله في القاعدة الثانية والثمانين في تبعية الولد . ومنها : المعلق وقفها بالموت ، إن قلنا : هو لازم . وهو ظاهر كلام الإمام أحمد في رواية الميموني . انتهى . فظاهر قوله " إن قلنا : هو لازم " يشعر بالخلاف .

ومنها : لو شرط في الوقف أن يبيعه ، أو يهبه ، أو يرجع فيه متى شاء : بطل الشرط والوقف في أحد الأوجه . وهو الصحيح من المذهب . نص عليه . وقدمه في الفروع ، وشرح الحارثي ، والفائق ، والرعايتين ، والحاوي الصغير . قال المصنف في المغني : لا نعلم فيه خلافا . وقيل : يبطل الشرط دون الوقف ، وهو تخريج من البيع ، وما هو ببعيد . قال الشيخ تقي الدين رحمه الله : يصح في الكل نقله عنه في الفائق . ومنها : لو شرط الخيار في الوقف فسد . نص عليه . وهو المذهب . وخرج فساد الشرط وحده من البيع . [ ص: 26 ] قال الحارثي : وهو أشبه . ومنها : لو شرط البيع عند خرابه ، وصرف الثمن في مثله ، أو شرطه للمتولي بعده . فقال القاضي ، وابن عقيل ، وابن البنا ، وغيرهم : يبطل الوقف . قلت : وفيه نظر . وذكر القاضي ، وابن عقيل وجها بصحة الوقف وإلغاء الشرط . ذكر ذلك الحارثي . قلت : وهو الصواب . قال في الفروع : وشرط بيعه إذا خرب فاسد في المنصوص . نقله حرب . وعلل بأنه ضرورة ومنفعة لهم . قال في الفروع : ويتوجه على تعليله : لو شرط عدمه عند تعطيله . وقيل : الشرط صحيح .

قوله ( ولا يشترط القبول ، إلا أن يكون على آدمي معين . ففيه وجهان ) . إذا وقف وقفا ، فلا يخلو : إما أن يكون على آدمي معين ، أو غيره . فإن كان على غير معين ، فقطع المصنف هنا : أنه لا يشترط القبول . وهو صحيح . وهو المذهب . وعليه الأصحاب . وذكر الناظم احتمالا : أن نائب الإمام يقبله . وإن كان الموقوف عليه آدميا معينا زاد في الرعايتين : أو جمعا محصورا فهل يشترط قبوله أم لا يشترط ؟ فيه وجهان . أطلقهما المصنف هنا . أحدهما : لا يشترط . وهو المذهب . قال في الكافي : هذا ظاهر المذهب . قال الشارح : هذا أولى . [ ص: 27 ] قال الحارثي : هذا أقوى . وقطع به القاضي ، وابن عقيل . قال في الفائق : لا يشترط في أصح الوجهين . وصححه في التصحيح . وجزم به في الوجيز ، والمنور . وقدمه في الكافي ، والمحرر ، والفروع .

والوجه الثاني : يشترط . قال في المذهب والخلاصة : يشترط في الأصح . قال الناظم : هذا أقوى . وقدمه في الهداية ، والمستوعب ، والرعاية الصغرى ، والحاوي الصغير . وأطلقهما في مسبوك الذهب ، والتلخيص ، وشرح ابن منجا ، والرعاية الكبرى ، والزركشي ، وتجريد العناية . قال الشيخ تقي الدين رحمه الله : وأخذ الريع قبول .

تنبيه : أكثر الأصحاب يحكي الخلاف من غير بناء . وقال ابن منجا في شرحه بعد تعليل الوجهين والأشبه : أن ينبني ذلك على أن الملك : هل ينتقل إلى الموقوف عليه أم لا ؟ . فإن قيل بالانتقال ، قيل : باشتراط القبول ، وإلا فلا . قال الحارثي : وبناه بعض أصحابنا المتأخرين على ذلك . قال في الرعايتين ، قلت : إن قلنا " هو لله تعالى " لم يعتبر القبول ، وإن قلنا " هو للمعين والجمع المحصور " اعتبر فيه القبول . قال الحارثي : وفي ذلك نظر . فإن القبول إن أنيط بالتمليك فالوقف لا يخلو من تمليك ، سواء قيل بالامتناع أو عدمه . انتهى . قال الزركشي : والظاهر أن الخلاف على القول بالانتقال . إذ لا نزاع بين الأصحاب : أن الانتقال إلى الموقوف عليه هو المذهب ، مع اختلافهم في المختار هنا . فعلى المذهب : لا يبطل برده . فرده وقبوله وعدمهما واحد كالعتق . [ ص: 28 ] جزم به في المغني ، والشرح . وقال أبو المعالي في النهاية : إنه يرتد برده كالوكيل إذا رد الوكالة . وإن لم يشترط لها القبول . قال الحارثي : وهذا أصح . وعلى القول بالاشتراط ، قال الحارثي : يشترط اتصال القبول بالإيجاب . فإن تراخى عنه : بطل كما يبطل في البيع والهبة . وعلله . ثم قال : وإذا علم هذا ، فيتفرع عليه عدم اشتراط القبول من المستحق الثاني والثالث . ومن بعد تراخي استحقاقهم عن الإيجاب . ذكره بعض الأصحاب . قال : وهذا يشكل بقبول الوصية متراخيا عن الإيجاب . انتهى . وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله إذا اشترط القبول على المعين . فلا ينبغي أن يشترط المجلس . بل يلحق بالوصية والوكالة . فيصح معجلا ومؤجلا بالقول والفعل . فأخذ ريعه : قبول . وقطع ، واختار في القاعدة الخامسة والخمسين : أن تصرف الموقوف عليه المعين : يقوم مقام القبول بالقول .

