الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( و ) يستحب أن ( يدخل من قبل القبلة ) بأن يوضع من جهتها ثم يحمل فيلحد ( و ) أن ( يقول واضعه : بسم الله ، وبالله ، وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويوجه إليها ) [ ص: 236 ] وجوبا ، وينبغي كونه على شقه الأيمن ولا ينبش ليوجه إليها ( وتحل العقدة ) للاستغناء عنها ( ويسوى اللبن والقصب لا الآجر ) المطبوخ والخشب لو حوله ، أما فوقه فلا يكره ابن مالك .

[ فائدة ]

عدد لبنات لحد النبي عليه الصلاة والسلام تسع بهنسي ( وجاز ) ذلك حوله ( بأرض رخوة ) كالتابوت ( ويسجى ) أي يغطى ( قبرها ) ولو خنثى ( لا قبره ) إلا لعذر كمطر ( ويهال التراب عليه ، وتكره الزيادة عليه ) من التراب لأنه بمنزلة البناء ويستحب حثيه من قبل رأسه ثلاثا ، [ ص: 237 ] وجلوس ساعة بعد دفنه لدعاء وقراءة بقدر ما ينحر الجزور ويفرق لحمه .

التالي السابق


( قوله بأن يوضع من جهتها ثم يحمل ) أي فيكون الآخذ له مستقبل القبلة حال الأخذ . وقال الشافعي وأحمد : يستحب السل ، بأن يوضع الميت عند آخر القبر ثم يسل من قبل رأسه منحدرا ، وبيان الأدلة في شرح المنية والفتح . ولا يضر عندنا كون الداخل في القبر وترا أو شفعا واختار الشافعي الوتر ، وتمامه في البحر ( قوله فيلحد ) وكذا لو كان القبر شقا غير مسقف ، أما المسقف فيتعين فيه السل ( قوله وبالله ) زاده على ما في الكنز والهداية ، وهو ثابت في لفظ للترمذي ، والأول في لفظ لابن ماجه وفي لفظ له بزيادة { وفي سبيل الله } بعد قوله بسم الله ، وذكره في البدائع عن الحسن عن أبي حنيفة ، قالوا : والمعنى بسم الله وضعناك ، وعلى ملة رسول الله سلمناك ، ثم قال الإمام أبو منصور الماتريدي : ليس هذا دعاء للميت لأنه إن مات على ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجز أن يبدل حاله ، وإن مات على غير ذلك لم يبدل أيضا ، ولكن المؤمنون شهداء الله في أرضه ، فيشهدون بوفاته على الملة ، وعلى هذا جرت السنة ا هـ حلية . [ تنبيه ]

في الاقتصار على ما ذكر من الوارد إشارة إلى أنه لا يسن الأذان عند إدخال الميت في قبره كما هو المعتاد الآن ، وقد صرح ابن حجر في فتاويه بأنه بدعة . وقال : ومن ظن أنه سنة قياسا على ندبهما للمولود إلحاقا لخاتمة الأمر بابتدائه فلم يصب . ا هـ . وقد صرح بعض علمائنا وغيرهم بكراهة المصافحة المعتادة عقب الصلوات مع أن المصافحة سنة ، وما ذاك إلا لكونها لم تؤثر في خصوص هذا الموضع ، فالمواظبة عليها فيه توهم العوام بأنها سنة فيه ، ولذا منعوا عن الاجتماع لصلاة الرغائب التي أحدثها بعض المتعبدين لأنها لم تؤثر على هذه الكيفية في تلك [ ص: 236 ] الليالي المخصوصة وإن كانت الصلاة خير موضوع ( قوله : وجوبا ) أخذه من قول الهداية : بذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لكن لم يجده المخرجون . وفي الفتح أنه غريب ، واستؤنس له بحديث أبي داود والنسائي { أن رجلا قال : يا رسول الله ما الكبائر ؟ قال : هي تسع ، فذكر منها استحلال البيت الحرام قبلتكم أحياء وأمواتا } . ا هـ .

