الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله ( وإذا أوصى إلى واحد ، وبعده إلى آخر . فهما وصيتان ) نص عليه . ( إلا أن يقول : قد أخرجت الأول ) نص عليه . ( وليس لأحدهما الانفراد بالتصرف ، إلا أن يجعل ذلك إليه ) نص عليه . وذكر الحارثي ما يدل على رواية بالجواز . [ ص: 290 ] وتقدم الكلام فيما إذا جعل النظر في الوقف لاثنين ، أو كان لهما بأصل الاستحقاق ، في كتاب الوقف ، بعد قوله " ويرجع إلى شرط الواقف " وهذا يشبه ذلك فائدة

لو وصى إلى اثنين في التصرف وأريد اجتماعهما على ذلك . قال الحارثي : من الفقهاء من قال : ليس المراد من الاجتماع تلفظهما بصيغ العقود . بل المراد : صدوره عن رأيهما . ثم لا فرق بين أن يباشر أحدهما ، أو الغير بإذنهما ، ولم يخالف الحارثي هذا القائل . قلت : وهو الظاهر . وأنه يكفي إذن أحدهما الوكيل في صدور العقد مع حضور الآخر ، ورضاه بذلك . ولا يشترط توكيل الاثنين . كما هو ظاهر كلامه الأول . قوله ( فإن مات أحدهما : أقام الحاكم مقامه أمينا ) . وكذا لو وجد ما يوجب عزله . بلا نزاع . قال المصنف : أو غاب . لكن لو ماتا ، أو وجد منهما ما يوجب عزلهما ، ففي الاكتفاء بواحد : وجهان . وأطلقهما في الكافي ، والمغني ، والشرح ، والفروع ، والحاوي الصغير والزركشي . قال في الفائق : ولو ماتا جاز إقامة واحد . في أصح الروايتين . قال في الرعاية الكبرى : وإن وجد منهما ما يوجب عزلهما : جاز أن يقيم الحاكم بدلهما واحدا في الأصح .

وقال في الرعاية الصغرى : وإن ماتا جاز أن يقيم الحاكم واحدا في الأصح . قال ابن رزين في شرحه : فإن تغير حالهما فله نصب واحد . وقيل : لا ينصب إلا اثنين . تنبيه :

هذه الأحكام المتقدمة : إذا لم يجعل لكل واحد منهما التصرف منفردا . [ ص: 291 ] فأما إن جعل لكل واحد منهما التصرف منفردا كما صرح به المصنف فمات أحدهما ، أو خرج من أهلية الوصية : لم يكن للحاكم أن يقيم مقامه ، إلا أن يعجز عن التصرف وحده . وإن ماتا معا ، أو خرجا من الوصية : فللحاكم أن يقيم واحدا ولو حدث عجز لضعف ، أو علة ، أو كثرة عمل ونحوه ، ولم يكن لكل واحد منهما التصرف منفردا : ضم إليه أمين . جزم به في المغني ، والشرح . قال ابن رزين : ضم إليه أمين . ولم ينعزل إجماعا . وقيل : له ذلك . وأطلقهما في الفروع . قوله ( وكذلك إن فسق ) . يعني أقام الحاكم مقامه أمينا وينعزل . فشمل كلام المصنف صورتين :

إحداهما : أن يكون وصيا منفردا .

الثانية : أن يكون مضافا إلى وصي آخر .

واعلم أن هذا مبني على الصحيح من المذهب من أن الفاسق لا تصح الوصية إليه . وينعزل إذا طرأ عليه الفسق ، كما تقدم التنبيه عليه . وعنه : يضم إليه أمين . قدمه في الفروع ، والفائق . كما تقدم . وقيل : يضم إليه هنا أمين ، وإن أبطلنا الوصية إلى الفاسق لطريانه . اختاره جماعة من الأصحاب كما تقدم فوائد

لو وصى إليه قبل أن يبلغ ليكون وصيا بعد بلوغه أو حتى يحضر فلان ، أو إن مات فلان ، ففلان وصي : صح . ويصير الثاني وصيا عند الشرط . ذكره الأصحاب . ويسمى " الوصي المنتظر " . [ ص: 292 ] قال في المستوعب : لو أوصى إلى المرشد من أولاده عند بلوغه ، فإن الوصية تصح . ويسمى " الوصي المنتظر " انتهى . وكذا لو قال : أوصيت إليه سنة ، ثم إلى فلان . للخبر الصحيح { أميركم زيد فإن قتل : فجعفر . فإن قتل : فعبد الله بن رواحة } والوصية كالتأمير . قال في الفروع : ويتوجه : لا . يعني ليست الوصية كالتأمير . لأن الوصية استنابة بعد الموت . فهي كالوكالة في الحياة .

ولهذا : هل للوصي أن يوصي ، ويعزل من وصى إليه ؟ . ولا تصح إلا في معلوم . وللوصي عزله ، وغير ذلك ، كالوكيل . فلهذا لا يعارض ذلك ما ذكره القاضي وجماعة من الأصحاب ، إذا قال الخليفة : الإمام بعدي فلان . فإن مات ففلان في حياتي . أو إذا تغير حاله : فالخليفة فلان : صح . وكذا في الثالث والرابع . وإن قال : فلان ولي عهدي . فإن ولي ثم مات ، ففلان بعده : لم يصح للثاني . وعللوه بأنه إذا ولي ، وصار إماما : حصل التصرف ، وبقي النظر والاختيار إليه . فكان العهد إليه فيمن يراه . وفي التي قبلها : جعل العهد إلى غيره عند موته ، أو تغير صفاته في الحالة التي لم يثبت للمعهود إليه إمامة .

قال في الفروع : وظاهر هذا : أنه لو علق ولي الأمر ولاية حكم أو وظيفة بشرط شغورها ، أو بشرط ، فوجد الشرط بعد موت ولي الأمر والقيام مقامه : أن ولايته تبطل . وأن النظر والاختيار لمن يقوم مقامه .

يؤيده : أن الأصحاب اعتبروا ولاية الحكم بالوكالة في مسائل . وأنه لو علق عتقا أو غيره بشرط : بطل بموته . [ ص: 293 ] قالوا : لزوال ملكه . فتبطل تصرفاته . قال في المغني وغيره : ولأن إطلاق الشرط يقتضي الحياة . انتهى كلام صاحب الفروع . وظاهر كلامه : صحة ولاية الحكم والوظائف بشرط شغورها ، أو بشرط إذا وجد ذلك قبل موت ولي الأمر . وهو ظاهر كلامه

التالي السابق


الخدمات العلمية