الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولو كررها في مجلسين تكررت وفي مجلس ) واحد ( لا ) تتكرر بل كفته واحدة وفعلها بعد الأولى أولى قنية . وفي البحر التأخير أحوط والأصل أن مبناها على التداخل دفعا للحرج [ ص: 115 ] بشرط اتحاد الآية والمجلس ( وهو تداخل في السبب ) بأن يجعل الكل كتلاوة واحدة فتكون الواحدة سببا والباقي تبعا لها ، وهو أليق بالعبادة لأن تركها مع وجود سببها شنيع ( لا ) تداخل ( في الحكم ) بأن تجعل كل تلاوة سببا لسجدة فتداخلت السجدات فاكتفي بواحدة لأنه أليق بالعقوبة لأنها للزجر وهو ينزجر بواحدة فيحصل المقصود والكريم يعفو مع قيام سبب العقوبة وأفاد الفرق بقوله ( فتنوب الواحدة ) في تداخل السبب ( عما قبلها وعما بعدها ) ولا تنوب في تداخل الحكم إلا عما قبلها حتى لو زنى فحد ثم زنى في المجلس حد ثانيا ( و ) إسداء ( الثوب ) ذاهبا وآيبا ( وانتقاله من غصن ) شجرة ( إلى آخر وسبحه في نهر أو حوض تبديل ) للمجلس أو الآية [ ص: 116 ] ( فتجب ) سجدة أو سجدات ( أخرى ) بخلاف زوايا مسجد وبيت وسفينة سائرة وفعل قليل كأكل لقمتين وقيام [ ص: 117 ] ورد سلام ، وكذا دابة يصلي عليها لأن الصلاة تجمع الأماكن ولو لم يصل تتكرر ( كما ) تتكرر ( لو تبدل مجلس سامع دون تال ) حتى لو كررها راكبا يصلي وغلامه يمشي تتكرر على الغلام لا الراكب ( لا ) تتكرر ( في عكسه ) وهو تبدل مجلس التالي دون السامع على المفتى به وهذا يفيد ترجيح سببية السماع وأما الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم فكذلك عند المتقدمين . وقال المتأخرون : تتكرر إذ لا تداخل في حقوق العباد ، وأما العطاس فالأصح أنه إن زاد على الثلاث لا يشمته خلاصة

التالي السابق


( قوله ولو كررها في مجلسين تكررت ) الأصل أنه لا يتكرر الوجوب إلا بأحد أمور ثلاثة : اختلاف التلاوة أو السماع أو المجلس .

أما الأولان : فالمراد بهما اختلاف المتلو والمسموع حتى لو تلا سجدات القرآن كلها أو سمعها في مجلس أو مجالس وجبت كلها .

وأما الأخير فهو قسمان : حقيقي بالانتقال منه إلى آخر بأكثر من خطوتين كما في كثير من الكتب ، أو بأكثر من ثلاث كما في المحيط ما لم يكن للمكانين حكم الواحد ، كالمسجد والبيت والسفينة ولو جارية ، والصحراء بالنسبة للتالي في الصلاة راكبا . وحكمي وذلك بمباشرة عمل يعد في العرف قطعا لما قبله كما لو تلا ثم أكل كثيرا أو نام مضطجعا أو أرضعت ولدها أو أخذ في بيع أو شراء أو نكاح ، بخلاف ما إذا طال جلوسه أو قراءته أو سبح أو هلل أو أكل لقمة أو شرب شربة أو نام قاعدا أو كان جالسا فقام أو مشى خطوتين أو ثلاثا على الخلاف أو كان قائما فقعد أو نازلا فركب في مكانه فلا تتكرر حلية ملخصا ( قوله بل كفته واحدة ) ولا يندب تكرارها بخلاف الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي .

( قوله وفي البحر التأخير أحوط ) لأن بعضهم قال إن التداخل فيها في الحكم لا في السبب ، حتى لو سجد للأولى ثم أعادها لزمته أخرى كحد الشرب والزنا نقله في المجتبى بحر : وأجاب الرملي بأن المبادرة إلى العبادة أولى ولا يمنع منه قول البعض لضعفه ومثله في شرح الشيخ إسماعيل وقال ولا سيما إذا كان بعض الحاضرين محتمل الذهاب كما يتفق في الدروس .

