الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولزم نفل شرع فيه ) بتكبيرة الإحرام أو بقيام الثالثة شروعا صحيحا ( قصدا ) [ ص: 30 ] إلا إذا شرع متنفلا خلف مفترض ثم قطعه واقتدى ناويا ذلك الفرض بعد تذكره ، أو تطوعا آخر ، أو في صلاة ظان ، أو أمي ، أو امرأة ، أو محدث يعني وأفسده في الحال ; أما لو اختار المضي ثم أفسده لزمه القضاء ( ولو عند غروب وطلوع واستواء ) على الظاهر ( فإن أفسده حرم ) - { ولا تبطلوا أعمالكم } - ( إلا بعذر ، [ ص: 31 ] ووجب قضاؤه ) ولو فساده بغير فعله ; كمتيمم رأي ماء ومصلية أو صائمة حاضت . واعلم أن ما يجب على العبد بالتزامه نوعان : ما يجب بالقول وهو النذر وسيجيء . وما يجب بالفعل ، وهو الشروع في النوافل ، ويجمعها قوله : من النوافل سبع تلزم الشارع أخذا لذلك مما قاله الشارع     صوم صلاة طواف حجه رابع
عكوفه عمرة إحرامه السابع

التالي السابق


( قوله ولزم نفل إلخ ) أي لزم المضي فيه ، حتى إذا أفسده لزم قضاؤه أي قضاء ركعتين ، وإن نوى أكثر على ما يأتي ، ثم هذا غير خاص بالصلاة وإن كان المقام لها . قال في شرح المنية : اعلم أن الشروع في نفل العبادة التي تلزم بالنذر ويتوقف ابتداؤها على ما بعده في الصحة سبب لوجوب إتمامه وقضائه إن فسد عندنا وعند مالك ، وهو قول أبي بكر الصديق وابن عباس وكثير من الصحابة والتابعين كالحسن البصري ومكحول والنخعي وغيرهم ، فخرج الوضوء وسجدة التلاوة وعيادة المريض وسفر الغزو ونحوها مما لا يجب بالنذر لكونه غير مقصود لذاته ، وخرج ما لا يتوقف ابتداؤه على ما بعده في الصحة نحو الصدقة والقراءة ، وكذا الاعتكاف على قول محمد ، ودخل فيه الصلاة والصوم والحج والعمرة والطواف والاعتكاف على قولهما . ا هـ .

[ تنبيه ] ظاهر كلامهم أنه يلزم القضاء بمجرد الشروع الصحيح وإن أفسده للحال وفي المعراج عن الصغرى لو أفسد الصوم النفل في الحال لا يلزمه القضاء ، أما لو اختار المضي ثم أفسده عليه القضاء . قلت : وهكذا في الصلاة ولو شرعت في النفل ثم حاضت وجب القضاء . ا هـ . ومثله في شرح الشيخ إسماعيل وحمله السيد أبو السعود على النفل المظنون ، وكلام القهستاني يدل عليه ، وكذا كلام المنح كما يأتي .

( قوله أو بقيام الثالثة ) أي وقد أدى الشفع الأول صحيحا ، فإذا أفسد الثاني لزمه قضاؤه فقط ، ولا يسري إلى الأول لأن كل شفع صلاة على حدة بحر ( قوله شروعا صحيحا ) احترز به عن اقتدائه متنفلا بنحو أمي أو امرأة كما يأتي ، وقوله قصدا احترز به عما لو ظن [ ص: 30 ] أن عليه فرضا ثم تذكر خلافه كما يأتي .

( قوله إلا إذا شرع إلخ ) أي فلا يلزمه قضاء ما قطعه . ووجهه كما في البدائع أنه ما التزم إلا أداء هذه الصلاة مع الإمام وقد أداها .

( قوله بعد تذكره ) أي تذكر ذلك الفرض بأنه عليه لم يصله .

( قوله أو تطوعا آخر ) وكذا لو أطلق بأن لم ينو قضاء ما قطعه ولا غيره .

( قوله أو في صلاة ظان ) معطوف على قوله متنفلا فهو مستثنى أيضا .

وصورته كما في التتارخانية عن العيون برواية ابن سماعة عن محمد بن الحسن قال : رجل افتتح الظهر وهو يظن أنه لم يصلها فدخل رجل في صلاته يريد به التطوع ، ثم ذكر الإمام أنه ليس عليه الظهر فرفض صلاته فلا شيء عليه ولا على من اقتدى به ا هـ لكن ذكر في البحر في باب الإمامة عند قوله وفسد اقتداء رجل بامرأة وصبي أن نفل المقتدي في هذه الصورة مضمون عليه بالإفساد ، حتى يلزمه قضاؤه بخلاف الإمام ا هـ .

ويمكن الجواب بأن مراده بالإفساد إفساد المقتدي صلاته فيلزمه القضاء بإفساده دون إفساد إمامه فلا يخالف ما تقدم لكن المتبادر من كلام السراج أن المراد إفساد الإمام فإنه قال : فلو خرج الظان منها لم يجب عليه قضاؤها بالخروج عند أصحابنا الثلاثة ، ويجب على المقتدي القضاء . ا هـ . فإما أن يؤول أيضا بما قلنا وإلا فهو رواية ثانية غير ما مشى عليها الشارح فافهم .

