الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( واللازم ) [ ص: 298 ] مبتدأ ( في مضروب كل ) منهما ( ومعموله ولو تبرا أو حليا مطلقا ) مباح الاستعمال أو لا ولو للتجمل والنفقة ; لأنهما خلقا أثمانا فيزكيهما كيف كانا ( أو ) في ( عرض تجارة قيمته نصاب ) الجملة صفة عرض وهو هنا ما ليس بنقد .

وأما عدم صحة النية في نحو الأرض الخراجية فلقيام المانع كما قدمنا لا لأن الأرض ليست من العرض فتنبه ( من ذهب أو ورق ) أي فضة مضروبة ، فأفاد أن التقويم إنما يكون [ ص: 299 ] بالمسكوك عملا بالعرف ( مقوما بأحدهما ) إن استويا ، فلو أحدهما أروج تعين التقويم به ; ولو بلغ بأحدهما نصابا دون الآخر تعين ما يبلغ به ، ولو بلغ بأحدهما نصابا وخمسا وبالآخر أقل قومه بالأنفع للفقير سراج ( ربع عشر ) خبر قوله اللازم .

( وفي كل خمس ) بضم الخاء ( بحسابه ) ففي كل أربعين درهما درهم ، وفي كل أربعة مثاقيل قيراطان ، وما بين الخمس إلى الخمس عفو .

وقالا : ما زاد بحسابه [ ص: 300 ] وهي مسألة الكسور ( وغالب الفضة والذهب فضة وذهب وما غلب غشه ) منهما ( يقوم ) كالعروض ، ويشترط فيه النية إلا إذا كان يخلص منه ما يبلغ نصابا أو أقل .

وعنده ما يتم به أو كانت أثمانا رائجة وبلغت نصابا من أدنى فقد تجب زكاته فتجب وإلا فلا .

( واختلف في ) الغش ( المساوي والمختار لزومها احتياطا ) [ ص: 301 ] خانية ولذا لا تباع إلا وزنا .

التالي السابق


( قوله مضروب كل منهما ) أي ما جعل دراهم يتعامل بها أو دنانير ط ( قوله : ومعموله ) أي ما يعمل من نحو حلية سيف أو منطقة أو لجام أو سرج أو الكواكب في المصاحف والأواني وغيرها إذا كانت تخلص بالإذابة بحر ( قوله : ولو تبرا ) التبر : الذهب والفضة قبل أن يصاغا بحر عن ضياء الحلوم ، ولذا قال ح : لا يصح الإتيان به هنا ; لأنه لا يصدق عليه المضروب ولا المعمول ، بل كان عليه أن يقول بعد قوله مطلقا وتبره ، بخلاف عبارة الكنز حيث قال : يجب في مائتي درهم وعشرين دينارا ربع العشر ولو تبرا فإنه داخل فيما قبله ( قوله : أو حليا ) بضم الحاء وكسرها وتشديد الياء جمع حلي بفتح الحاء وإسكان اللام : ما تتحلى به المرأة من ذهب أو فضة نهر قلت : ولا يتعين ضبط المتن بصيغة الجمع فإنه يحتمل المفرد بل هو الأنسب بقول الشارح مباح الاستعمال حيث ذكر الضمير ، إلا أن يقال إنه عائد إلى المذكور من المعمول والحلي ( قوله : أو لا ) كخاتم الذهب للرجال والأواني مطلقا ولو من فضة ( قوله : ولو للتجمل ) أي التزين بهما في البيوت من غير استعمال ط ( قوله والنفقة ) فيه منافاة لقول ابن الملك : إذا كانت مشغولة بحوائجه فلا زكاة فيها كما قدمناه في أول كتاب الزكاة فارجع إليه ح ( قوله : وهو هنا ما ليس بنقد ) كذا فسره في المغرب ، ونقله في البحر عن ضياء الحلوم .

وفي الدرر : العرض بسكون الراء متاع لا يدخله كيل ولا وزن ولا يكون حيوانا ولا عقارا كذا في الصحاح .

وأما بفتحها فمتاع الدنيا ، ويتناول جميع الأموال ، ولا وجه له هاهنا لجعله مقابلا للذهب والفضة ا هـ أي مفتوح الراء غير مراد هنا لتناوله جميع الأموال مع أن النقدين غير داخلين فيه هنا بقرينة المقابلة ، فيتعين إرادة ساكن الراء ، لكن على ما في الصحاح يخرج عنه الدواب والمكيلات والموزونات مع أنها من عروض التجارة إذا نواها فيها فلذا قال الشارح : هو هنا ما ليس بنقد : أي أن المناسب للمراد هنا الاقتصار على تفسيره بذلك ليدخل فيه ما ذكر ( قوله : وأما عدم صحة النية إلخ ) جواب عما أورده الزيلعي من أن الأرض الخراجية لا يجب فيها الزكاة وإن نوى عند شرائها التجارة مع أنها من العروض ، والجواب ما تقدم قبيل باب السائمة من قوله والأصل أن ما عدا الحجرين والسوائم إنما يزكى بنية التجارة بشرط عدم المانع المؤدي إلى الثني ( قول لا ; لأن الأرض إلخ ) رد على ما في الدرر حيث أجاب عما أورده الزيلعي بأن الأرض ليست من العرض بناء على ما نقله عن الصحاح .