( قوله والأصل أن مبناها ) أي السجدة وهذا استحسان والقياس أن تتكرر لأن التلاوة سبب للوجوب شرنبلالية .

( قوله دفعا للحرج ) لأن في إيجاب [ ص: 115 ] السجدة لكل تلاوة حرجا خصوصا للمعلمين والمتعلمين وهو منفي بالنص بحر .

( قوله بشرط اتحاد الآية والمجلس ) أي بأن يكون المكرر آية واحدة في مجلس واحد ، فلو تلا آيتين في مجلس واحد أو آية واحدة في مجلسين فلا تداخل ولم يشترط اتحاد السماع لأنه إنما يكون باتحاد المسموع فيغني عنه اشتراط اتحاد الآية ، وأشار إلى أنه متى اتحدت الآية والمجلس لا يتكرر الوجوب وإن اجتمع التلاوة والسماع ولو من جماعة ففي البدائع لا يتكرر ، ولو اجتمع سببا الوجوب وهما التلاوة والسماع بأن تلاها ثم سمعها أو بالعكس أو تكرر أحدهما . ا هـ . وفي البزازية : سمعها من آخر ومن آخر أيضا وقرأها كفت سجدة واحدة في الأصح لاتحاد الآية والمكان ا هـ ونحوه في الخانية ، فعلى هذا لو قرأها جماعة وسمعها بعضهم من بعض كفتهم واحدة .

( قوله وهو تداخل ) الضمير راجع إلى عدم التكرار المفهوم من قول المصنف وفي مجلس واحد لا أو إلى التداخل في عبارة الشارح وهما بمعنى واحد .

( قوله فتكون إلخ ) تفريع صحيح لأنه بيان وتوضيح لكيفية جعل الكل كتلاوة واحدة فافهم ( قوله لأن تركها إلخ ) علة لمحذوف تقديره وإنما لم يجعل من التداخل في الحكم مع تعدد الأسباب أفاده ط .

( قوله لأنه أليق بالعقوبة ) علة للنفي ، وقوله لأنها للزجر إلخ علة للعلة . والحاصل أنا لم نقل بالتداخل في الحكم في العبادات لما يلزم عليه من الأمر الشنيع وهو ترك العبادة المطلوب تكثيرها مع قيام سببها فجعلنا الكل سببا واحدا لدفع ذلك لأنه أليق بها ; أما العقوبات فإن مبناها على الدرء والعفو فلا يلزم من تركها مع قيام سببها الأمر الشنيع بل يحصل المقصود منها في الدنيا وهو الزجر بعقوبة واحدة مع جواز عفو المولى تعالى في الآخرة وإن تعدد السبب .

( قوله وأفاد الفرق ) أي بين التداخلين . وجه الفرق أنه لما جعلنا الأولى سببا والباقي تبعا لها كان أينما سجد سجد بعد السبب بخلافه في الثاني فإن الأسباب فيه على حالها فلا بد من السجود بعد تمام الأسباب ح ( قوله حد ثانيا ) أي لوجود سببه مع ظهور أنه لم يحصل المقصود وهو الانزجار عن الزنا بالحد الأول ، بخلاف حد القذف إذا أقيم مرة ثم قذفه مرارا لم يحد لأن العار قد اندفع بالأول لظهور كذبه بحر .

( قوله ذاهبا وآيبا ) أما إذا كان يدير السداء على الدائرة وهو جالس في مكان واحد فلا يتكرر بحر عن الفتح بحثا وفيه نظر يأتي قريبا .

( قوله وانتقاله من غصن إلى آخر ) أي سواء كان قريبا أو بعيدا على الصحيح . وفي الواقعات الحسامية إن أمكنه الانتقال بدون نزول كفته واحدة لاتحاد المجلس وإلا فلا لاختلافه ا هـ وهذا ما أفتى به شمس الأئمة الحلواني وغيره من الأئمة ط عن حاشية الزيلعي للشلبي .

( قوله أو حوض ) قال محمد : إن كان عرض الحوض وطوله مثل طول المسجد وعرضه لا يتكرر الوجوب والصحيح أنه يتكرر خانية .

( قوله تبديل للمجلس ) أي في حق التالي أو الآية أي في حق السامع كذا في شرحه على الملتقى . [ ص: 116 ] قلت : الظاهر أن يقال أو التلاوة بدل الآية لأن السبب في حق السامع هو التلاوة كما مر على أنه مخالف لقول المصنف الآتي لا عكسه فإنه مبني على سببية السماع ، وعليه فكان المناسب التعبير بالسماع . وقد يجاب بأنه مبني على سببية السماع ولما كان تبدل السماع بتبدل المسموع أتى بقوله أو الآية بدل قوله أو السماع تأمل .

( قوله فتجب سجدة أو سجدات ) أي بقدر تعدد التلاوة ، وقوله أخرى صفة سجدة ويقدر لقوله أو سجدات صفة غيرها أي أخر ففيه حذف الصفة لدليل وإقحام المعطوف بين المعطوف عليه وصفته .

( قوله بخلاف زوايا مسجد ) أي ولو كبيرا على الأوجه وكذا البيت . وفي الخانية والخلاصة إلا إذا كانت الدار كبيرة كدار السلطان . ا هـ . حلية وظاهر أن الدار التي دونها لها حكم البيت وإن اشتملت على بيوت ، ثم قال في الحلية : ثم الأصل على ما في الخانية والخلاصة أن كل موضع يصح الاقتداء فيه بمن يصلي في طرف منه يجعل كمكان واحد ولا يتكرر الوجوب فيه وما لا فلا ، فعلى هذا لو كانت الشجرة أو تسدية الثوب أو التردد في الدياسة أو حول رحا الطحن ونحو ذلك فيما له حكم المكان الواحد كالمسجد ينبغي أن لا يتكرر الوجوب بتكرير التلاوة . ا هـ .

قلت : هو بحث وجيه ، لكن ظاهر إطلاقهم خلافه ولعل وجهه أن الانتقال من غصن إلى غصن والتسدية ونحو ذلك أعمال أجنبية كثيرة يختلف بها المجلس حكما كالكلام والأكل الكثير لما مر من أن المجلس يختلف حكما بمباشرة عمل يعد في العرف قطعا لما قبله ، ولا شك أن هذه الأفعال كذلك وإن كانت في المسجد أو البيت بل يختلف بها حقيقة لأن المسجد مكان واحد حكما وبهذه الأفعال المشتملة على الانتقال يختلف حقيقة بخلاف الأكل فإن الاختلاف فيه حكمي ، وعلى كل يتكرر الوجوب ولذا قيد في الواقعات الانتقال من غصن إلى غيره بما إذا احتاج إلى نزول كما قدمناه أي ليكون عملا كثيرا .

والحاصل أن ما له حكم المكان الواحد كالمسجد والبيت لا يضر الانتقال فيه بأكثر من ثلاث خطوات ما لم يقترن بعمل أجنبي يعد في العرف قطعا لما قبله كالدياسة والتسدية ، بخلاف مجرد المشي من غير عمل بل إطلاق كلامهم يدل على أن ذلك العمل الأجنبي كالأكل الكثير والبيع والشراء يضر هنا ، ولو بدون مشي وانتقال حيث لم يقيدوه بغير المسجد والبيت ومقتضاه تكرار الوجوب لو فصل بين التلاوتين بعمل دنيوي كخياطة وحياكة ولو كان في المسجد أو البيت في مكان واحد ولهذا قال في البدائع في تحقيق اختلاف المجلس حكما بالبيع ونحوه ; ألا ترى أن القوم يجلسون لدرس العالم فيكون مجلس الدرس ثم يشتغلون بالنكاح فيصير مجلس النكاح ، ثم بالبيع ، فيصير مجلس البيع ، ثم بالأكل فيصير مجلس الأكل فصار تبدله بهذه الأفعال كتبدله بالذهاب والرجوع . ا هـ .

وعلى هذا فما مر عن الفتح من أنه إذا كان يدير السداء على الدائرة وهو جالس في مكان واحد ، فلا يتكرر فيه نظر إلا أن يحمل على ما إذا لم يفصل بين التلاوتين بعمل كثير من ذلك ، وإلا فما الفرق بين إدارة الدائرة كثيرا وبين الأكل الكثير وإرضاع الولد ونحوهما مما مر أنه يختلف به المجلس . وقد يقال : إنه إذا جلس للتسدية وقرأ مرارا لا تكون التسدية فاصلة لكون المجلس لها . وعليه يقال مثله في الأكل ونحوه فتأمل ، هذا ما ظهر لي تحريره في هذا المحل ، والله تعالى أعلم .