قوله ( فإن لم يقبله أو رده : بطل في حقه ، دون من بعده ) . وهذا مفرع على القول باشتراط القبول . فجزم المصنف هنا : أنه كالمنقطع الابتداء ، على ما يأتي بعد ذلك . فيأتي فيه وجه بالبطلان . وهذا أحد الوجهين . أعني : كونه كالمنقطع الابتداء . وجزم به في المغني ، والشرح . وقيل : يصح هذا ، وإن لم تصحح في الوقف المنقطع . وهو الصحيح . قال في الفروع : وهو أصح كتعذر استحقاقه لفوت وصف فيه . [ ص: 29 ] قال الحارثي : هذا الصحيح . فعلى هذا : يصح هنا . قولا واحدا . قال الشيخ تقي الدين رحمه الله : ليس كالوقف المنقطع الابتداء ، بل الوقف هنا صحيح . قولا واحدا

قوله ( وكان كما لو وقف على من لا يجوز . ثم على من يجوز ) . هذا الوقف المنقطع الابتداء . وهو صحيح . على الصحيح من المذهب . وعليه الأصحاب . قال الحارثي : جزم به أكثر الأصحاب . وبناه في المغني ، ومن تابعه ، على تفريق الصفقة . فأجرى وجها بالبطلان . قال : وفيه بعد . فعلى المذهب : يصرف في الحال إلى من بعده . كما قال المصنف . وهذا الصحيح من المذهب . قال الحارثي : وهو الأقوى . وقدمه في المحرر ، والفروع ، والفائق ، والرعايتين ، والحاوي الصغير . وفيه وجه آخر : أنه إن كان من لا يجوز الوقف عليه يعرف انقراضه كرجل معين صرف إلى مصرف الوقف المنقطع . يعني المنقطع الانتهاء . على ما يأتي . صرح به الحارثي ، إلى أن ينقرض . ثم يصرف إلى من بعده . واختاره ابن عقيل ، والقاضي . وقال : هو قياس المذهب . وقيل : يصرف إلى أقارب الواقف . قاله في الفائق .

قوله ( وإن وقف على جهة تنقطع ، ولم يذكر له مآلا ، أو على من يجوز ، ثم على من لا يجوز ) انصرف بعد انقراض من يجوز ( الوقف عليه إلى ورثة الواقف وقفا عليهم في إحدى الروايتين ) . [ ص: 30 ] وهو المذهب . قال في الكافي : هذا ظاهر المذهب . وجزم به في الوجيز . وقدمه في الفروع ، والرعايتين ، والحاوي الصغير . فعليها : يقسم على قدر إرثهم . جزم به في الفروع وغيره . قال الحارثي : قاله الأصحاب . قال القاضي : فللبنت مع الابن الثلث . وله الباقي . وللأخ من الأم مع الأخ للأب السدس . وله ما بقي . وإن كان جد وأخ : قاسمه . وإن كان أخ وعم : انفرد به الأخ . وإن كان عم وابن عم : انفرد به العم . وقال الحارثي : وهذا تخصيص بمن يرث من الأقارب في حال دون حال . وتفضيل لبعض على بعض . وهو لو وقف على أقاربه ، لما قالوا فيه بهذا التخصيص ، والتفضيل . وكذا لو وقف على أولاده ، أو أولاد زيد . لا يفضل فيه الذكر على الأنثى . وقد قالوا هنا : إنما ينتقل إلى الأقارب وقفا . انتهى . فظاهر كلامه : أنه مال إلى عدم المفاضلة . وما هو ببعيد . قال في الفائق : وعنه : في أقاربه ذكرهم وأنثاهم بالسوية . ويختص به الوارث . انتهى .

