الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
لا بأس بالتخطي ما لم يأخذ الإمام في الخطبة ولم يؤذ أحدا إلا أن لا يجد إلا فرجة أمامه فيتخطى إليها للضرورة

[ ص: 164 ] ويكره التخطي للسؤال بكل حال { وسئل عليه الصلاة والسلام عن ساعة الإجابة فقال : ما بين جلوس الإمام إلى أن يتم الصلاة } وهو الصحيح . وقيل : وقت العصر وإليه ذهب المشايخ كما في التتارخانية وفيها سئل بعض المشايخ ليلة الجمعة أفضل أم يومها ؟ فقال : يومها ذكر في إحكامات الأشباه مما اختص به يومها قراءة الكهف فيه ومن فهم عطفه على قوله ، ويكره إفراده بالصوم ، وإفراد ليلته بالقيام فقد وهم ، وفيه تجتمع الأرواح وتزار القبور [ ص: 165 ] ويأمن الميت من عذاب القبر ومن مات فيه أو في ليلته أمن من عذاب القبر ، ولا تسجر فيه جهنم ، وفيه يزور أهل الجنة ربهم تعالى :

التالي السابق


( قوله ولم يؤذ أحدا ) بأن لا يطأ ثوبا ولا جسدا وذلك لأن التخطي حال الخطبة عمل ، وهو حرام وكذا الإيذاء والدنو مستحب وترك الحرام مقدم على فعل المستحب ولذا { قال عليه الصلاة والسلام للذي رآه يتخطى الناس ويقول افسحوا اجلس فقد آذيت } وهو محمل ما روى الترمذي عن معاذ بن أنس الجهني قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من تخطى رقاب الناس يوم الجمعة اتخذ جسرا إلى جهنم } شرح المنية .

[ ص: 164 ] مطلب في الصدقة على سؤال المسجد

( قوله ويكره التخطي للسؤال إلخ ) قال في النهر : والمختار أن السائل إن كان لا يمر بين يدي المصلي ولا يتخطى الرقاب ولا يسأل إلحافا بل لأمر لا بد منه فلا بأس بالسؤال والإعطاء ا هـ ومثله في البزازية . وفيها ولا يجوز الإعطاء إذا لم يكونوا على تلك الصفة المذكورة . قال الإمام أبو نصر العياضي : أرجو أن يغفر الله - تعالى - لمن يخرجهم من المسجد . وعن الإمام خلف بن أيوب : لو كنت قاضيا لم أقبل شهادة من يتصدق عليهم . ا هـ . وسيأتي في باب المصرف أنه لا يحل أن يسأل شيئا من له قوت يومه بالفعل أو بالقوة كالصحيح المكتسب ويأثم معطيه إن علم بحالته لإعانته على المحرم . مطلب في ساعة الإجابة يوم الجمعة

( قوله وسئل عليه الصلاة والسلام إلخ ) ثبت في الصحيحين وغيرهما عنه صلى الله عليه وسلم { فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله - تعالى - شيئا إلا أعطاه إياه } وفي هذه الساعة أقوال . أصحها أو من أصحها أنها فيما بين أن يجلس الإمام على المنبر إلى أن يقضي الصلاة كما هو ثابت في صحيح مسلم عنه صلى الله عليه وسلم أيضا حلية . قال في المعراج : فيسن الدعاء بقلبه لا بلسانه لأنه مأمور بالسكوت . ا هـ .

وفي حديث آخر أنها آخر ساعة في يوم الجمعة وصححه الحاكم وغيره وقال على شرط الشيخين ، ولعل هذا هو مراد المشايخ . ونقل ط عن الزرقاني أن هذين القولين مصححان من اثنين وأربعين قولا فيها وأنها دائرة بين هذين الوقتين فينبغي الدعاء فيهما . ا هـ . ثم الظاهر أنها ساعة لطيفة يختلف وقتها بالنسبة إلى كل بلدة وكل خطيب لأن النهار في بلدة يكون ليلا في غيرها وكذلك وقت الظهر في بلد يكون وقت عصر في غيرها لما قالوا من أن الشمس لا تتحرك درجة إلا وهي تطلع عند قوم وتغيب عند آخرين ، والله أعلم .

