الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 333 ] ولو باع الزرع إن قبل إدراكه فالعشر على المشتري ولو بعده فعلى البائع [ ص: 334 ] والعشر على المؤجر كخراج موظف وقالا على المستأجر كمستعير مسلم : وفي الحاوي وبقولهما نأخذ [ ص: 335 ] وفي المزارعة إن كان البذر من رب الأرض فعليه ، ولو من العامل فعليهما بالحصة : ومن له حظ في بيت المال وظفر بما هو موجه له له أخذه ديانة .

التالي السابق


( قوله : ولو باع الزرع إلخ ) الظاهر أن حكم خراج المقاسمة كالعشر كما يعلم مما مر ح ثم هذا إذا باع الزرع وحده وشمل ما إذا باعه وتركه المشتري بإذن البائع حتى أدرك فعندهما عشره على المشتري وعند أبي يوسف عشر قيمة القصيل على البائع ، والباقي على المشتري كما في الفتح ، وبقي ما لو باع الأرض مع الزرع أو بدونه قال في البزازية : باع الأرض وسلمها للمشتري إن بقي مدة يتمكن المشتري فيها من الزراعة ، فالخراج عليه وإلا فعلى البائع والفتوى على تقدير المدة بثلاثة أشهر هذا لو باعها فارغة ولو فيها زرع لم يبلغ فعلى المشتري بكل حال وقال أبو الليث : إن باعها بزرع انعقد حبه وبلغ ولم تبق مدة يتمكن المشتري [ ص: 334 ] من الزرع فالخراج على البائع ولو باع من آخر والمشتري من آخر وآخر حتى مضى وقت التمكن لا يجب الخراج على أحد ا هـ ملخصا أي بأن لم تبق في يد أحد من المشترين مدة يتمكن فيها من الزراعة قبل دخول السنة الثانية ( قوله : والعشر على المؤجر ) أي لو أجر الأرض العشرية فالعشر عليه من الأجرة كما في التتارخانية وعندهما على المستأجر قال في فتح القدير : لهما أن العشر منوط بالخارج وهو للمستأجر وله أنها كما تستنمى بالزراعة تستنمى بالإجارة فكانت الأجرة مقصودة كالثمرة فكان النماء له معنى مع ملكه فكان أولى بالإيجاب عليه . ا هـ . ( قوله : كخراج موظف ) فإنه على المؤجر اتفاقا لتعلقه بتمكن الزراعة لا بحقيقة الخارج وأما خراج المقاسمة وهو كون الواجب جزءا شائعا من الخارج كثلث وسدس ونحوهما فعلى الخلاف كذا في شرح درر البحار وكذا الخراج الموظف على المعير ذخيرة أي اتفاقا بدائع ، أما العشر فعلى المستعير كما يأتي .

[ تنبيه ] قال في الخانية : وإن استأجر أو استعار أرضا تصلح للزراعة فغرس فيها كرما أو رطابا فالخراج على المستأجر والمستعير في قول أبي حنيفة ومحمد ; لأنها صارت كرما فخراجها على من جعلها كرما ا هـ قال الرملي : مفاده اشتراط كونه ملتف الأشجار بحيث لا يصلح ما بين الأشجار للزراعة فإن صلح فالخراج على المالك . ا هـ .

والحاصل : أنه يجب الخراج على المؤجر والمعير إن بقيت الأرض صالحة للزراعة وإلا فعلى المستأجر والمستعير ( قوله : كمستعير مسلم ) وأوجبه زفر على المعير ; لأنه لما أقام المستعير مقامه لزمه كالمؤجر . قلنا : حصل للمؤجر الأجر الذي هو كالخارج معنى بخلاف المعير وقيد بالمسلم ; لأنه لو استعارها ذمي فالعشر على المعير اتفاقا لتفويته حق الفقراء بالإعارة من الكافر كذا في شرح درر البحار أي لكونه ليس أهلا للعشر لكن في البدائع لو استعارها كافر فعندهما العشر عليه وعن الإمام روايتان في رواية كذلك وفي رواية على المالك ا هـ تأمل ( قوله : وفي الحاوي ) أي القدسي ح ( قوله وبقولهما نأخذ ) قلت : لكن أفتى بقول الإمام جماعة من المتأخرين كالخير الرملي في فتاواه وكذا تلميذ الشارح الشيخ إسماعيل الحائك مفتي دمشق وقال حتى تفسد الإجارة باشتراط خراجها أو عشرها على المستأجر كما في الأشباه ، وكذا حامد أفندي العمادي وقال في فتاواه قلت : عبارة الحاوي القدسي لا تعارض عبارة غيره فإن قاضي خان من أهل الترجيح فإن من عادته تقديم الأظهر والأشهر وقد قدم قول الإمام فكان هو المعتمد وأفتى به غير واحد منهم زكريا أفندي شيخ الإسلام وعطاء الله أفندي شيخ الإسلام ، وقد اقتصر عليه في الإسعاف والخصاف . ا هـ .

