الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولو ) كان ( عاصيا بسفره ) لأن القبح المجاور لا يعدم المشروعية ( حتى يدخل موضع مقامه ) إن سار مدة السفر ، وإلا فيتم بمجرد نية العود لعدم استحكام [ ص: 125 ] السفر ( أو ينوي ) ولو في الصلاة إذا لم يخرج وقتها ولم يك لاحقا ( إقامة نصف شهر ) حقيقة أو حكما لما في البزازية وغيرها : لو دخل الحاج الشام وعلم أنه لا يخرج إلا مع القافلة في نصف شوال أتم لأنه كناوي الإقامة ( بموضع ) واحد ( صالح لها ) من مصر أو قرية أو صحراء دارنا وهو من أهل الأخبية ( فيقصر إن نوى ) الإقامة ( في أقل منه ) أي في نصف شهر ( أو ) نوى ( فيه [ ص: 126 ] لكن في غير صالح ) أو كنحو جزيرة أو نوى فيه لكن ( بموضعين مستقلين كمكة ومنى ) فلو دخل الحاج مكة أيام العشر لم تصح نيته لأنه يخرج إلى منى وعرفة فصار كنية الإقامة في غير موضعها وبعد عوده من منى تصح كما لو نوى مبيته بأحدهما أو كان أحدهما تبعا للآخر بحيث تجب الجمعة على ساكنه للاتحاد حكما ( أو لم يكن مستقلا برأيه ) كعبد وامرأة ( أو دخل بلدة ولم ينوها ) أي مدة الإقامة ( بل ترقب السفر ) غدا أو بعده ( ولو بقي ) على ذلك ( سنين ) إلا أن يعلم تأخر القافلة نصف شهر كما مر

التالي السابق


( قوله ولو كان عاصيا بسفره ) أي بسبب سفره بأن كان مبنى سفره على المعصية كما لو سافر لقطع طريق مثلا ، وهذا فيه خلاف الشافعي رحمه الله وهذا بخلاف العاصي في السفر بأن عرضت المعصية في أثنائه فإنه محل وفاق .

( قوله لأن القبح المجاور إلخ ) هو ما يقبل الانفكاك ، كالبيع وقت النداء فإنه قبح لترك السعي وهو قابل للانفكاك إذ قد يوجد ترك السعي بدون البيع ، وبالعكس فكذا هنا لإمكان قطع الطريق والسرقة مثلا بلا سفر وبالعكس بخلاف القبيح لعينه وضعا كالكفر أو شرعا كبيع الحر فإنه يعدم المشروعية ، وتمام بيانه في كتب الأصول ( قوله حتى يدخل موضع مقامه ) أي الذي فارق بيوته سواء دخله بنية الاجتياز أو دخله لقضاء حاجة لأن مصره متعين للإقامة فلا يحتاج إلى نية جوهرة ، ودخل في موضع المقام ما ألحق به كالربض كما أفاده القهستاني ( قوله إن سار إلخ ) قيد لقوله حتى يدخل إي إنما يدوم على القصر إلى الدخول إن سار ثلاثة أيام .

( قوله وإلا فيتم إلخ ) أي ولو في المفازة [ ص: 125 ] وقياسه أن لا يحل فطره في رمضان ولو بينه وبين بلده يومان لأنه يقبل النقض قبل استحكامه إذ لم يتم علة فكانت الإقامة نقضا للسفر العارض ، لا ابتداء علة للإتمام أفاده في الفتح ، ثم بحث فقال : ولو قيل العلة مفارقة البيوت قاصدا مسيرة ثلاثة أيام لا استكمال سفره ثلاثة أيام بدليل ثبوت حكم السفر بمجرد ذلك وقد تمت العلة لحكم السفر ، فيثبت حكمه ما لم تثبت علة حكم الإقامة احتاج إلى الجواب . ا هـ . ولما قوي البحث عند صاحب البحر وخفي عليه الجواب قال : الذي يظهر أنه لا بد من دخوله المصر مطلقا . واعترضه في النهر بأن إبطال الدليل المعين لا يستلزم إبطال المدلول . ا هـ .