قال في البحر : وهو مردود لما علمت من أن الصواب تفسيره هنا بما ليس بنقد ا هـ .

وقد أورد الزيلعي أيضا ما إذا اشترى أرض عشر وزرعها أو اشترى بذرا للتجارة وزرعه فإنه يجب فيه العشر ولا تجب فيه الزكاة ; لأنهما لا يجتمعان . ا هـ . ويجاب عنه بما ذكره الشارح من قيام المانع .

وأجاب في الدرر وتبعه في البحر بأن عدم وجوب الزكاة في البذر إنما حدث بعد الزراعة وذلك لا يضر ; لأن مجرد نية الخدمة إذا أسقط وجوب الزكاة في العبد المشترى للتجارة ، كما مر فلأن يسقطه التصرف الأقوى من النية أولى . ا هـ . ( قوله : من ذهب أو ورق ) بيان لقوله نصاب .

وأشار بأو إلى أنه مخير ، إن شاء قومها بالفضة ، وإن شاء بالذهب ; لأن الثمنين في تقدير قيم الأشياء بهما سواء بحر ، لكن التخيير ليس على إطلاقه كما يأتي ( قوله : فأفاد ) تفريع على تفسير الورق [ ص: 299 ] بالفضة المضروبة ط ( قوله بالمسكوك ) بالسين المهملة : أي المضروب على السكة ، وهي حديدة منقوشة يضرب عليها الدراهم قاموس .

ووجه الإفادة ظاهر من الورق : أما الذهب فلا كما لا يخفى ، إلا أن يقال لما اقترن بالمضروب من الفضة كان المراد به المضروب . ا هـ . ح ( قوله : عملا بالعرف ) فإن العرف التقويم بالمسكوك بحر ، وهو علة لقوله أفاد ( قوله : مقوما بأحدهما ) تكرار مع قوله من ذهب أو ورق ; لأن ما معناها التخيير ومحل التخيير إذا استويا فقط .

أما إذا اختلفا قوم بالأنفع ا هـ ح وقدم الشارح عند قوله وجاز دفع القيمة أنها تعتبر يوم الوجوب ، وقالا يوم الأداء كما في السوائم ، ويقوم في البلد الذي المال فيه إلخ ( قوله : تعين التقويم به ) أي إذا كان يبلغ به نصابا ، لما في النهر عن الفتح : يتعين ما يبلغ نصابا دون ما لا يبلغ ، فإن بلغ بكل منهما وأحدهما أروج تعين التقويم بالأروج ( قوله : ولو بلغ بأحدهما نصابا وخمسا إلخ ) بيانه ما في النهر عن السراج : لو كان بحيث لو قومها بالدراهم بلغت مائتين وأربعين وبالدنانير ثلاثا وعشرين قومها بالدراهم لوجوب ستة فيها ، بخلاف الدنانير فإنه يجب فيها نصف دينار وقيمته خمسة ، ولو بلغت بالدنانير أربعة وعشرين وبالدراهم مائة وستة وثلاثين قومها بالدنانير . ا هـ .

وفي الهداية كل دينار عشرة دراهم في الشرع . قال في الفتح : أي يقوم في الشرع بعشرة كذا كان في الابتداء ( قوله : وفي كل خمس بحسابه ) أي ما زاد على النصاب عفو إلى أن يبلغ خمس نصاب ، ثم كل ما زاد على الخمس عفو إلى أن يبلغ خمسا آخر ( قوله : وقالا ما زاد بحسابه ) يظهر أثر الخلاف فيما لو كان له مائتان وخمسة دراهم مضى عليها عامان .

قال الإمام : يلزمه عشرة . وقالا : خمسة ; لأنه وجب عليه في العام الأول خمسة وثمن فبقي السالم من الدين في الثاني نصاب إلا ثمنا . وعنده لا زكاة في الكسور فبقي النصاب في الثاني كاملا ; وفيما إذا كان له ألف حال عليها ثلاثة أحوال كان عليه في الثاني أربعة وعشرون وفي الثالث ثلاثة وعشرون عنده .

وقالا : يجب مع الأربعة والعشرين ثلاثة أثمان درهم ومع الثلاثة والعشرين نصف وربع وثمن درهم ، ولا خلاف أن يجب في الأول خمسة وعشرون ، كذا في السراج نهر .

أقول : قوله وثمن درهم كذا وجدته أيضا في السراج وصوابه وثمن ثمن درهم كما لا يخفى على الحاسب .