( قوله أو أمي إلخ ) محترز قوله شروعا صحيحا لأن الشروع في صلاة من ذكر غير صحيح ، وحينئذ فلا محل لاستثنائه إلا بالنظر إلى مجرد المتن ، إذ ليس فيه ذلك القيد فافهم . قال السيد أبو السعود وينبغي في الأمي وجوب القضاء بناء على ما سبق من أن الشروع يصح ثم تفسد إذا جاء أوان القراءة . ا هـ . ( قوله يعني وأفسده في الحال ) أي حال التذكر ، وهذا راجع إلى مسألة الظان فقط .

قال في المنح : واحترز بقوله قصدا عن الشروع ظنا ، كما إذا ظن أنه لم يصل فرضا فشرع فيه فتذكر أنه قد صلاه صار ما شرع فيه نفلا لا يجب إتمامه حتى لو نقضه لا يجب القضاء . وفي الصغرى : هذا إذا أفسد الصوم النفل في الحال ، أما إذا اختار المضي ثم أفسده فعليه القضاء . قال : وهكذا في الصلاة ، كذا في المجتبى . ا هـ .

أقول : وعزاه بعض المحشين أيضا إلى شرح الجامع للتمرتاشي ، لكن علل في التجنيس مسألة الصوم بأنه لما مضى عليه صار كأنه نوى المضي عليه في هذه الساعة ، فإذا كان قبل الزوال صار شارعا في صوم التطوع فيجب عليه . ا هـ .

وحاصله أنه إذا اختار المضي على الصوم بعد التذكر وكان في وقت النية صار بمنزلة إنشاء نية جديدة فيلزمه وهذا لا يتأتى في الصلاة فإلحاقها بالصوم مشكل فليتأمل .

( قوله أما لو اختار المضي ) الظاهر أن ذلك يكون بمجرد القصد ، وفيه ما علمته . ونقل ط عن أبي السعود عن الحموي أنه لا يكون مختارا للمضي إلا إذا قيد الركعة بسجدة .

أقول : فهم الحموي ذلك من الفرق بين الصوم والصلاة الآتي قريبا ، وفيه نظر فتدبر .

( قوله على الظاهر ) أي ظاهر الرواية عن الإمام . وعنه أنه لا يلزمه بالشروع في هذه الأوقات اعتبارا بالشروع في الصوم في الأوقات المكروهة . والفرق على الظاهر صحة تسميته صائما فيه ، وفي الصلاة لا إلا بالسجود ، ولذا حنث بمجرد الشروع في لا يصوم ، بخلاف لا يصلي سيأتي إن شاء الله تعالى نهر ( قوله إلا بعذر ) استثناء من قوله حرم : أي إنه عند العذر لا يحرم إفساده ، بل قد يباح ، وقد يستحب ، وقد يجب كما قدمه في آخر مكروهات الصلاة . [ ص: 31 ] ومن العذر ما إذا كان شروعه في وقت مكروه . ففي البدائع : الأفضل عندنا أن يقطعها وإن أتم فقد أساء ولا قضاء عليه لأنه أداها كما وجبت ، فإذا قطعها لزمه القضاء ا هـ . قال في البحر : وينبغي أن يكون القطع واجبا خروجا عن المكروه تحريما ، وليس بإبطال للعمل لأنه إبطال ليؤديه على وجه أكمل فلا يعد إبطالا .

( قوله ووجب قضاؤه ) أي ولو قطعه بعذر ولو كان لكراهة الوقت كما علمت . قال في البحر : ولو قضاه في وقت مكروه آخر أجزأه لأنها وجبت ناقصة ، وأداها كما وجبت فيجوز كما لو أتمها في ذلك الوقت .

( قوله وسيجيء ) أي في كتاب الإيمان وذكر في البحر شيئا من أحكامه هنا فراجعه .

( قوله ويجمعها ) أي النوافل التي تجب بالشروع وضابطها كل عبادة تلزم بالنذر ويتوقف ابتداؤها على ما بعده في الصحة ، كما قدمناه قريبا عن شرح المنية .

( قوله من النوافل إلخ ) هذا النظم عزاه السيد أبو السعود إلى صدر الدين بن العز ، وهو النوع المسمى عند المولدين بالمواليا ، وبحره بحر البسيط .

( قوله قاله الشارع ) هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لأنه الذي شرع الأحكام ، وفيه مع ما قبله الجناس التام ( قوله طواف ) أي يلزمه إتمام سبعة أشواط بالشروع فيه بمجرد النية إلا إذا شرع فيه يظن أنه عليه كما في شرح اللباب .

( قوله عكوفه ) سيذكر الشارح في باب الاعتكاف نقلا عن المصنف وغيره أن ما في بعض المعتبرات من أنه يلزم بالشروع مفرع على الضعيف : أي على رواية تقدير الاعتكاف النفل بيوم ، أما على ظاهر الرواية من أن أقله ساعة فلا يلزم ، بل ينتهي بالخروج من المسجد .

قلت : لكن ذكر في البدائع أن الشروع فيه ملزم بقدر ما اتصل به الأداء ، ولما خرج فما وجب إلا ذلك القدر فلا يلزمه أكثر منه ا هـ فتأمل ، نعم سنذكر في الاعتكاف عن الفتح أن اعتكاف العشر في رمضان ينبغي لزومه بالشروع .

( قوله إحرامه ) قال في لباب المناسك : لو نوى الإحرام من غير تعيين حجة أو عمرة صح ولزمه وله أن يجعله لأيهما شاء قبل أن يشرع في أعمال أحدهما ا هـ وبهذا غاير الحج والعمرة وإن استلزماه فاندفع التكرار كما قاله ح .




الخدمات العلمية