الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( كما ) لا ينقض ( لو خرج من أذنه ) ونحوها كعينه وثديه ( قيح ) ونحوه كصديد وماء سرة وعين ( لا بوجع ) وإن خرج ( به ) أي بوجع ( نقض ) لأنه دليل الجرح ، فدمع من بعينه [ ص: 148 ] رمد أو عمش ناقض ، فإن استمر صار ذا عذر مجتبى ، والناس عنه غافلون .

التالي السابق


( قوله : وصديد ) في المغرب : صديد الجرح ماؤه الرقيق المختلط بالدم ( قوله : وعين ) أي وماء عين : وهو الدمع وقت الرمد . وفي بعض النسخ وغيره بدل وعين : أي غير ماء السرة كماء نفطة وجرح ( قوله : لا بوجع ) تقييد لعدم النقض بخروج ذلك ، وعدم النقض هو ما مشى عليه الدرر والجوهرة والزيلعي معزيا للحلواني .

قال في البحر : وفيه نظر ، بل الظاهر إذا كان الخارج قيحا أو صديدا لنقض ، سواء كان مع وجع أو بدونه لأنهما لا يخرجان إلا عن علة ، نعم هذا التفصيل حسن فيما إذا كان الخارج ماء ليس غير . ا هـ . وأقره في الشرنبلالية ، وأيده بعبارة الفتح الجرح والنفطة وماء الثدي والسرة والأذن إذا كان لعلة سواء على الأصح ا هـ فالضمير في كان للماء فقط فهو مؤيد لكلام البحر . وفيه إشارة إلى أن الوجع غير قيد بل وجود العلة كاف ، وما بحثه في البحر مأخوذ من الحلية ، واعترضه في النهر بقوله لم لا يجوز أن يكون القيح الخارج من الأذن عن جرح برئ ، وعلامته عدم التألم [ ص: 148 ] فالحصر ممنوع ا هـ : أي الحصر بقوله لا يخرجان إلا عن علة . وأنت خبير بأن الخروج دليل العلة ولو بلا ألم ، وإنما الألم شرط للماء فقط ، فإنه لا يعلم كون الماء الخارج من الأذن أو العين أو نحوها دما متغيرا إلا بالعلة والألم دليلها بخلاف نحو الدم والقيح .

ولذا أطلقوا في الخارج من غير السبيلين كالدم والقيح والصديد أنه ينقض الوضوء ولم يشترطوا سوى التجاوز إلى موضع يلحقه حكم التطهير ، ولم يقيدوه في المتون ولا في الشروح بالألم ولا بالعلة ، فالتقييد بذلك في الخارج من الأذن مشكل لمخالفته لإطلاقهم ( قوله : وعمش ) هو ضعف لرؤية مع سيلان الدم في أكثر الأوقات درر وقاموس ( قوله : ناقض إلخ ) قال في المنية : وعن محمد إذا كان في عينيه رمد وتسيل الدموع منها آمره بالوضوء لوقت كل صلاة لأني أخاف أن يكون ما يسيل منها صديدا فيكون صاحب العذر . ا هـ .

قال في الفتح : وهذا التعليل يقتضي أنه أمر استحباب ، فإن الشك والاحتمال لا يوجب الحكم بالنقض ، إذ اليقين لا يزول بالشك نعم إذا علم بإخبار الأطباء أو بعلامات تغلب ظن المبتلى ، يجب . ا هـ . قال في الحلية : ويشهد له قول الزاهدي عقب هذه المسألة : وعن هشام في جامعه إن كان قيحا فكالمستحاضة وإلا فكالصحيح . ا هـ . ثم قال في الحلية : وعلى هذا ينبغي أن يحمل على ما إذا كان الخارج من العين متغيرا ا هـ .

أقول : الظاهر أن ما استشهد به رواية أخرى لا يمكن حمل ما مر عليها ، بدليل قول محمد لأني أخاف أن يكون صديدا ، لأنه إذا كان متغيرا يكون صديدا أو قيحا فلا يناسبه التعليل بالخوف ، وقد استدرك في البحر على ما في الفتح بقوله لكن صرح في السراج بأنه صاحب عذر فكان الأمر للإيجاب ا هـ ويشهد له قول المجتبى ينتقض وضوءه ( قوله المجتبي ) عبارته : الدم والقيح والصديد وماء الجرح والنفطة وماء البثرة والثدي والعين والأذن لعلة سواء على الأصح ، وقولهم : العين والأذن لعلة دليل على أن من رمدت عينه فسال منها ماء بسبب الرمد ينتقض وضوءه وهذه مسألة الناس عنها غافلون . ا هـ . وظاهره أن المدار على الخروج لعلة وإن لم يكن معه وجع ، تأمل . وفي الخانية الغرب في العين بمنزلة الجرح فيما يسيل منه فهو نجس . قال في المغرب : والغرب عرق في مجرى الدمع يسقي فلا ينقطع مثل الباسور . وعن الأصمعي : بعينه غرب إذا كانت تسيل ولا تنقطع دموعها . والغرب بالتحريك : ورم في المآقي ، وعلى ذلك صح التحريك والتسكين في الغرب . ا هـ .

أقول : وقد سئلت عمن رمد وسال دمعه ثم استمر سائلا بعد زوال الرمد وصار يخرج بلا وجع ، فأجبت بالنقض أخذا مما مر لأن عروضه مع الرمد دليل على أنه لعلة وإن كان الآن بلا رمد ولا وجع خلافا لظاهر كلام الشارح فتدبر




الخدمات العلمية