الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله ( وهل تقبل توبة الزنديق ، ومن تكررت ردته ، أو من سب الله أو رسوله ، والساحر ؟ ) . يعني الذي يكفر بسحره ( على روايتين ) . وأطلقهما الزركشي إحداهما : لا تقبل توبته ، ويقتل بكل حال . وهو المذهب ، صححه في التصحيح ، وإدراك الغاية ، وجزم به في الوجيز ، وغيره ، وقدمه في المحرر ، والنظم ، والرعايتين ، وغيرهم . وهو اختيار أبي بكر ، والشريف ، وأبي الخطاب ، وابن البنا ، والشيرازي في الزنديق . قال القاضي في التعليق : هذا الذي نصره الأصحاب . وهو اختيار أبي الخطاب في خلافه في الساحر ، وقطع به القاضي في تعليقه ، والشيرازي في ساب الرسول صلى الله عليه وسلم ، والخرقي في قوله : من قذف أم النبي صلى الله عليه وسلم قتل . [ ص: 333 ] والأخرى : تقبل توبته كغيره . وهو ظاهر ما قدمه في الرعاية الصغرى ، والحاوي الصغير . وهو ظاهر كلام الخرقي . وهو اختيار الخلال في الساحر ، ومن تكررت ردته ، والزنديق ، وآخر قولي الإمام أحمد رحمه الله . وهو اختيار القاضي في روايتيه فيمن تكررت ردته .

وظاهر كلامه في تعليقه في ساب الله تعالى . وعنه : لا تقبل إن تكررت ردته ثلاثا فأكثر ، وإلا قبلت . وقال في الفصول ، عن أصحابنا : لا تقبل توبته إن سب النبي صلى الله عليه وسلم لأنه حق آدمي لا يعلم إسقاطه . وأنها تقبل إن سب الله تعالى ; لأنه : يقبل التوبة في خالص حقه ، وجزم به في عيون المسائل ، وغيرها ; لأن الخالق منزه عن النقائص . فلا يلحق به ، بخلاف المخلوق . فإنه محل لها . ولهذا افترقا . وعنه : مثلهم فيمن ولد على الفطرة ثم ارتد . ذكره الشيخ تقي الدين رحمه الله .

تنبيه : محل الخلاف في الساحر : حيث يحكم بقتله بذلك على ما يأتي في آخر الباب . فوائد الأولى : حكم من تنقص النبي صلى الله عليه وسلم حكم من سبه صلوات الله وسلامه عليه على الصحيح من المذهب . ونقله حنبل ، وقدمه في الفروع . وقيل : ولو تعريضا . نقل حنبل : من عرض بشيء من ذكر الرب . فعليه القتل ، مسلما كان أو كافرا ، وأنه مذهب أهل المدينة . [ ص: 334 ] وسأله ابن منصور : ما الشتيمة التي يقتل بها ؟ . قال : نحن نرى في التعريض الحد . قال : فكان مذهبه فيما يجب فيه الحد من الشتيمة التعريض . الثانية : محل الخلاف المتقدم ، في عدم قبول توبتهم وقبولها : في أحكام الدنيا ، من ترك قتلهم ، وثبوت أحكام الإسلام . فأما في الآخرة : فإن صدقت توبته ، قبلت بلا خلاف . ذكره ابن عقيل ، والمصنف ، والشارح ، وجماعة ، وقدمه في الفروع . وفي إرشاد ابن عقيل رواية : لا تقبل توبة الزنديق باطنا ، وضعفها . وقال كمن تظاهر بالصلاح ، إذا أتى معصية وتاب منها .

وذكر القاضي ، وأصحابه رواية : لا تقبل توبة داعية إلى بدعة مضلة ، اختارها أبو إسحاق بن شاقلا . وقال ابن عقيل في إرشاده : نحن لا نمنع أن يكون مطالبا بمن أضل . قال في الفروع : وظاهر كلام غيره : لا مطالبة . قال الشيخ تقي الدين رحمه الله : قد بين الله أنه يتوب على أئمة الكفر الذين هم أعظم من أئمة البدع . وقال في الرعاية : من كفر ببدعة قبلت توبته على الأصح . وقيل : إن اعترف بها . وقيل : لا تقبل من داعية الثالثة : الزنديق هو الذي يظهر الإسلام ويخفي الكفر . ويسمى منافقا في الصدر الأول . وأما من أظهر الخير وأبطن الفسق : فكالزنديق في توبته في قياس المذهب قاله في الفروع . [ ص: 335 ] وذكره ابن عقيل ، وحمل رواية قبول توبة الساحر على المتظاهر . وعكسه بعكسه . قال في الفروع : يؤيده تعليلهم للرواية المشهورة بأنه لم يوجد بالتوبة سوى ما يظهره . قال : وظاهر كلام غيره : تقبل . وهو أولى في الكل . انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية