الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله ( ولا يجزئه في كفارة القتل إلا رقبة مؤمنة ) ، بلا نزاع للآية ( وكذلك في سائر الكفارات في ظاهر المذهب ) ، وهو المذهب ، وعليه جماهير الأصحاب ، منهم : الخرقي ، والقاضي ، والشريف ، وأبو الخطاب ، والشيرازي ، والمصنف ، وغيرهم ، وجزم به في الوجيز ، وتذكرة ابن عبدوس ، والمنور ، ومنتخب الأدمي ، وغيرهم ، وقدمه في المغني ، والمحرر ، والشرح ، والنظم ، والرعايتين ، والحاوي الصغير ، والفروع ، وغيرهم ، وعنه : يجزئه رقبة كافرة ، اختاره أبو بكر ، وأطلقهما في الهداية ، والمذهب ، ومسبوك الذهب ، والمستوعب ، والخلاصة ، والبلغة ، وغيرهم . فعلى الرواية الثانية : هل تجزئ رقبة كافرة مطلقا ، أو يشترط أن تكون كتابية ، أو ذمية ؟ فيه ثلاثة أوجه ، وأطلقهن في الفروع ، قال في المغني ، والشرح ، وعنه : يجزئ عتق رقبة ذمية ، قال الزركشي : تجزئ الكافرة ، نص عليها في اليهودي والنصراني ، وقال في المحرر ، والهداية ، والمذهب ، والخلاصة ، والحاوي ، وغيرهم : إحدى الروايتين تجزئ الكافرة ، وقدمه في الرعايتين ، وذكر أبو الخطاب وغيره : أنه لا تجزئ الحربية والمرتدة اتفاقا . [ ص: 215 ]

تنبيه :

ظاهر قوله ( ولا تجزئه إلا رقبة سليمة من العيوب المضرة بالعمل ضررا بينا ، كالعمى ) ، أن الأعور يجزئ ، وهو إحدى الروايتين ، وهو المذهب ، قدمه في المحرر ، والحاوي الصغير ، والفروع ، والمستوعب ، والهداية ، والمذهب ، والخلاصة ، وغيرهم ، وعنه : لا يجزئ ، قدمه في التبصرة ، وأطلقهما في الرعايتين ، قوله ( وشلل اليد والرجل ، أو قطعهما ، أو قطع إبهام اليد ، أو سبابتها ، أو الوسطى ، أو الخنصر ، أو البنصر من يد واحدة ) ، يعني : لا يجزئ ، وهو المذهب ، وعليه الأصحاب ، وعنه : إن كانت إصبعه مقطوعة ، فأرجو هذا يقدر على العمل .

تنبيه :

ظاهر كلامه : أنه يجزئ عتق المرهون ، وهو صحيح ، وهو المذهب ، قدمه في الرعايتين ، وجزم به في الفروع ، وقيل : لا يجزئ ، ولا يصح إلا مع يسار الراهن ، وظاهر كلامه : أنه يجزئ الجاني ، وهو صحيح ، ولو قتل في الجناية ، قاله في الرعايتين ، وغيره ، قال في الفروع : يجزئ إن جاز بيعه .

فائدة :

قطع أنملة الإبهام كقطع الإبهام ، وقطع أنملتين من إصبع كقطعها ، وقطع أنملة من غير الإبهام لا يمنع الإجزاء .

تنبيهات . أحدها : مفهوم كلامه : أنه لو قطع واحدة من الخنصر والبنصر ، أو قطعا من يدين : أنه يجزئه ، وهو صحيح ، وهو المذهب ، لا أعلم فيه خلافا ، [ ص: 216 ] ومفهوم كلامه أيضا : أنه لو قطع إبهام الرجل أو سبابتها : أنه لا يمنع الإجزاء ، وهو ظاهر كلامه في المغني ، والشرح ، والوجيز ، وقطع في الرعاية الكبرى : أنه لا يمنع الإجزاء قطع أصابع القدم ، والذي قدمه في الفروع : أن حكم القطع من الرجل حكم القطع من اليد .

