الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله ( والاعتبار في الكفارات بحال الوجوب ، في إحدى الروايتين ) ، وكذا قال في الهداية ، والمستوعب ، وهو المذهب كالحد ، نص عليهما ، والقود ، وصححه في التصحيح ، قال ناظم المفردات : هذا مذهبنا المختار ، جزم به في الوجيز ، وقدمه في الخلاصة ، والمحرر ، والنظم ، والرعايتين ، والحاوي ، والفروع ، ونصره المصنف ، والشارح ، قال الزركشي : وهو اختيار القاضي في تعليقه ، والشريف ، وأبي الخطاب ، في خلافيهما ، وابن شهاب ، وأبي الحسين ، والشيرازي ، وابن عقيل ، وغيرهم . انتهى . وهو ظاهر كلام الخرقي ، حيث قال : إذا وجبت وهو عبد فلم يكفر حتى عتق : فعليه كفارة الصوم ، لا يجزئه غيره ، وهو من مفردات المذهب ، فعليها : إمكان الأداء مبني على الزكاة على ما تقدم ، وعليها : إذا وجبت ، وهو موسر ، ثم أعسر : لم يجزه إلا العتق ، وإن وجبت وهو معسر ، ثم أيسر : لم يلزمه العتق ، وله الانتقال إليه إن شاء ، مطلقا على الصحيح من المذهب ، [ ص: 210 ] جزم به في الوجيز ، وغيره ، وقدمه في المغني ، والمحرر ، والشرح ، والرعايتين والحاوي ، والفروع ، وغيرهم ، قال في البلغة : وهو الصحيح عندي ، قال في الترغيب : العتق هنا هدي المتعة أولى ، وقال في المذهب : ظاهر المذهب : لا يجزئه عتق ، وعنه في العبد إذا عتق لا يجزئه غير الصوم ، اختاره الخرقي ، وتقدم لفظه ، وخرج أبو الخطاب فيمن أيسر لا يجزئه غير الصوم ، كالرواية التي في العبد ، وهو رواية في الانتصار ، والترغيب ، وعليها أيضا : وقت الوجوب في الظهار من حين العود ، لا وقت المظاهرة ، ووقته في اليمين : من الحنث ، لا وقت اليمين ، وفي القتل : زمن الزهوق ، لا زمن الجرح ، وتقديم الكفارة قبل الوجوب : تعجيل لها قبل وجوبها لوجود سببها كتعجيل الزكاة قبل الحول بعد كمال النصاب ، قاله المصنف ، والشارح ، وغيرهما . والرواية الثانية ، من أصل المسألة : الاعتبار بأغلظ الأحوال ، اختارها القاضي في روايتيه ، وحكاها الشريف ، وأبو الخطاب عن الخرقي ، قال الزركشي : وكأنهما أخذا ذلك من قوله " ومن دخل في الصوم ، ثم أيسر لم يكن عليه الخروج من الصوم إلى العتق أو الإطعام إلا أن يشاء " ، إذ ظاهره : أن من لم يدخل في الصوم كان عليه الانتقال قال : وما تقدم أظهر . انتهى . فمن أمكنه العتق من حين الوجوب إلى حين التكفير : لا تجزئه غيره ، وقيل : إن حنث عبد : صام ، وقيل : أو يكفر بمال ، وقيل : إن اعتبر أغلظ الأحوال ، [ ص: 211 ] وذكر الشيرازي في المبهج ، وابن عقيل رواية : أن الاعتبار بوقت الأداء .

قوله ( وإذا شرع في الصوم ، ثم أيسر : لم يلزمه الانتقال عنه ) هذا المذهب ، وجزم به في المغني ، والوجيز ، وغيرهما ، قال الزركشي : هذا المذهب المجزوم به عند عامة الأصحاب ، قال في القاعدة السابعة : لو شرع في كفارة ظهار ، أو يمين ، أو غيرهما ، ثم وجد الرقبة ، فالمذهب لا يلزمه الانتقال ، وصححه في الشرح ، وغيره ، وقدمه في المحرر ، والنظم ، والرعايتين ، والحاوي الصغير ، والفروع ، وغيرهم ، ويحتمل أن يلزمه .

تنبيه :

قد يقال : إن ظاهر كلام المصنف : أن له أن ينتقل إلى العتق والإطعام ، وهو كذلك ، وصرح به الخرقي وغيره ، وخرج أبو الخطاب قولا في الحر المعسر : أنه كالعبد لا يجزئه غير الصوم ، على ما يأتي في آخر كتاب الأيمان .

