الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وهي فرض على كل مسلم مات خلا ) أربعة ( بغاة ، وقطاع طريق ) فلا يغسلوا ، ولا يصلى عليهم ( إذا قتلوا في الحرب ) ولو بعده صلى عليهم لأنه حد أو قصاص [ ص: 211 ] ( وكذا ) أهل عصبة و ( مكابر في مصر ليلا بسلاح وخناق ) خنق غير مرة فحكمهم كالبغاة .

التالي السابق


( قوله وهي فرض على كل مسلم مات ) لفظ على بمعنى اللام التعليلية مثل { - ولتكبروا الله على ما هداكم - } أو متعلق بمحذوف خبر ثان للضمير المبتدإ أو متعلق به لأنه عائد للصلاة بمعنى المصدر ، والتقدير : والصلاة على كل مسلم مات فرض : أي مفترض على المكلفين ، ولو أسقط الشارح لفظ فرض لكان أصوب لأنه تقدم تصريح المصنف به ، ولئلا يوهم تعلق الجار به فيفسد المعنى فتدبر ( قوله خلا أربعة ) بالجر على أن خلا حرف استثناء ( قوله بغاة ) هم قوم مسلمون خرجوا عن طاعة الإمام بغير حق ( قوله فلا يغسلوا إلخ ) في نسخة فلا يغسلون وهي أصوب ، إنما لم يغسلوا ولم يصل عليهم إهانة لهم وزجرا لغيرهم عن فعلهم . وصرح بنفي غسلهم لأنه قيل يغسلون ولا يصلى عليهم للفرق بينهم وبين الشهيد كما ذكره الزيلعي وغيره ، وهذا القيل رواية . وفيه إشارة إلى ضعفها ، لكن مشى عليها في الدرر والوقاية . وفي التتارخانية وعليه الفتوى ( قوله : ولو بعده إلخ ) قال الزيلعي : وأما إذا قتلوا بعد ثبوت يد الإمام عليهم فإنهم يغسلون ويصلى عليهم ، وهذا تفصيل حسن أخذ به كبار المشايخ لأن قتل قاطع الطريق في هذه الحالة حد أو قصاص ، ومن قتل بذلك يغسل ويصلى عليه ، وقتل الباغي في هذه الحالة للسياسة أو لكسر شوكتهم فينزل منزلته لعود نفعه إلى العامة ا هـ وقوله أو قصاص أي بأن كان ثم ما يسقط الحد كقطعه على محرم ونحوه مما ذكر في بابه ، وقد علم من هذا التفصيل أنه لو مات أحدهم حتف أنفه قبل الأخذ أو بعده يصلى عليه كما بحثه في الحلية ، وقال : ولم أره صريحا .

[ ص: 211 ] قلت : وفي الأحكام عن أبي الليث : ولو قتلوا في غير الحرب أو ماتوا يصلى عليهم ا هـ وهو صريح في المطلوب ( قوله : وكذا أهل عصبة ) بضم فسكون ، وفي نسخة عصبية .

وفي نهاية ابن الأثير : العصبية والتعصب : المحاماة والمدافعة . والعصبي : من يعين قومه على الظلم ، والذي يغضب لعصبته ، ومنه الحديث { ليس منا من دعا إلى عصبية أو قاتل عصبية } قال في شرح درر البحار : وفي النوازل : وجعل مشايخنا المقتولين في العصبية في حكم أهل البغي على هذا التفصيل . وفي المغني : جعل الدروازكي والكلاباذي كالباغي وكذا الواقفون الناظرون إليهما إن أصابهم حجر أو غيره وماتوا في تلك الحالة ، ولو ماتوا بعد تفرقهم يصلى عليهم . ا هـ . قال ط : ومثلهم سعد وحرام بمصر وقيس ويمن ببعض البلاد ا هـ .

أقول : والظاهر أن هذا حيث كان البغي من الفريقين ، فلو بغى أحدهما على الآخر وقصد الآخر المدافعة عن نفسه بالقدر الممكن يكون المدافع شهيدا . وفي شرح منلا مسكين ما يؤيده فراجعه ( قوله : ومكابر في مصر ليلا بسلاح ) كذا في الدرر والبحر وغيرهما . والمكابر : بالباء الموحدة المتغلب إسماعيل ، والمراد به من يقف في محل من المصر يتعرض لمعصوم . والظاهر أن هذا مبني على قول أبي يوسف من أنه يكون قاطع طريق إذا كان في المصر ليلا مطلقا أو نهارا بسلاح وعليه الفتوى كما سيأتي في بابه إن شاء الله - تعالى ، فيعطى أحكام قاطع الطريق في غير المصر من أنه إذا ظهر عليه قبل أخذ شيء وقتل فإنه يحبس حتى يتوب ، وإن أخذ مالا قطع من خلاف وإن قتل معصوما قتل حدا على ما سيأتي تفصيله في محله ، فحيث كان حده القتل لا يصلى عليه ، وبما قررناه ظهر أن قوله بسلاح غير قيد لأنه إذا وقف في المصر ليلا لا فرق بين كونه قاتلا بسلاح أو غيره كحجر أو عصا والله أعلم ( قوله خنق غير مرة ) هو مفاد صيغة المبالغة ، وقيده المصنف في باب البغاة بما إذا كان ذلك في المصر . وعبارته في الشرح : ومن تكرر الخنق بكسر النون منه في المصر أي خنق مرارا ، ذكره مسكين قتل به سياسة لسعيه بالفساد ، وكل من كان كذلك يدفع شره بالقتل وإلا بأن خنق مرة لا لأنه كالقتل بالمثقل ، وفيه القود عند غير أبي حنيفة ا هـ أي وأما عنده ففيه الدية على عاقلته كالقتل بالمثقل وظاهر قوله بأن خنق مرة أن التكرار يحصل بمرتين ( قوله : فحكمهم كالبغاة ) كذا في البحر والزيلعي : أي حكم أهل عصبية ومكابر وخناق حكم البغاة في أنهم لا يغسلون ولا يصلى عليهم . وأما في الدرر من قوله : وإن غسلوا : أي البغاة والقطاع والمكابر ، فإنه مبني على الرواية الأخرى ، وقدمنا ترجيحها




الخدمات العلمية