والرواية الأخرى : يصرف إلى أقرب عصبته . قال في الفروع : وعنه تصرف إلى عصبته . ولم يذكر أقرب . وأطلقهما ابن منجا في شرحه . فعليهما : يكون وقفا . على الصحيح من المذهب . نص عليه . وقطع به القاضي ، وأبو الخطاب ، والمجد ، وغيرهم . وقدمه في النظم ، والفروع ، والزركشي ، والفائق ، وغيرهم . [ ص: 31 ] وهو ظاهر كلام المصنف هنا . قال في المغني : نص عليه . قال الحارثي : وإنما حذف ذكر الوقف في الرواية الثانية ، اختصارا واكتفاء بذكره المتقدم في رواية العود إلى الورثة . انتهى . وقال ابن منجا في شرحه : مفهوم قوله " في الورثة " يكون وقفا عليهم . على أنه إذا انصرف إلى أقرب العصبة : لا يكون وقفا . ورده الحارثي . فقال : من الناس من حمل رواية العود إلى أقرب العصبة في كلام المصنف : على العود ملكا . قال : لأنه قيد رواية العود إلى الورثة بالوقف ، وأطلق هنا . وأثبت بذلك وجها . قال : وليس كذلك . فإن العود إلى الأقرب ملكا إنما يكون بسبب الإرث ومعلوم أن الإرث لا يختص بأقرب العصبة . وأيضا : فقد حكى خلافا في اختصاص العود بالفقراء بهم . ولو كان إرثا لما اختص بالفقراء . مع أن المصنف صرح بالوقف في ذلك في كتابيه . وكذلك الذين نقل من كتبهم ، كالقاضي ، وأبي الخطاب . انتهى . وعنه : يكون ملكا . قال في الفائق : وقيل يكون ملكا . اختاره الخرقي . قال في المغني : ويحتمله كلام الخرقي . قال في الفائق : وقال ابن أبي موسى : إن رجع إلى الورثة كان ملكا ، بخلاف العصبة . قال الشيخ تقي الدين رحمه الله : وهذا أصح وأشبه بكلام الإمام أحمد رحمه الله . وعلى الروايتين أيضا ( هل يختص به فقراؤهم ؟ على وجهين ) . [ ص: 32 ] وأطلقهما في الهداية ، والمذهب ، والمستوعب ، والرعاية الكبرى ، وغيرهم . أحدهما : عدم الاختصاص . وهو المذهب . قال الحارثي : هذا الأصح في المذهب . قال الناظم : هذا الأقوى . وجزم به في المحرر ، وغيره . قال الزركشي : هو ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله ، والخرقي . وقدمه في الخلاصة ، والفروع ، والفائق ، والرعاية الصغرى ، والحاوي الصغير .

والوجه الثاني : يختص به فقراؤهم . اختاره القاضي في كتاب الروايتين .

فائدة : متى قلنا برجوعه إلى أقارب الواقف ، وكان الواقف حيا ، ففي رجوعه إليه أو إلى عصبته وذريته روايتان . حكاهما ابن الزاغوني في الإقناع رواية .

إحداهما : يدخل . قطع به ابن عقيل في مفرداته . قاله في القاعدة السبعين . وكذا لو وقف على أولاده وأنسالهم ، على أن من توفي منهم عن غير ولد : رجع نصيبه إلى أقرب الناس إليه . فتوفي أحد أولاد الواقف عن غير ولد ، والأب الواقف حي ، فهل يعود نصيبه إليه ، لكونه أقرب الناس إليه ، أم لا ؟ تخرج على ما قبلها . قاله ابن رجب . والمسألة ملتفتة إلى دخول المخاطب في خطابه .

تنبيه :

لو لم يكن للواقف أقارب : رجع على الفقراء والمساكين . على الصحيح جزم به ابن عقيل في التذكرة ، والمصنف ، والشارح ، وصاحب التلخيص ، وغيرهم . وقدمه في الفائق . وقال ابن أبي موسى : يباع . ويجعل ثمنه في المساكين . وقيل : يصرف إلى بيت المال لمصالح المسلمين . نص عليه في رواية ابن إبراهيم ، وأبي طالب ، وغيرها . [ ص: 33 ] وقطع به أبو الخطاب ، وصاحب المحرر وغيرهما . وقدمه الزركشي . وفي أصل المسألة ما قاله القاضي في موضع من كلامه : أنه يكون وقفا على المساكين . والموضع الذي قاله القاضي فيه : هو في كتابه الجامع الصغير . قاله الحارثي وهو رواية ثالثة عن الإمام أحمد رحمه الله . اختارها جماعة من الأصحاب . منهم الشريفان أبو جعفر ، والزيدي والقاضي أبو الحسين . قاله الحارثي . واختاره المصنف أيضا . وصححه في التصحيح . قال الناظم : هي أولى الروايات . قال الحارثي : وهذا لا أعلمه نصا عن الإمام أحمد رحمه الله . قال المصنف : إن كان في أقارب الواقف فقراء : فهم أولى به ، لا على الوجوب وعنه رواية رابعة : يصرف في المصالح . جزم به في المنور . وقدمه في المحرر ، والفائق . وقال نص عليه . قال : ونصره القاضي ، وأبو جعفر . قال الزركشي : أنص الروايات أن يكون في بيت المال ، يصرف في مصالحهم فعلى هاتين الروايتين : يكون وقفا أيضا . على الصحيح من المذهب . قدمه في الفروع . وعنه يرجع إلى ملك واقفه الحي . ونقل حرب : أنه قبل ورثته لورثة الموقوف عليه . ونقل المروذي : إن وقف على عبيده لم يستقم . قلت : فيعتقهم ؟ قال : جائز . فإن ماتوا ولهم أولاد فهو لهم ، وإلا فللعصبة . فإن لم يكن عصبة بيع وفرق على الفقراء .

التالي السابق


الخدمات العلمية