فائدة : قوله ( فمن ملك رقبة ، أو أمكنه تحصيلها بما هو فاضل عن كفايته وكفاية من يمونه على الدوام وغيرها من حوائجه الأصلية بثمن مثلها : لزمه العتق ) بلا نزاع ، ويشترط أيضا أن يكون فاضلا عن وفاء دينه ، على الصحيح من المذهب ، جزم به في الوجيز ، وغيره ، وقدمه في الفروع وغيره ، وصححه المصنف ، وغيره ، وعنه : لا يشترط ذلك ، وهو ظاهر كلام الخرقي ، وأطلقهما في الرعايتين ، ومحل الخلاف عند المصنف ، وجماعة : إذا لم يكن مطالبا بالدين ، أما إن كان مطالبا به : فلا تجب ، وغيرهم يطلق الخلاف .

تنبيه :

قوله ( ومن له خادم يحتاج إلى خدمته ، أو دار يسكنها [ ص: 212 ] أو دابة يحتاج إلى ركوبها ، أو ثياب يتجمل بها ، أو كتب يحتاج إليها ) ، يعني : إذا كان ذلك صالحا لمثله ، فلو كان عنده خادم يمكن بيعه ويشتري به رقبتين ، يستغني بخدمة أحدهما ، ويعتق الأخرى : لزمه ذلك ، وكذا لو كان عنده ثياب فاخرة تزيد على ملابس مثله ، أو دار يمكنه بيعها وشراء ما يكفيه لسكنى مثله ، قال ذلك المصنف والشارح وغيرهما ، قال في الفروع : فاضلا عما يحتاج إليه من أدنى مسكن صالح لمثله .

قوله ( وإن وجدها بزيادة لا تجحف به ، فعلى وجهين ) ، وأطلقهما في الهداية ، والمذهب ، والمستوعب ، والخلاصة ، والمغني ، والهادي ، والمحرر ، والشرح ، والنظم ، والرعايتين ، والحاوي الصغير ، والفروع ، وشرح ابن منجا . أحدهما : يلزمه ، وهو المذهب ، اختاره ابن عبدوس في تذكرته ، وصححه في التصحيح ، وجزم به في الوجيز ، والمنور ، ومنتخب الأدمي ، قال في البلغة : لا يلزمه إذا كانت الزيادة تجحف بماله ، وهو ظاهر كلامه في الفروع ; لأنه قاس الوجهين على الوجهين في الماء ، وصحح في الماء اللزوم . والوجه الثاني : لا يلزمه .

قوله ( وإن كان ماله غائبا ، وأمكنه شراؤها بنسيئة : لزمه ) ، هذا المذهب ، وعليه جماهير الأصحاب ، قال في الفروع : لزمه في الأصح ، وجزم به في الهداية ، والمذهب ، والمستوعب ، والخلاصة ، والمحرر ، والنظم [ ص: 213 ] والرعايتين ، والحاوي الصغير ، والوجيز ، والمنور ، ومنتخب الأدمي ، والقواعد ، وغيرهم ، قال الزركشي : بلا نزاع أعلمه ، وقيل : لا يلزمه ، اختاره الشارح ، وأطلقهما في الكافي ، قال في الشرح : إذا كان ماله غائبا وأمكنه شراؤها بنسيئة ، فقد ذكر شيخنا فيما إذا عدم الماء ، فبذل له بثمن في الذمة يقدر على أدائه في بلده وجهين : اللزوم ، اختاره القاضي ، وعدمه : اختاره أبو الحسن التميمي ، فيخرج هنا على وجهين ، والأولى إن شاء الله أنه لا يلزمه لذلك . انتهى .

فائدة :

وكذا الحكم لو كان له مال ولكنه دين ، قاله في الرعاية ، قال المصنف ، والشارح ، وغيرهما : وحكم الدين المرجو الوفاء حكم المال الغائب .

تنبيه :

ظاهر كلامه : أن الرقبة إذا لم تبع بالنسيئة أنه يصوم ، وهو صحيح ، وهو المذهب ، قال في الرعايتين : صام في الأصح ، وقدمه في المحرر ، والنظم ، والحاوي الصغير ، والفروع ، وغيرهم ، وقيل : لا يجوز له الصوم والحالة هذه ، قال الزركشي في كتاب الكفارات : وهو مقتضى كلام الخرقي ، ومختار عامة الأصحاب ، حتى أن أبا محمد ، وأبا الخطاب ، والشيرازي ، وغيرهم جزموا به ، وقيل : لا يجوز في غير الظهار للحاجة ، لتحريمها قبل التكفير ، قال في الرعاية الكبرى : وقيل : يصوم في الظهار فقط ، إن رجا إتمامه قبل حصول المال ، [ ص: 214 ] وقيل : أو لم يرج ، قال الشارح تبعا للمصنف وإن لم يمكنه شراؤها نسيئة ، فإن كان مرجو الحضور قريبا : لم يجز الانتقال إلى الصيام ، وإن كان بعيدا : لم يجز الانتقال للصيام في غير كفارة الظهار ; لأنه لا ضرر في الانتظار ، وهل يجوز في كفارة الظهار ؟ على وجهين . انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية