الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومن الآداب تعاهد موقيه وكعبيه وعرقوبيه وأخمصيه ، وإطالة غرته وتحجيله ، وغسل رجليه بيساره ، [ ص: 131 ] وبلهما عند ابتداء الوضوء في الشتاء والتمسح بمنديل ، وعدم نفض يده ، وقراءة سورة القدر ، وصلاة ركعتين ، في غير وقت كراهة .

التالي السابق


( قوله : تعاهد موقيه ) تثنية موق : هو آخر العين من جهة الأنف أي لاحتمال وجود رمص وقدمنا أنه يجب غسل ما تحته إن بقي خارجا بتغميض العين وإلا فلا ( قوله : وكعبيه إلخ ) هما العظمات الناتئان في الرجل . والعرقوب : العصب الغليظ الذي فوق العقب . والأخمص : من باطن القدم ما لم يصب الأرض قاموس . مطلب في الغرة والتحجيل

( قوله : وإطالة غرته وتحجيله ) لما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء ، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل } وفي رواية { فمن استطاع منكم فليطل غرته وتحجيله } " حلية ; وبه علم أن قول الشارح : وتحجيله بالجر عطفا على غرته . وفي البحر : وإطالة الغرة تكون بالزيادة على الحد المحدود . وفي الحلية : والتحجيل يكون في اليدين والرجلين ، وهل له حد ؟ لم أقف فيه على شيء لأصحابنا . ونقل النووي اختلاف الشافعية فيه على ثلاثة أقوال : الأول أنه يستحب الزيادة فوق المرفقين والكعبين بلا توقيت . الثاني إلى نصف العضد والساق . والثالث إلى المنكب والركبتين . قال : والأحاديث تقتضي ذلك كله . ا هـ . ونقلط الثاني عن شرح الشرعة مقتصرا عليه ( قوله : وغسل رجليه بيساره ) لعل المراد به دلكهما باليسار لما قدمناه أنه يندب إفراغ الماء بيمينه ، ثم رأيت في شرح الشيخ إسماعيل قال : يفرغ الماء بيمينه على رجليه ويغسلها بيساره . ا هـ . وأخرج السيوطي في الجامع الصغير عن أبي هريرة رضي الله عنه { إذا توضأ أحدكم فلا يغسل [ ص: 131 ] أسفل رجليه بيده اليمنى } ( قوله : وبلهما إلخ ) أي الرجلين ، لكن في البحر عند الكلام على غسل الوجه عن خلف بن أيوب أنه قال : ينبغي للمتوضئ في الشتاء أن يبل أعضاءه بالماء شبه الدهن ثم يسيل الماء عليها لأن الماء يتجافى عن الأعضاء في الشتاء . ا هـ . مطلب في التمسح بمنديل

( قوله : والتمسح بمنديل ) ذكره صاحب المنية في الغسل . وقال في الحلية : ولم أر من ذكره غيره ، وإنما وقع الخلاف في الكراهة ; ففي الخانية : ولا بأس للمتوضئ والمغتسل . روي عن رسول صلى الله عليه وسلم أنه كان يفعله ، ومنهم من كره ذلك ومنهم من كرهه للمتوضئ دون المغتسل . والصحيح ما قلنا ، إلا أنه ينبغي أن لا يبالغ ولا يستقصي فيبقي أثر الوضوء ، على أعضائه ا هـ وكذا وقع بلفظ لا بأس في خزانة الأكمل وغيرها ، وعزاه في الخلاصة إلى الأصل ا هـ ما في الحلية ، ثم ذكر أدلة الأقوال الثلاثة والقائلين بها من السلف وأطال وأطاب كما هو دأبه رحمه الله تعالى وقدمنا عن الفتح أن من المندوبات ترك التمسح بخرقة يمسح بها موضع الاستنجاء أي التي يمسح بها ماء الاستنجاء لاستقذارها ، وليس فيه ما يفيد ترك التمسح بغيرها فافهم ( قوله : وعدم نفض يده ) لحديث { لا تنفضوا أيديكم في الوضوء ، فإنها مراوح الشيطان } ذكره في المعراج لكنه حديث ضعيف كما ذكره المناوي ، بل قد ثبت في الصحيحين { عن ميمونة رضي الله عنها أنها جاءته بخرقة بعد الغسل فردها وجعل ينفض الماء بيده } تأمل ( قوله : وقراءة سورة القدر ) لأحاديث وردت فيها ذكرها الفقيه أبو الليث في مقدمته ، لكن قال في الحلية : سأل عنها شيخنا الحافظ ابن حجر العسقلاني ; فأجاب بأنه لم يثبت منها شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم لا من قوله ولا من فعله ، والعلماء يتساهلون في ذكر الحديث الضعيف والعمل به في فضائل الأعمال . ا هـ . ( قوله : وصلاة ركعتين ) لما رواه مسلم وأبو داود وغيرهما { ما من أحد يتوضأ فيحسن الوضوء ويصلي ركعتين يقبل بقلبه ووجهه عليهما إلا وجبت له الجنة } حلية ( قوله : في غير وقت كراهة ) هي الأوقات الخمسة : الطلوع وما قبله ، والاستواء والغروب وما قبله بعد صلاة العصر ، وذلك لأن ترك المكروه أولى من فعل المندوب كما في شرح المنية ط . [ تتمة ]

ينبغي أن يزاد في المندوبات أن لا يتطهر من ماء أو تراب من أرض مغصوب عليها كآبار ثمود ، فقد نص الشافعية على كراهة التطهير منها ، بل نص الحنابلة على المنع منه ، وظاهره أنه لا يصح عندهم ، ومراعاة الخلاف عندنا مطلوبة ، وكذا يقال في التطهير بفضل ماء المرأة كما يأتي قريبا في المنهيات ، والله أعلم .




الخدمات العلمية