مطلب ما اختص به يوم الجمعة

( قوله فقال يومها ) تمام كلامه لأن معرفة هذا الليل وفضله لصلاة الجمعة ( قوله في أحكامات ) بفتح الهمزة جمع أحكام ، فإن تراجمه في فن الجمع والفرق . القول في أحكام السفر . القول في أحكام المسجد ونحو ذلك من جملتها أحكام يوم الجمعة ح ( قوله قراءة الكهف ) أي يومها وليلتها ، والأفضل في أولهما مبادرة للخير وحذرا من الإهمال وأن يكثر منها فيهما للخبر الصحيح أن الأول يضيء له من النور ما بين الجمعتين ولخبر الدارمي أن الثاني يضيء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق ابن حجر ( قوله ومن فهم ) كالمحشي الحموي ( قوله ويكره إفراده بالصوم ) هو المعتمد وقد أمر به أولا ثم نهى عنه ط ( قوله : فقد وهم ) ولنذكر عبارته برمتها ليعلم موضع الوهم [ ص: 165 ] وما فيها من الفوائد وإن كان بعضها علم مما تقدم وهي أحكام يوم الجمعة . اختص بأحكام لزوم صلاة الجمعة واشتراط الجماعة لها وكونها ثلاثة سوى الإمام وكونها قبلها شرط ، وقراءة السورة المخصوصة بها وتحريم السفر قبلها بشرطه واستنان الغسل لها والتطيب ولبس الأحسن وتقليم الأظفار وحلق الشعر ولكن بعدها أفضل والبخور في المسجد والتكبير لها والاشتغال بالعبادة إلى خروج الخطيب ولا يسن الإبراد بها ويكره إفراده بالصوم وإفراد ليلته بالقيام وقراءة الكهف فيه ونفي كراهة النافلة وقت الاستواء على قول أبي يوسف المصحح المعتمد ، وهو خير أيام الأسبوع ويوم عيد وفيه ساعة إجابة وتجتمع فيه الأرواح وتزار القبور ويأمن الميت فيه من عذاب القبر ، ومن مات فيه أو في ليلته أمن من فتنة القبر وعذابه ولا تسجر فيه جهنم وفيه خلق آدم عليه السلام وفيه أخرج من الجنة وفيه يزور أهل الجنة ربهم - سبحانه وتعالى . ا هـ . ح .

قلت : وقوله لا يسن الإبراد بها قدمنا في أوقات الصلاة أنه قول الجمهور وقدمنا أيضا ترجيح قول الإمام بكراهة النافلة في وقت الاستواء يومها فافهم ( قوله ويأمن الميت من عذاب القبر إلخ ) قال أهل السنة والجماعة : عذاب القبر حق وسؤال منكر ونكير وضغطة القبر حق لكن إن كان كافرا فعذابه يدوم إلى يوم القيامة ويرفع عنه يوم الجمعة وشهر رمضان فيعذب اللحم متصلا بالروح والروح متصلا بالجسم فيتألم الروح مع الجسد ، وإن كان خارجا عنه ، والمؤمن المطيع لا يعذب بل له ضغطة يجد هول ذلك وخوفه والعاصي يعذب ويضغط لكن ينقطع عنه العذاب يوم الجمعة وليلتها ثم لا يعود وإن مات يومها أو ليلتها يكون العذاب ساعة واحدة وضغطة القبر ثم يقطع ، كذا في المعتقدات للشيخأبي المعين النسفي الحنفي من حاشية الحنفي ملخصا ( قوله ولا تسجر ) في جامع اللغة : سجر التنور أحماه ح ( قوله وفيه يزور أهل الجنة ربهم تعالى ) المراد بالزيارة الرؤية له تعالى ، وهذا باعتبار بعض الأشخاص يراه في أقل من ذلك والبعض في أكثر منه ، حتى قال بعضهم : إن النساء لا يرينه إلا في مثل أيام الأعياد عند التجلي العام ، وتمامه في ط ، نسأله - تعالى - أن يجعلنا من أهل رؤيته آمين .




الخدمات العلمية