[ تنبيه ] يظهر أثر الخلاف أيضا فيما ذكره في البحر والنهر عن المحيط من أنه لا تضم إحدى الزيادتين إلى الأخرى : أي الزيادة على نصاب الفضة لا تضم إلى الزيادة على نصاب الذهب ليتم أربعين أو أربعة مثاقيل عند الإمام ; لأنه لا زكاة في ، الكسور عنده . وعندهما تضم لوجوبها في الكسور ا هـ موضحا ، لكن توقف الرحمتي في فائدة الضم عندهما بعد قولهما بوجوب الزكاة في الكسور وعن هذا والله أعلم . [ ص: 300 ] نقل بعض محشي الكتاب عن شيخه محمد أمين ميرغني أن السروجي نقل عن المحيط الخلاف بالعكس وأن ما في البحر والنهر غلط . ا هـ .

قلت : وقد راجعت المحيط فرأيته مثل ما نقله السروجي وصرح به في البدائع أيضا ( قوله : وهي مسألة الكسور ) أي التي يقال فيها لا زكاة في الكسور عنده ما لم تبلغ الخمس أخذا من حديث { لا تأخذ من الكسور شيئا } سميت كسورا باعتبار ما يجب فيها ( قوله : وغالب الفضة إلخ ) ; لأن الدراهم لا تخلو عن قليل غش ; لأنها لا تنطبع إلا به فجعلت الغلبة فاصلة نهر ، ومثلها الذهب ط ( قوله : فضة وذهب ) لف ونشر مرتب ، أي فتجب زكاتهما لا زكاة العروض وإن أعدهما للتجارة كما أفاده في النهر ( قوله : ويشترط فيه النية ) أي تعتبر قيمته إن نوى فيه التجارة نهر وتقدم قبيل باب السائمة شرط نية التجارة ( قوله : إلا إذا إلخ ) استثناء من اشتراط النية ( قوله وعنده ما يتم به ) أي من عروض تجارة أو أحد النقدين ، وهو مرتبط بقوله أو أقل ط ( قوله : وبلغت ) أي بالقيمة كما في البحر ( قوله : من أدنى إلخ ) فسر الأدنى في البدائع بالتي يغلب عليها الفضة ، وقلت : ينبغي تفسيرها بالمساوي على ما اختاره المصنف من وجوبها فيه كما يذكره قريبا ( قوله : فتجب ) أي فيما غلب غشه إذا نوى فيه التجارة أو لم ينو ولكن يخلص منه ما يبلغ نصابا أو لم يخلص ولكن كان أثمانا رائجة وبلغت قيمته نصابا ، وقوله وإلا فلا : أي وإن لم يوجد شيء من ذلك فلا تجب الزكاة .

وحاصله أن ما يخلص منه نصاب أو كان ثمنا رائجا تجب زكاته سواء نوى التجارة أو لا ; لأنه إذا كان يخلص منه نصاب تجب زكاة الخالص كما صرح به في الجوهرة وعين النقدين لا يحتاج إلى نية التجارة كما في الشمني وغيره وكذا ما كان ثمنا رائجا ، فبقي اشتراط النية لما سوى ذلك ، هذا ما يعطيه كلام الشارح ومثله في البحر والنهر ، لكن في الزيلعي أن الغالب غشه ، إن نواه للتجارة تعتبر قيمته مطلقا ، وإلا فإن كانت فضة تخلص تجب فيها الزكاة إن بلغت نصابا وحدها أو بالضم إلى غيرها . ا هـ . ومفاده اعتبار القيمة فيما نواه للتجارة وإن تخلص منه ما يبلغ نصابا ويظهر لي عدم المنافاة ; لأنه إذا كان يخلص منه ما يبلغ نصابا تجب زكاة ذلك الخالص وحده كما مر عن الجوهرة إلا إذا نوى التجارة فتجب الزكاة فيه كله باعتبار القيمة وإذا تأملت كلام الزيلعي تراه كالصريح فيما ذكرته فافهم .

[ فرع ] في الشرنبلالية : الفلوس إن كانت أثمانا رائجة أو سلعا للتجارة تجب الزكاة في قيمتها وإلا فلا . ا هـ . ( قوله : والمختار لزومها ) أي الزكاة : أي ولو من غير نية التجارة ، وقيل لا تجب نهر : قال في الشرنبلالية عن البرهان والأظهر عدم الوجوب لعدم الغلبة المشروطة للوجوب ، وقيل يجب درهمان ونصف نظرا إلى وجهي الوجوب وعدمه ا هـ وظاهر الدرر اختيار الأول تبعا للخانية والخلاصة . قال العلامة نوح وهو اختياري ; لأن الاحتياط في العبادة واجب كما صرحوا به في كثير من المسائل ، منها ما إذا استوى الدم والبزاق ينقض الوضوء احتياطا ا هـ [ ص: 301 ] تأمل ( قوله : ولذا ) أي للاحتياط . وفي نسخة : وكذا بالكاف ، وبها عبر في البحر والمنح ، وقوله : لا تباع إلا وزنا : أي للتحرز عن الربا . ا هـ . ط .




الخدمات العلمية