الثاني : مفهوم قوله ( ولا يجزئ المريض الميئوس منه ) ، أنه لو كان غير ميئوس منه : أنه يجزئ ، وهو صحيح ، وهو المذهب ، وهو ظاهر كلامه في الهداية ، والمذهب ، والمستوعب ، والخلاصة ، والحاوي ، والوجيز وغيرهم ، وجزم به في المغني ، والشرح ، وغيرهما ، وقدمه في الفروع ، وقيل : لا يجزئ أيضا ، قال في الرعايتين : ولا يجزئ مريض أيس منه ، أو رجي برؤه ، ثم مات في وجه . الثالث : ظاهر قوله " لا يجزئه إلا رقبة سليمة من العيوب المضرة بالعمل ضررا بينا " أن الزمن والمقعد لا يجزئان ، وهو صحيح ، وهو المذهب ، وعليه الأصحاب ، وعنه : يجزئ كل واحد منهما ، قال في الفروع : ويتوجه مثلهما النحيف . قوله ( ولا غائب لا يعلم خبره ) ، هذا المذهب ، وعليه جماهير الأصحاب ، قال في الفروع : ولا يجزئ من جهل خبره في الأصح ، قال في القواعد الفقهية : المشهور عدم الإجزاء ، وجزم به في المغني ، والمحرر ، والشرح ، والوجيز ، والنظم ، وغيرهم ، [ ص: 217 ] وقدمه في الهداية ، والمذهب ، والمستوعب ، والخلاصة ، والرعايتين ، والحاوي ، وغيرهم ، وقيل : يجزئ ، وهو احتمال في الهداية ، وحكاه ابن أبي موسى في شرح الخرقي وجها ، وجزم القاضي في الخلاف : أنه يجزئ من جهل خبره عن كفارته .

تنبيه :

محل الخلاف : إذا لم يعلم خبره مطلقا أما إن أعتقه ، ثم تبين بعد ذلك : كونه حيا ، فإنه يجزئ ، قولا واحدا ، قاله الأصحاب .

قوله ( ولا أخرس لا تفهم إشارته ) ، هذا المذهب ، نص عليه ، وعليه جماهير الأصحاب ، وجزم به في الرعاية الصغرى ، والحاوي الصغير ، وغيرهما ، وقدمه في الفروع ، وفيه وجه يجزئ ، اختاره القاضي وجماعة من أصحابه ، قاله الزركشي ، وقد أطلق الإمام أحمد رحمه الله : جوازه في رواية أبي طالب ، ويأتي قريبا في كلام المصنف : حكم من فهمت إشارته .

فائدة : لا يجزئ الأخرس الأصم ، ولو فهمت إشارته ، على الصحيح من المذهب ، وعليه جماهير الأصحاب ، وجزم به في الهداية ، والمذهب ، والمستوعب ، والخلاصة ، والهادي ، والمحرر ، والنظم ، والرعايتين ، والحاوي ، وغيرهم ، وقدمه في الفروع ، واختار أبو الخطاب ، والمصنف : الإجزاء إذا فهمت إشارته ، ويأتي في كلام المصنف " إذا كان أصم فقط " . قوله ( ولا من اشتراه بشرط العتق في ظاهر المذهب ) ، وهو المذهب ، وعليه الأصحاب ، [ ص: 218 ] قال الزركشي : هو المشهور ، والمختار للأصحاب ، قال في المحرر : ولا يجزئ على الأصح ، وجزم به في الوجيز ، وغيره ، وقدمه في الفروع ، وغيره ، وعنه : يجزئ . قوله ( ولا أم الولد في الصحيح عنه ) ، وهو المذهب ، وعليه الأصحاب ، قال المصنف ، والشارح : هذا ظاهر المذهب ، قال في المحرر : لا تجزئ على الأصح ، قال الزركشي : هذا المشهور والمختار للأصحاب ، وجزم به في الوجيز ، وغيره ، وقدمه في الفروع ، وغيره ، وعنه : تجزئ ، قلت : ويجيء عند من يقول بجواز بيعها الإجزاء ، وأطلقهما في الرعايتين . قوله ( ولا مكاتب قد أدى من كتابته شيئا ، في اختيار شيوخنا ) ، وهو المذهب ، وعليه أكثر الأصحاب ، قال في الفروع : اختاره الأكثر ، قال القاضي : هذا الصحيح ، قال الزركشي : هذا اختيار القاضي وأصحابه ، وقطع به الخرقي ، والأدمي في منتخبه ، وغيرهما ، وقدمه في الفروع ، وغيره ، وعنه : يجزئ مطلقا ، اختاره أبو بكر ، وجزم به في الوجيز ، والمنور ، وقدمه في المحرر ، والحاوي الصغير ، [ ص: 219 ] قال في النظم : وهو الأولى ، وعنه : لا يجزئ مكاتب بحال ، وأطلقهن في الهداية ، والمذهب ، والمستوعب ، والخلاصة ، وأطلق الثانية والثالثة في الرعايتين .