أقول : ويظهر لي في الجواب أن العلة في الحقيقة هي المشقة وأقيم السفر مقامها ولكن لا تثبت عليتها إلا بشرط ابتداء وشرط بقاء ، فالأول مفارقة البيوت قاصدا مسيرة ثلاثة أيام ، والثاني استكمال السفر ثلاثة أيام ، فإذا وجد الشرط الأول ثبت حكمها ابتداء فلذا يقصر بمجرد مفارقة العمران ناويا ولا يدوم إلا بالشرط الثاني فهو شرط لاستحكامها علة فإذا عزم على ترك السفر قبل تمامه بطل بقاؤها علة لقبولها النقض قبل الاستحكام ومضى فعله في الابتداء على الصحة لوجود شرطه ولذا لو لم يصل لعذر ثم رجع يقضيها مقصورة كما قدمناه فتدبره .

( قوله ولو في الصلاة ) شمل ما إذا كان في أولها أو وسطها أو آخرها أو كان منفردا أو مقتديا مدركا أو مسبوقا بحر ، وشمل ما إذا كان عليه سجود سهو ونوى الإقامة قبل السلام والسجود أو بعدهما ; أما لو نواها بينهما فلا تصح نيته بالنسبة لهذه الصلاة فلا يتغير فرضها إلى الأربع كما أوضحناه في بابه فافهم ( قوله إذا لم يخرج وقتها ) أي قبل أن ينوي الإقامة لأنه إذا نواها بعد صلاة ركعة ثم خرج الوقت تحول فرضه إلى الأربع ; أما لو خرج الوقت وهو فيها ثم نوى الإقامة فلا يتحول في حق تلك الصلاة كما في البحر عن الخلاصة .

( قوله ولم يك لاحقا ) أما اللاحق إذا أدرك أول الصلاة والإمام مسافر فأحدث أو نام فانتبه بعد فراغ الإمام ونوى الإقامة لم يتم لأن اللاحق في الحكم كأنه خلف الإمام إذا فرغ الإمام فقد استحكم الفرض فلا يتغير في حق الإمام فكذا في حق اللاحق بحر عن الخلاصة ، فقيد حكم اللاحق بكونه بعد فراغ الإمام وقد تركه الشارح .

( قوله حقيقة أو حكما ) تعميم لقوله ينوي .

( قوله لو دخل الحاج ) أي في أول شوال أو قبله ح والمراد بالحاج الرجل القاصد الحج .

( قوله وعلم إلخ ) أي علم أن القافلة إنما تخرج بعد خمسة عشر يوما وعزم أن لا يخرج إلا معهم بحر عن المحيط ، وإنما كان ذلك نية للإقامة حكما لا حقيقة لأنه نوى الخروج بعد خمسة عشر يوما وهي متضمنة نية الإقامة تلك المدة تأمل .

( قوله بموضع ) متعلق بإقامة في كلام المصنف لا كلام الشارح لئلا يخرج عن كونه شرطا لصحة النية .

( قوله صالح لها ) هذا إن سار ثلاثة أيام وإلا فتصح ولو في المفازة ، وفيه من البحث ما قدمناه بحر وقدمنا جوابه . والحاصل أن نية الإقامة قبل تمام المدة تكون نقضا للسفر كنية العود إلى بلده والسفر قبل استحكامه يقبل النقض ( قوله أو صحراء دارنا ) احتراز عن صحراء دار أهل الحرب فحكمه حينئذ كحكم العسكر الداخل في أرضهم ط .

( قوله وهو من أهل الأخبية ) قيد في قوله أو صحراء دارنا وهذا هو الأصح كما سيأتي متنا مع بيان محترزه ( قوله في أقل منه ) ظاهره ولو بساعة واحدة وهذا شروع في محترز ما تقدم ط ( قوله أو نوى فيه ) أي [ ص: 126 ] في نصف شهر ( قوله كبحر ) قال في المجتبى والملاح مسافر إلا عند الحسن وسفينته أيضا ليست بوطن ا هـ بحر . وظاهره ولو كان ماله وأهله معه فيها ثم رأيته صريحا في المعراج .

( قوله أو جزيرة ) أي ليس لها أهل يسكنونها .

( قوله أو نوى فيه ) أي في صالح لها ( قوله بموضعين مستقلين ) لا فرق بين المصرين والقريتين والمصر والقرية بحر .

( قوله فلو دخل إلخ ) هو ضد مسألة دخول الحاج الشام فإنه يصير مقيما حكما وإن لم ينو الإقامة وهذا مسافر حكما وإن نوى الإقامة لعدم انقضاء سفره ما دام عازما على الخروج قبل خمسة عشر يوما أفاده الرحمتي .

قيل : هذه المسألة كانت سببا لتفقه عيسى بن أبان وذلك أنه كان مشغولا بطلب الحديث قال : فدخلت مكة في أول العشر من ذي الحجة مع صاحب لي وعزمت على الإقامة شهرا فجعلت أتم الصلاة فلقيني بعض أصحاب أبي حنيفة فقال لي : أخطأت فإنك تخرج إلى منى وعرفات ، فلما رجعت من منى بدا لصاحبي أن يخرج وعزمت على أن أصاحبه ، وجعلت أقصر الصلاة فقال لي صاحب أبو حنيفة : أخطأت فإنك مقيم بمكة فما لم تخرج منها لا تصير مسافرا ، فقلت : أخطأت في مسألة في موضعين فرحلت إلى مجلس محمد واشتغلت بالفقه قال في البدائع : وإنما أوردنا هذه الحكاية ليعلم مبلغ العلم فيصير مبعثة للطلبة على طلبه . ا هـ . بحر .

أقول : ويظهر من هذه الحكاية أن نيته الإقامة لم تعمل عملها إلا بعد رجوعه لوجود خمسة عشر يوما بلا نية خروج في أثنائها ، بخلاف ما قبل خروجه إلى عرفات لأنه لما كان عازما على الخروج قبل تمام نصف شهر لم يصر مقيما ، ويحتمل أن يكون جدد نية الإقامة بعد رجوعه وبهذا سقط ما أورده العلامة القاري في شرح اللباب من أن في كلام صاحب الإمام تعارضا حيث حكم أولا بأنه مسافر وثانيا بأنه مقيم مع أن المسألة بحالها ، والمفهوم من المتون أنه لو نوى في إحداهما نصف شهر صح فحينئذ لا يضره خروجه إلى عرفات إذ لا يشترط كونه نصف شهر متواليا بحيث لا يخرج فيه ا هـ ملخصا . ووجه السقوط أن التوالي لا يشترط إذا لم يكن من عزمه الخروج إلى موضع آخر لأنه يكون ناويا الإقامة في موضعين ، نعم بعد رجوعه من منى صحت نيته لعزمه على الإقامة نصف شهر في مكان واحد ، والله أعلم .

( قوله كما لو نوى مبيته بأحدهما ) فإن دخل أولا الموضع الذي نوى المقام فيه نهارا لا يصير مقيما ، وإن دخل أولا ما نوى المبيت فيه يصير مقيما ثم بالخروج إلى الموضع الآخر لا يصير مسافرا لأن موضع إقامة الرجل حيث يبيت به حلية .

( قوله أو كان أحدهما تبعا للآخر ) كالقرية التي قربت من المصر بحيث يسمع النداء على ما يأتي في الجمعة وفي البحر لو كان الموضعان من مصر واحد أو قرية واحدة فإنها صحيحة لأنهما متحدان حكما ألا ترى أنه لو خرج إليه مسافرا لم يقصر . ا هـ . ط .

( قوله بحيث تجب ) حيثية تفسير للتبعية ح .

( قوله أو لم يكن مستقلا برأيه ) عطف على قوله إن نوى أقل منه وصورته نوى التابع الإقامة ولم ينوها المتبوع أو لم يدر فإنه لا يتم . ا هـ . ح والمسألة ستأتي مع بيان شروطها والخلاف فيها ( قوله أو دخل بلدة ) أي لقضاء حاجة أو انتظار رفقة .

( قوله ولم ينوها ) وكذا إذا نواها وهو مترقب للسفر كما في البحر لأن حالته تنافي عزيمته .

( قوله كما مر ) أي في مسألة دخول الحاج الشام




الخدمات العلمية