الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ومكروهه : لطم الوجه ) [ ص: 132 ] أو غيره ( بالماء ) تنزيها ، والتقتير ( والإسراف ) ومنه الزيادة على الثلاث ( فيه ) تحريما ولو بماء النهر ، والمملوك له . أما الموقوف على من يتطهر به ، ومنه ماء المدارس ، [ ص: 133 ] فحرام ( وتثليث المسح بماء جديد ) أما بماء واحد فمندوب أو مسنون .

التالي السابق


مطلب في تعريف المكروه ، وأنه قد يطلق على الحرام والمكروه تحريما وتنزيها . ( قوله : ومكروهه ) هو ضد المحبوب ; قد يطلق على الحرام

كقول القدوري في مختصره : ومن صلى الظهر في منزله يوم الجمعة قبل صلاة الإمام ولا عذر له كره له ذلك . وعلى المكروه تحريما : وهو ما كان إلى الحرام أقرب ، ويسميه محمد حراما ظنيا . وعلى المكروه تنزيها : وهو ما كان تركه أولى من فعله ، ويرادف خلاف الأولى كما قدمناه . [ ص: 132 ]

وفي البحر : من مكروهات الصلاة المكروه في هذا الباب نوعان : أحدهما ما كره تحريما ، وهو المحمل عند إطلاقهم الكراهة كما في زكاة فتح القدير ، وذكر أنه في رتبة الواجب لا يثبت إلا بما يثبت به الواجب يعني بالظني الثبوت . ثانيهما المكروه تنزيها ، ومرجعه إلى ما تركه أولى ، وكثيرا ما يطلقونه كما في شرح المنية ، فحينئذ إذا ذكروا مكروها فلا بد من النظر في دليله ، فإن كان نهيا ظنيا يحكم بكراهة التحريم إلا لصارف للنهي عن التحريم إلى الندب ، فإن لم يكن الدليل نهيا بل كان مفيدا للترك الغير الجازم فهي تنزيهية . ا هـ . ( قوله : أو غيره ) أي غير الوجه من الأعضاء كما في الحاوي ، ولعل المصنف اقتصر على الوجه لما له من مزيد الشرف ( قوله : تنزيها ) لما قدمنا عن الفتح من أن تركه أدب . قال في الحلية لأنه يوجب انتضاح الماء المستعمل على ثيابه وتركه أولى ، وأيضا هو خلاف التؤدة والوقار ، فالنهي عنه نهي أدب . ا هـ . ( قوله : والتقتير ) أي بأن يقرب إلى حد الدهن ويكون التقاطر غير ظاهر ، بل ينبغي أن يكون ظاهرا ليكون غسلا بيقين في كل مرة من الثلاث شرح المنية . مطلب في الإسراف في الوضوء

( قوله : والإسراف ) أي بأن يستعمل منه فوق الحاجة الشرعية ، لما أخرج ابن ماجه وغيره عن عبد الله بن عمرو بن العاص { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بسعد وهو يتوضأ فقال : ما هذا السرف ؟ فقال : أفي الوضوء إسراف ؟ فقال : نعم ، وإن كنت على نهر جار } حلية ( قوله : ومنه ) أي من الإسراف الزيادة على الثلاث أي في الغسلات مع اعتقاد أن ذلك هو السنة لما قدمناه من الصحيح أن النهي محمول على ذلك ، فإذا لم يعتقد ذلك وقصد الطمأنينة عند الشك ، أو قصد الوضوء على الوضوء بعد الفراغ منه فلا كراهة كما مر تقريره ( قوله : فيه ) أي في الماء ( قوله : تحريما إلخ ) نقل ذلك في الحلية عن بعض المتأخرين من الشافعية وتبعه عليه في البحر وغيره ، وهو مخالف لما قدمناه عن الفتح من عده ترك التقتير والإسراف من المندوبات ، ومثله في البدائع وغيرها ، لكن قال في الحلية : ذكر الحلواني أنه سنة ; وعليه مشى قاضي خان ، وهو وجيه ا هـ واستوجبه في البحر أيضا وكذا في النهر . قال : والمراد بالسنة المؤكدة لإطلاق النهي عن الإسراف ، وجعل في المنتقى الإسراف من المنهيات فتكون تحريمية لأن إطلاق الكراهة مصروف إلى التحريم ، وبه يضعف جعله مندوبا .

أقول : قد تقدم أن النهي عنه في حديث { فمن زاد على هذا أو نقص فقد تعدى وظلم } محمول على الاعتقاد عندنا ، كما صرح به في الهداية وغيرها . وقال في البدائع : إنه الصحيح ، حتى لو زاد أو نقص واعتقد أن الثلاث سنة لا يلحقه الوعيد وقدمنا أنه صريح في عدم كراهة ذلك يعني كراهة تحريم ، فلا ينافي الكراهة التنزيهية ، فما مشى عليه هنا في الفتح والبدائع وغيرهما من جعل تركه مندوبا مبني على ذلك التصحيح ، فيكره تنزيها ، ولا ينافيه عده من المنهيات كما عد منها لطم الوجه بالماء ، فإن المكروه تنزيها منهي عنه حقيقة اصطلاحا ، ومجازا لغة كما في التحرير . وأيضا فقد عده في الخزانة السمرقندية من المنهيات ، لكن قيده بعدم اعتقاد تمام السنة بالثلاث ، كما نقله الشيخ إسماعيل ، وعليه يحمل قول من جعل تركه سنة ، وليست الكراهة مصروفة إلى التحريم مطلقا كما ذكرناه آنفا ، على أن الصارف للنهي عن التحريم ظاهر ، فإن من أسرف في الوضوء بماء النهر مثلا مع عدم اعتقاد سنية ذلك نظير من ملأ إناء من النهر ثم أفرغه فيه ، وليس في ذلك محذور سوى أنه عبث لا فائدة فيه ، وهو في الوضوء زائد على المأمور به ; فلذا سمي في الحديث إسرافا . [ ص: 133 ]

قال في القاموس : الإسراف : التبذير أو ما أنفق في غير طاعة ، ولا يلزم من كونه زائدا على المأمور به وغير طاعة أن يكون حراما ، نعم إذا اعتقد سنيته يكون قد تعدى وظلم لاعتقاده ما ليس بقربة قربة ، فلذا حمل علماؤنا النهي على ذلك ، فحينئذ يكون منهيا عنه ويكون تركه سنة مؤكدة ، ويؤيده ما قدمه الشارح عن الجواهر من أن الإسراف في الماء الجاري جائز لأنه غير مضيع وقدمنا أن الجائز قد يطلق على ما لا يمتنع شرعا فيشمل المكروه تنزيها ، وبهذا التقرير تتوافق عباراتهم . وأما ما ذكره الشارح هنا فقد علمت أنه ليس من كلام المشايخ المذهب فلا يعارض ما صرحوا به وصححوه ، هذا ما ظهر لي في هذا المقام ، والسلام . ( قوله : فحرام ) لأن الزيادة غير مأذون بها لأنه إنما يوقف ويساق لمن يتوضأ الوضوء الشرعي ولم يقصد إباحتها لغير ذلك حلية ، وينبغي تقييده بما ليس بجار كالذي في صهريج أو حوض أو نحو إبريق ، أما الجاري كماء مدارس دمشق وجوامعها فهو من المباح كماء النهر كما أفاده الرحمتي .




الخدمات العلمية