فائدة :

لو أعتق عن كفارته عبدا لا يجزئ في الكفارة : نفذ عتقه ، ولا يجزئ عن الكفارة ، ذكره المصنف ، وغيره . قوله ( ويجزئ الأعرج يسيرا ) بلا نزاع ( والمجدوع الأنف والأذن ، والمجبوب ، والخصي ) ، على الصحيح من المذهب ، وعليه جماهير الأصحاب ، وجزم به كثير منهم ، منهم : صاحب الفروع ، وغيره ، وصححه الزركشي ، وغيره وعنه : لا يجزئ ذلك ، وتقدم حكم الأعور . قوله ( ومن يخنق في الأحيان ) ، يعني : أنه لا يجزئ ، اعلم أنه إن كانت إفاقته أكثر من خنقه : فإنه يجزئ ، وإن كان خنقه أكثر : أجزأ أيضا ، على الصحيح من المذهب ، وهو ظاهر كلام المصنف هنا ، وجماعة كثيرة من الأصحاب ، وقدمه في المحرر ، والفروع ، وغيرهما ، وقيل : لا يجزئ ، قال في الفروع : وهو أولى ، وجزم به في الرعاية الكبرى .

قوله ( والأصم والأخرس الذي يفهم الإشارة وتفهم إشارته ) ، يجزئ عتق الأصم ، على الصحيح من المذهب ، [ ص: 220 ] وجزم به في الهداية ، والمذهب ، والمستوعب ، والخلاصة ، والهادي ، والمحرر والنظم ، والرعايتين ، والحاوي ، وغيرهم ، وقدمه في الفروع ، وقال في الوجيز ، والتبصرة : لا تجزئ وأما الأخرس الذي تفهم إشارته ويفهم الإشارة ، فالصحيح من المذهب : أنه يجزئ ، جزم به في الهداية ، والمذهب ، ومسبوك الذهب ، والمستوعب ، والخلاصة ، والهادي ، والمحرر ، والنظم ، والرعاية الصغرى ، والحاوي الصغير ، وغيرهم واختاره القاضي ، وجماعة من أصحابه ، والمصنف ، والشارح ، وقدمه في الفروع ، والرعاية الكبرى ، وعنه : لا يجزئ الأخرس مطلقا .

تنبيه :

قوله ( والمدبر ) ، يعني : أنه يجزئ ، ومراده : إذا قلنا بجواز بيعه ، قاله الأصحاب . قوله ( والمعلق عتقه بصفة ) ، يعني : أنه يجزئ ، واعلم أن المصنف ذكر قبل ذلك : أنه لا يجزئ عتق من علق عتقه بصفة عند وجودها ، وقطع هنا بإجزاء عتق من عتق علقه بصفة ، فمراده هنا : إذا أعتقه قبل وجود الصفة ، وهو صحيح في المسألتين ، ولا أعلم فيه نزاعا ، قوله ( وولد الزنا ) ، يعني : أنه يجزئ ، وهو المذهب ، ولا أعلم فيه خلافا ، قال الشيخ تقي الدين رحمه الله : ويحصل له أجره كاملا ، خلافا لمالك رحمه الله فإنه يشفع مع صغره لأمه ، لا أبيه ، [ ص: 221 ] قوله ( والصغير ) يعني : أنه يجزئ ، وهو المذهب ، قال المصنف ، والشارح : وقال أبو بكر ، وغيره من الأصحاب : يجوز إعتاق الطفل في الكفارة ، قال الزركشي : هذا اختيار الأكثرين ، فيجوز عتق الطفل الصغير ، وجزم به في الهداية ، والمذهب ، والمنور ، ومنتخب الأدمي ، واختاره المصنف ، وقدمه في المحرر ، والنظم ، والحاوي الصغير ، والفروع ، وقيل : يعتبر أن يكون له سبع سنين ، إن اشترط الإيمان ، وقدمه في الخلاصة ، والرعايتين ، قال في الوجيز : ويجزئ ابن سبع ، وقال الخرقي : يجزئ إذا صام وصلى ، وقيل : يجزئ وإن لم يبلغ سبعا ، ونقل الميموني : يعتق الصغير ، إلا في قتل الخطأ ، فإنه لا يجزئ إلا مؤمنة وأراد التي قد صلت ، وقال القاضي في موضع من كلامه : يجزئ إعتاق الصغير في جميع الكفارات إلا كفارة القتل ، فإنها على روايتين .