( قوله وفعل قليل ) احترز به عن الفعل الكثير الذي يعد قاطعا للمجلس عرفا كما مر بخلاف ما إذا طال جلوسه أو قراءته أو سبح أو هلل كما قدمناه أو وعظ أو درس كما في التتارخانية .

( قوله وقيام ) أي [ ص: 117 ] في محله ، ومثله لو مشى خطوتين أو ثلاثا على ما مر .

( قوله ورد سلام ) أي وتشميت عاطس ، بخلاف ما لو تكلم كلمات أو شرب جرعات أو عقد نكاحا أو بيعا فإنه لا يكفيه سجدة واحدة شرح المنية .

( قوله وكذا دابة ) أي سائرة ح ( قوله لأن الصلاة تجمع الأماكن ) ضرورة أن اختلاف المكان يمنع صحة الصلاة ، ومفاده التسوية بين كون التكرار في ركعة أو أكثر وهو قول أبي يوسف وهو الأصح خلافا لمحمد فإن عنده يتكرر الوجوب بتكرارها في ركعتين شرح المنية .

( قوله ولو لم يصل تتكرر ) لأن سيرها مضاف إليه حتى يجب عليه ضمان ما أتلفت بخلاف سير السفينة ح عن الدرر .

( قوله كما تتكرر ) أي على السامع دون التالي وفي عكسه بعكسه ط .

والحاصل أن من تكرر مجلسه من سامع أو تال تكرر الوجوب عليه دون صاحبه .

( قوله وغلامه يمشي ) أقول : ومثله لو كان راكبا معه لما في شرح تلخيص الجامع لو كان المصلي على الدابة في محمل وكررها مرارا يتحد الوجوب في حقه ويتعدد في حق عديله لاختلاف المكان في حق السامع ا هـ أي إلا إذا اقتدى به . وفي الخانية راكبان كل منهما يصلي صلاة نفسه فتلا أحدهما آية مرتين والآخر آية أخرى مرة وسمع كل من الآخر ; فعلى الأول سجدتان

إحداهما : في الصلاة لقراءته ، والأخرى بعد الفراغ لقراءة صاحبه لأنها لا تكون صلاتية وعلى الثاني سجدة في صلاته لقراءته وسجدتان بعد الفراغ لتلاوتي صاحبه على رواية النوادر وواحدة في ظاهر الرواية وعليه الاعتماد لأن السامع مكانه واحد وكذا التالي . ا هـ .

( قوله تتكرر على الغلام ) لتبدل المجلس في حقه بخلاف الراكب لأن الصلاة تجمع المتفرق ط ( قوله لا تتكرر ) أي على السامع .

( قوله على المفتى به ) راجع إلى صورة العكس فقط ، ومقابله ما صححه في الكافي من تكررها على السامع أيضا لأن التلاوة هي السبب في حقه أيضا لكن بشرط السماع وصحح في الهداية والخانية الأول . قال في الينابيع وعليه الفتوى . قال الفقير وبه نأخذ شرح المنية .

( قوله وأما الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم فكذلك ) أي كالسجدة تتكرر عند ذكر اسمه الشريف أو سماعه في مجلسين لا في مجلس ، وكان الأولى ذكر هذه المسألة عند قول المتن ، ولو كررها في مجلسين إلخ كما فعل في البحر .

قال في شرح المنية : واعلم أن حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند ذكر اسمه على القول بوجوبها كحكم السجدة في عدم تكرر الوجوب عند اتحاد المجلس ، لكن يندب تكرار الصلاة دون السجود . والفرق أن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم يتقرب بها مستقلة وإن لم يذكر بخلاف السجدة فإنها لا يتقرب بها مستقلة من غير تلاوة . ا هـ .

( قوله : وقال المتأخرون : تتكرر ) قال في البحر وقدمنا ترجيحه . ا هـ . وتقدم هذا البحث في فصل إذا أراد الشروع وقدمنا هناك ترجيح الأول وصححه في الكافي هنا وجزم به ابن الهمام في زاد الفقير .

( قوله فالأصح إلخ ) وقيل مرة وقيل إلى العشر وقيل كلما عطس ح وإنما يجب تشميته إذا حمد الله تعالى كذا في شرح تلخيص الجامع




الخدمات العلمية