قلت : ووجهه أن ظاهره التسوية بين الحياة والموت في وجوب استقباله ، لكن صرح في التحفة بأنه سنة كما يأتي عقبه ( قوله : ولا ينبش ليوجه إليها ) أي لو دفن مستدبرا لها وأهالوا التراب لا ينبش لأن التوجه إلى القبلة سنة والنبش حرام ، بخلاف ما إذا كان بعد إقامة اللبن قبل إهالة التراب فإنه يزال ويوجه إلى القبلة عن يمينه حلية عن التحفة ، ولو بقي فيه متاع لإنسان فلا بأس بالنبش ظهيرية ( قوله للاستغناء عنها ) لأنها تعقد لخوف الانتشار عند الحمل ( قوله : ويسوى اللبن عليه ) أي على اللحد بأن يسد من جهة القبر ويقام اللبن فيه حلية عن شرح المجمع ( قوله : والقصب ) قال في الحلية : وتسد الفرج التي بين اللبن بالمدر والقصب كي لا ينزل التراب منها على الميت ، ونصوا على استحباب القصب فيها كاللبن . ا هـ . ( قوله لا الآجر ) بمد الهمزة والتشديد أشهر من التخفيف مصباح . وقوله المطبوخ صفة كاشفة . قال في البدائع : لأنه يستعمل للزينة ولا حاجة للميت إليها ولأنه مما مسته النار ، فيكره أن يجعل على الميت تفاؤلا كما يكره أن يتبع قبره بنار تفاؤلا ( قوله : لو حوله إلخ ) قال في الحلية : وكرهوا الآجر وألواح الخشب . وقال الإمام التمرتاشي : هذا إذا كان حول الميت ، فلو فوقه لا يكره لأنه يكون عصمة من السبع . وقال مشايخ بخارى : لا يكره الآجر في بلدتنا للحاجة إليه لضعف الأراضي ( قوله : عدد لبنات إلخ ) نقله أيضا في الأحكام عن الشمني عن شرح مسلم بلفظ يقال عدد إلخ ( قوله : وجاز ذلك ) أي الآجر والخشب ( قوله : ويسجى قبرها ) أي بثوب ونحوه استحبابا حال إدخالها القبر حتى يسوى اللبن على اللحد ، كذا في شرح المنية والإمداد . ونقل الخير الرملي أن الزيلعي صرح في كتاب الخنثى أنه على سبيل الوجوب .

قلت : ويمكن التوفيق بحمله على ما إذا غلب على الظن ظهور شيء من بدنها تأمل ( قوله كمطر ) أي وبرد وحر وثلج قهستاني ( قوله : عليه ) أي على القبر أو على الميت ، وهو أقرب لفظا ، والأول أقرب معنى ( قوله : وتكره الزيادة عليه ) لما في صحيح مسلم عن جابر قال { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر ، وأن يبنى عليه } زاد أبو داود " { أو يزاد عليه } " حلية ( قوله لأنه بمنزلة البناء ) كذا في البدائع . وظاهره أن الكراهة تحريمية ، وهو مقتضى النهي المذكور ، لكن نظر صاحب الحلية في هذا التعليل وقال : وروي عن محمد أنه لا بأس بذلك ، ويؤيده ما روى الشافعي وغيره عن جعفر بن محمد عن أبيه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رش على قبر ابنه إبراهيم ووضع عليه حصباء } وهو مرسل صحيح ، فتحمل الكراهة على الزيادة الفاحشة ، وعدمها على القليلة المبلغة له مقدار شبر أو ما فوقه قليلا ( قوله : ويستحب حثيه ) أي بيديه جميعا جوهرة قال في المغرب : حثيت التراب حثيا وحثوته حثوا : إذا قبضته ورميته . ا هـ . ومثله في القاموس ، فهو واوي ويائي فافهم ( قوله : من قبل رأسه ثلاثا ) لما في ابن ماجه عن أبي هريرة { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة ثم أتى القبر فحثى [ ص: 237 ] عليه من قبل رأسه ثلاثا } شرح المنية . قال في الجوهرة : ويقول في الحثية الأولى - { منها خلقناكم } - وفي الثانية - { وفيها نعيدكم } - وفي الثالثة - { ومنها نخرجكم تارة أخرى } - وقيل يقول في الأولى : اللهم جاف الأرض عن جنبيه ، وفي الثانية : اللهم افتح أبواب السماء لروحه ، وفي الثالثة : اللهم زوجه من الحور العين . وللمرأة : اللهم أدخلها الجنة برحمتك ا هـ ( قوله : وجلوس إلخ ) لما في سنن أبي داود " { كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف على قبره وقال : استغفروا لأخيكم واسألوا الله له التثبيت فإنه الآن يسأل } وكان ابن عمر يستحب أن يقرأ على القبر بعد الدفن أول سورة البقرة وخاتمتها . وروي أن عمرو بن العاص قال وهو في سياق الموت : إذا أنا مت فلا تصحبني نائحة ولا نار ، فإذا دفنتموني فشنوا علي التراب شنا ، ثم أقيموا حول قبري قدر ما ينحر جزور ، ويقسم لحمها حتى أستأنس بكم وأنظر ماذا أراجع رسل ربي جوهرة




الخدمات العلمية