فائدة :

لا يجزئ إعتاق المغصوب ، على الصحيح من المذهب ، قدمه في الفروع في موضع ، وفيه وجه آخر : أنه يجزئ ، وأطلقهما في الرعايتين ، والحاوي ، وقال في الفروع في مكان آخر : وفي مغصوب وجهان في الترغيب ، قوله ( وإن أعتق نصف عبد وهو معسر ثم اشترى باقيه فأعتقه : أجزأه ، إلا على رواية وجوب الاستسعاء ) ، [ ص: 222 ] وهو صحيح ، وقاله الأصحاب ، واختار في الرعايتين الإجزاء مع القول بوجوب الاستسعاء ، قوله ( وإن أعتقه وهو موسر فسرى : لم يجزه ، نص عليه ) وهو المذهب ، اختاره أبو بكر الخلال ، وأبو بكر عبد العزيز ، والمصنف ، والشارح ، والناظم ، وقدمه في المحرر ، والرعايتين ، والحاوي الصغير ، والفروع ، ويحتمل أن يجزئه ، يعني إذا نوى عتق جميعه عن كفارته ، كعتقه بعض عبده ثم بقيته ، اختاره القاضي ، وأصحابه ، قال في الحاوي الصغير : وهو الأقوى عندي ، قال القاضي : قال غير الخلال ، وأبي بكر عبد العزيز : يجزئه إذا نوى عتق جميعه عن كفارته . قوله ( وإن أعتق نصفا آخر : أجزأه عند الخرقي ) ، يعني : أنه كمن أعتق نصفي عبدين ، وهو المذهب ، قال في الروضة : هذا الصحيح من المذهب ، قال في عيون المسائل : هذا ظاهر المذهب ، قال الشريف أبو جعفر : هذا قول أكثرهم ، قال الزركشي : هذا اختيار القاضي في تعليقه ، وعامة أصحابه كالشريف ، وأبي الخطاب في خلافيهما وابن البنا ، والشيرازي ، وصححه في الخلاصة ، وقدمه في الفروع ، وغيره ، وهو من مفردات المذهب ، ولم يجزئه عند أبي بكر ، واختاره ابن حامد ، فيما حكاه القاضي في روايتيه ، وجزم به في العمدة ، وذكر ابن عقيل وصاحب الروضة هذين القولين روايتين ، [ ص: 223 ] وأطلقهما في الهداية ، والمذهب ، والمستوعب ، والكافي ، والمحرر ، والرعايتين ، والحاوي ، وعند القاضي : إن كان باقيهما حرا : أجزأ ، وإلا فلا ، واختاره المصنف ، وجزم به في الوجيز ، وقدمه في النظم ، وقيل : إن كان باقيهما حرا ، أو أعتق كل واحدة منهما عن كفارتين : أجزأه ، وإلا فلا ، قال في المحرر ، والحاوي : وهذا أصح ، وجزم بالثاني ناظم المفردات ، وهو منها ، وذكر هذه الأقوال في الهدي روايات عن الإمام أحمد رحمه الله .

فائدة :

وكذا الحكم لو أعتق نصفي عبدين ، أو أمتين ، أو أمة وعبدا ، بل هذه هي الأصل في الخلاف ، وقيل : إن كان باقيهما حرا : أجزأ وجها واحدا ، لتكميل الحرية ، قال في القاعدة الحادية بعد المائة : وخرج الأصحاب على الوجهين : لو أخرج في الزكاة نصفي شاتين ، وزاد في التلخيص : لو أهدى نصفي شاتين ، قال في القواعد : وفيه نظر ، إذ المقصود من الهدي اللحم ، ولهذا أجزأ فيه شقص من بدنة ، وروي عن الإمام أحمد رحمه الله ما يدل على الإجزاء هنا . انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية