الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله ( التاسع : أن يشهدا على رجل بقتل عمد ، أو ردة ، أو زنا فيقتل بذلك ، ثم يرجعا ويقولا : عمدنا قتله ) هكذا قال أكثر الأصحاب بهذه العبارة [ ص: 442 ] وقال في الكافي : وقالا " علمنا أنه يقتل " . وقال في المغني : ولم يجز جهلهما به . وقال في الترغيب ، والرعاية الكبرى : وكذبتهما قرينة . فالأصحاب متفقون على أن هذا عمد محض . وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله : ذكر الأصحاب من صور القتل العمد الموجب للقود : من شهدت عليه بينة بالردة . فقتل بذلك ، ثم رجعوا . وقالوا : عمدنا قتله . قال : وفي هذا نظر . لأن المرتد إنما يقتل إذا لم يتب ، فيمكن المشهود عليه التوبة . كما يمكنه التخلص من النار إذا ألقي فيها . انتهى . قلت : يتصور عدم قبول توبة المرتد في مسائل على رواية قوية . كمن سب الله أو رسوله . وكالزنديق . ومن تكررت ردته . والساحر وغير ذلك . على ما يأتي في بابه . فلو شهد عليه بذلك . فإنه يقتل بكل حال . ولا تقبل توبته . على إحدى الروايتين . فكلام الأصحاب محله حيث امتنعت التوبة . ويكفي هذا في إطلاقهم في مسألة ، ولو واحدة . لكن ظهر لي على كلام كثير من الأصحاب إشكال في قولهم " لو شهدا على رجل بزنا . فقتل بذلك " فإن الشاهدين لا يقتل الزاني بشهادتهما . فهذا فيه نظر ظاهر لهذا . قال في الفروع : ومن شهدت عليه بينة بما يوجب قتله . فتخلص من الإشكال .

قوله ( أو يقول الحاكم : علمت كذبهما وعمدت قتله ) . فهذا عمد محض . ويجب القصاص على الحاكم . وهذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب [ ص: 443 ] وجزم به في المغني ، والشرح ، والوجيز ، والهداية ، والمذهب والمستوعب ، والخلاصة ، والمحرر ، والنظم ، والرعاية ، والحاوي ، وغيرهم . وقدمه في الفروع ، وغيره . ونصر ابن عقيل في مناظراته : أن الحاكم والحالة هذه لا قصاص عليه . وقيل : في قتل الحاكم وجهان فوائد

الأولى : يقتل المزكي كالشاهد . قاله أبو الخطاب ، وغيره وعند القاضي لا يقتل وإن قتل الشاهد .

الثانية : لا تقبل البينة مع مباشرة الولي القتل وإقراره أنه فعل ذلك عمدا عدوانا . على الصحيح من المذهب . وجزم به في المغني ، والشرح ، وغيرهما . وقدمه في الفروع ، وغيره . وفي الترغيب وجه : البينة والولي هنا : كممسك مع مباشر فالبينة هنا : كالممسك . والولي هنا : كالمباشر هناك . على ما يأتي في كلام المصنف قريبا في هذا الباب والخلاف فيه . وقال في التبصرة : إن علم الولي والحاكم أنه لم يقتل أقيد الكل .

الثالثة : يختص المباشر العالم بالقود ، ثم الولي ، ثم البينة والحاكم . على الصحيح من المذهب وقدمه في المغني ، والشرح ، والفروع ، وغيرهم . وقيل : يختص القود بالحاكم إذا اشترك هو والبينة . لأن سببه أخص من سببهم . فإن حكمه واسطة بين شهادتهم وقتله . فأشبه المباشر مع المتسبب .

الرابعة : لو لزمت الدية البينة والحاكم ، فقيل : تلزمهم ثلاثا . على الحاكم الثلث ، وعلى كل شاهد ثلث . [ ص: 444 ] جزم به في المغني ، والشرح . وقيل : نصفين وأطلقهما في الفروع

الخامسة : لو قال بعضهم " عمدنا قتله " وقال بعضهم " أخطأنا " فلا قود على المتعمد . على الصحيح من المذهب . قال في الفروع : فلا قود على المتعمد على الأصح . وصححه المصنف في هذا الكتاب في آخر هذا الباب وعنه : عليه القود . فعلى المذهب : على المتعمد بحصته من الدية المغلظة . وعلى المخطئ بحصته من المخففة . وتأتي هذه المسألة ونظائرها في آخر هذا الباب بأتم من هذا .

السادس : لو قال : كل واحد منهما " تعمدت وأخطأ شريكي " فوجهان في القود وأطلقهما في الفروع . قلت : الصواب الذي لا شك فيه : وجوب القود عليهما . لاعترافهما بالعمدية . وقدم في الرعاية الصغرى والحاوي : عدم القود . وصححه في الكبرى ، وقال : الدية عليهما حالة . ولو قال واحد " عمدنا " وقال الآخر " أخطأنا " لزم المقر بالعمد القود . ولزم الآخر نصف الدية

السابعة : لو رجع الوالي والبينة : ضمنه الوالي وحده . على الصحيح من المذهب قدمه في الفروع . وقال القاضي وأصحابه : يضمنه الوالي والبينة معا كمشترك . وأطلقهما في الرعايتين . واختار الشيخ تقي الدين رحمه الله : أن الوالي يلزمه القود إن تعمد . وإلا الدية . وأن الآمر لا يرث .

التالي السابق


الخدمات العلمية