الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( و ) ينقضه ( إغماء ) ومنه الغشي [ ص: 144 ] ( وجنون وسكر ) بأن يدخل في مشيه تمايل ولو بأكل الحشيشة ( وقهقهة ) هي ما يسمع جيرانه [ ص: 145 ] ( بالغ ) ولو امرأة سهوا ( يقظان ) فلا يبطل وضوء صبي ونائم بل صلاتهما به يفتى ( يصلي ) ولو حكما كالباني ( بطهارة صغرى ) ولو تيمما ( مستقلة ) فلا يبطل وضوء في ضمن الغسل ; لكن رجح في الخانية والفتح والنهر النقض عقوبة له وعليه الجمهور ، كما في الذخائر الأشرفية ( صلاة كاملة ) ولو عند السلام عمدا ، فإنها تبطل الوضوء لا الصلاة ، خلافا لزفر كما حرره في الشرنبلالية .

التالي السابق


( قوله : وينقضه إغماء ) هو كما في التحرير : آفة في القلب أو الدماغ تعطل القوى المدركة والمحركة عن أفعالها مع بقاء العقل مغلوبا نهر ( قوله : ومنه الغشي ) بالضم والسكون : تعطل [ ص: 144 ] القوى المحركة والحساسة لضعف القلب من الجوع أو غيره قهستاني ، زاد في شرح الوهبانية بفتح فسكون وبكسرتين مع تشديد الياء ، وكونه نوعا من الإغماء موافق لما في القاموس وحدود المتكلمين .

قال في النهر إلا أن الفقهاء يفرقون بينهما كالأطباء ا هـ أي بأنه إن كان ذلك التعطل لضعف القلب واجتماع الروح إليه بسبب يخنقه في داخله فلا يجد منفذا فهو الغشي ، وإن لامتلاء بطون الدماغ من بلغم فهو الإغماء . ثم لما كان سلب الاختيار في الإغماء أشد من النوم كان ناقضا على أي هيئة كان ، بخلاف النوم إسماعيل ( قوله : والجنون ) صاحبه مسلوب العقل ، بخلاف الإغماء فإنه مغلوب ، والإطلاق دال على أن القليل من كل منهما ناقض لأنه فوق النوم مضطجعا قهستاني ( قوله : وسكر ) هو حالة تعرض للإنسان من امتلاء دماغه من الأبخرة المتصاعدة من الخمر ونحوه ، فيتعطل معه العقل المميز بين الأمور الحسنة والقبيحة إسماعيل عن البرجندي ( قوله : يدخل ) أي به . قال في النهر : واختلف في حده هنا وفي الأيمان والحدود ; فقال الإمام : إنه سرور يزيل العقل فلا يعرف به السماء من الأرض ولا الطول من العرض وخوطب زجرا له . وقالا : بل يغلب عليه فيهذي في أكثر كلامه

، ولا شك أنه إذا وصل إلى هذه الحالة فقد دخل في مشيته اختلال ، والتقييد بالأكثر يفيد أن النصف من كلامه لو استقام لا يكون سكران وقد رجحوا قولهما في الأبواب الثلاثة . قال في حدود الفتح : وأكثر المشايخ على قولهما واختاروه للفتوى ; وفي نواقض المجتبى الصحيح قوله : ما ا هـ أي فلا يشترط في حده أن يصل إلى أن لا يعرف الأرض من السماء .

( قوله : ولو بأكل الحشيشة ) ذكره في النهر بحثا ، واستدل له بما في شرح الوهبانية من أنهم حكموا بوقوع طلاقه إذا سكر منها زجرا له . قال الشيخ إسماعيل : ولا يخفى أن قول البرجندي من الخمر ونحوه شامل له إذا تعطل العقل ، وقول البحر بمباشرة بعض الأسباب . ا هـ . [ فرع ]

المصروع إذا أفاق عليه الوضوء تتارخانية ( قوله : وقهقهة ) قيل : إنها من الأحداث ، وقيل : لا وإنما وجب الوضوء بها عقوبة وزجرا . وفائدة الخلاف في مس المصحف يجوز على الثاني لا الأول كما في المعراج . قال في النهر : وينبغي أن يظهر أيضا في كتابة القرآن .

وأما حل الطواف بهذا الوضوء ففيه تردد ، وإلحاق الطواف بالصلاة يؤذن بأنه لا يجوز فتدبره . ورجح في البحر القول الثاني بموافقته للقياس لأنها ليست خارجا نجسا بل هي صوت كالكلام والبكاء وبموافقته للأحاديث المروية فيها ، إذ ليس فيها إلا الأمر بإعادة الوضوء والصلاة ، ولا يلزم منه كونها حدثا ا هـ وأيده في النهر بقول المصنف وغيره بالغ ولو كانت حدثا لاستوى فيها البالغ وغيره وبترجيحهم عدم النقض بقهقهة النائم أي لعدم الجناية منه كالصبي .

أقول : ثم لا يخفى أن معنى القول الثاني بطلان الوضوء بالقهقهة في حق الصلاة زجرا كبطلان الإرث بالقتل وإن لم يبطل في حق غيرها لعدم الحدث ; وليس معناه أن الوضوء لم يبطل وإنما أمر بإعادته زجرا ، حتى يرد أنه يلزمه أنه لو صلى به صحت الصلاة مع الحرمة ووجوب الإعادة فيكون مخالفا لأصل المذهب ، فافهم ( قوله : هي ما يسمع جيرانه ) قال في البحر : هي في اللغة معروفة ، وهي أن يقول قه قه . واصطلاحا ما يكون مسموعا له ولجيرانه بدت أسنانه أو لا . ا هـ . وفي المنية : وحد القهقهة قال بعضهم : ما يظهر القاف والهاء ويكون مسموعا له ولجيرانه . وقال بعضهم ، إذا بدت نواجذه ومنعه من القراءة ا هـ لكن قال في الحلية : لم أقف على التصريح [ ص: 145 ] باشتراط إظهار القاف والهاء لأحد ، بل الذي توارد عليه كثير من المشايخ كصاحب المحيط والهداية والكافي وغيرهم ما يكون مسموعا له ولجيرانه . وظاهره التوسع في إطلاق القهقهة على ما له صوت وإن عري عن ظهور القاف والهاء أو أحدهما

ا هـ واحترز به عن الضحك ، وهو لغة أعم من القهقهة . واصطلاحا ما كان مسموعا له فقط فلا ينقض الوضوء بل يبطل الصلاة .

وعن التبسم وهو ما لا صوت فيه أصلا بل تبدو أسنانه فقط فلا يبطلهما ، وتمامه في البحر ; ولم أر من قدر الجواز بشيء ، ومقتضى تعريف الضحك بما كان مسموعا له فقط أن القهقهة ما يسمعها غيره من أهل مجلسه فهم جيرانه لا خصوص من عن يمينه أو عن يساره . لأن كل ما كان مسموعا له يسمعه من عن يمينه أو يساره ، تأمل .

( قوله : ولو امرأة ) لأن النساء شقائق الرجال في التكاليف ط ، ولا يرد أن قوله بالغ صفة للمذكر لأنه لا يقال : جارية بالغ ، كما في القاموس ( قوله : سهوا ) أي ولو سهوا ، فهو من مدخول المبالغة وكذا النسيان . وذكر في المعراج فيهما روايتين ورجح في البحر رواية النقض ، وبها جزم الزيلعي في النسيان ولم يذكر السهو فافهم ( قوله : به يفتى ) لما قدمناه من أن النقض للزجر والعقوبة والصبي والنائم ليسا من أهلها ، وصرحوا بأن القهقهة كلام فتفسد صلاتهما ، وثم أقوال أخر صحح بعضها مبسوطة في البحر

( قوله : كالباني ) أي من سبقه الحدث في الصلاة ، فأراد أن يبني على صلاته فقهقه في الطريق بعد الوضوء ينتقض وضوءه ، وهو إحدى روايتين وبه جزم الزيلعي . قال في البحر : قيل : وهو الأحوط ، ولا نزاع في بطلان صلاته . ا هـ . ( قوله : مستقلة ) تصريح بمفهوم قوله صغرى ، فإنه يفهم أنه ولو كان يصلي بطهارة كبرى وهي الغسل لا ينتقض الوضوء الذي ضمنها ، فكان الأخصر حذفه ، إلا أن يقال : احترز بصغرى عن نفس طهارة الغسل فلا يلزمه إعادته ، وبمستقلة عن الصغرى التي في ضمنه فتأمل .

( قوله : والفتح والنهر ) لأنه ذكر في الفتح عن المحيط أنه الصحيح ، وعبر عن مقابله بقبل . وفي النهر ذكر أنه الذي رجحه المتأخرون ، وحيث لم يتعقبه مع اقتصاره عليه ، وجزمه به اقتضى ترجيحه له ; ولذا لم يعز ترجيحه إلى البحر لكونه ذكر القولين حيث قال : على قول عامة المشايخ لا تنقض . وصحح المتأخرونكقاضي خان النقض مع اتفاقهم على بطلان صلاته . ا هـ . ( قوله : عقوبة له ) لإساءته في حال مناجاته لربه تعالى ( قوله : وعليه الجمهور ) أي من المتأخرين كما علمت .

( قوله : كاملة ) أي ذات ركوع وسجود : أو ما يقوم مقامهما من الإيماء لعذر ، أو راكبا يومئ بالنقل أو بالفرض حيث يجوز فلا تنقض في صلاة جنازة وسجدة تلاوة أي خارج الصلاة ، لكن يبطلان ، ولا لو كان راكبا يومئ بالتطوع في المصر أو القرية لعدم جواز الصلاة عنده خلافا للثاني بحر . ( قوله : ولو عند السلام ) أي قبله وبعد التشهد درر ، وكذا لو في سجود السهو بحر عن المحيط .




الخدمات العلمية