قلت : لكن في زماننا عامة الأوقاف من القرى والمزارع لرضا المستأجر بتحمل غراماتها ومؤنها يستأجرها بدون أجر المثل بحيث لا تفي الأجرة ، ولا أضعافها بالعشر أو خراج المقاسمة ، فلا ينبغي العدول عن الإفتاء بقولهما في ذلك ; لأنهم في زماننا يقدرون أجرة المثل بناء على أن الأجرة سالمة لجهة الوقف ولا شيء عليه من عشر وغيره أما لو اعتبر دفع العشر من جهة الوقف وأن المستأجر ليس عليه سوى الأجرة فإن أجرة المثل تزيد أضعافا كثيرة كما لا يخفى فإن أمكن أخذ الأجرة كاملة يفتى بقول الإمام وإلا فبقولهما لما يلزم عليه من الضرر الواضح الذي لا يقول به أحد والله تعالى أعلم . مطلب هل يجب العشر على المزارعين في الأراضي السلطانية [ تتمة ] : في التتارخانية السلطان إذا دفع أراضي لا مالك لها وهي التي تسمى الأراضي المملكة إلى قوم ليعطوا الخراج جاز وطريق الجواز أحد شيئين إما إقامتهم مقام الملاك في الزراعة وإعطاء الخراج أو الإجارة بقدر الخراج [ ص: 335 ] ويكون المأخوذ منهم خراجا في حق الإمام أجرة في حقهم ا هـ ومن هذا القبيل الأراضي المصرية والشامية كما قدمناه . ويؤخذ من هذا أنه لا عشر على المزارعين في بلادنا إذا كانت أراضيهم غير مملوكة لهم ; لأن ما يأخذه منهم نائب السلطان ، وهو المسمى بالزعيم أو التيماري إن كان عشرا فلا شيء عليهم غيره وإن كان خراجا فكذلك ; لأنه لا يجتمع مع العشر وإن كان أجرة فكذلك على قول الإمام من أنه لا عشر على المستأجر ، وأما على قولهما فالظاهر أنه كذلك لما علمت من أن المأخوذ ليس أجرة من كل وجه ; لأنه خراج في حق الإمام تأمل ( قوله : وفي المزارعة إلخ ) قال في النهر ولو دفع الأرض العشرية مزارعة أن البذر من قبل العامل فعلى رب الأرض في قياس قوله لفسادها وقالا في الزرع لصحتها ، وقد اشتهر أن الفتوى على الصحة وإن من قبل رب الأرض كان إجماعا . ا هـ . ومثله في الخانية والفتح .

والحاصل أن العشر عند الإمام على رب الأرض مطلقا وعندهما كذلك لو البذر منه ولو من العامل فعليهما وبه ظهر أن ما ذكره الشارح هو قولهما اقتصر عليه لما علمت من أن الفتوى على قولهما بصحة المزارعة فافهم ، لكن ما ذكر من التفصيل يخالفه ما في البحر والمجتبى والمعراج والسراج والحقائق الظهيرية وغيرها من أن العشر على رب الأرض عنده عليهما عندهما من غير ذكر التفصيل وهو الظاهر لما في البدائع من أن المزارعة جائزة عندهما والعشر يجب في الخارج والخارج بينهما فيجب العشر عليهما ا هـ وفي شرح درر البحار عشر جميع الخارج على رب الأرض عنده ; لأن المزارعة فاسدة عنده فالخارج له إما تحقيقا أو تقديرا ; لأن البذر إن كان من قبله فجميع الخارج له وللمزارع أجر مثل عمله وإن كان من قبل المزارع فالخارج له ولرب الأرض أجر مثل أرضه الذي هو بمنزلة الخارج إلا أن عشر حصته في عين الخارج وعشر حصة المزارع في ذمة رب الأرض . وفائدة ذلك السقوط بالهلاك إذا نيط بالعين وعدمه إذا نيط بالذمة وأوجبا ومعهما أحمد العشر عليهما بالحصص لسلامة الخارج لهما حقيقة ا هـ فكان ينبغي للشارح متابعة ما في أكثر الكتب . ثم اعلم أن هذا كله في العشر أما الخراج فعلى رب الأرض إجماعا كما في البدائع ( قوله : ومن له الحظ ) أي نصيب في بيت المال في أي بيت من البيوت الأربعة الآتية مع بيان مستحقيها في النظم ط .

قلت : وهذه المسألة ذكرها المصنف متنا في مسائل شتى آخر الكتاب ، ونظمها ابن وهبان في منظومته وقال ابن الشحنة في شرحها ومن له الحظ هم القضاة والعمال والعلماء والمقاتلة وذراريهم والقدر الذي يجوز لهم أخذه كفايتهم قال المصنف : وكذلك طالب العلم والواعظ الذي يعظ الناس بالحق والذي يعلمهم . ا هـ .

قلت : لكن هؤلاء لهم الحظ في أحد بيوت المال وهو بيت الخراج والجزية كما يأتي قريبا وظاهر كلامه أن لأحدهم الأخذ من أي شيء وجده ، وإن لم يكن من مال البيت المعد لهم وهو خلاف الظاهر من كلامهم وإلا لم تبق فائدة لجعل البيوت أربعة ، نعم يأتي أنه للإمام أن يستقرض من أحد البيوت ليصرفه للآخر ثم يرد ما استقرض فإنه يقتضي جواز الدفع من بيت آخر للضرورة ففي مسألتنا إن كان يمكنه الوصول إلى حقه ليس له الأخذ من غير بيته الذي يستحق هو منه وإلا كما في زماننا يجوز للضرورة إذ لو لم يجز أخذه إلا من بيته لزم أن لا يبقى حق لأحد في زماننا لعدم إفراز كل بيت على حدة بل يخلطون المال كله ولو لم يأخذ ما ظفر به لا يمكنه الوصول إلى شيء فليتأمل ( قوله بما هو موجه له ) أي بشيء يتوجه لبيت المال أي يستحق له والذي في شرح الوهبانية عن القنية [ ص: 336 ] عن الإمام لو بري من له حظ في بيت المال ظفر بمال وجه لبيت المال فله أن يأخذه ديانة وللإمام الخيار في المنع والإعطاء في الحكم أي في القضاء . ا هـ . قلت : أي في الخيار في إعطاء ذلك للواجد إذا علم به ليعطيه حقه من غيره إذ ليس له الخيار في منع حقه من بيت المال مطلقا كما لا يخفى .




الخدمات العلمية