الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( و ) لا إلى ( غني ) يملك قدر نصاب فارغ عن حاجته الأصلية من أي مال كان كمن له نصاب سائمة لا تساوي مائة درهم [ ص: 348 ] كما جزم به في البحر والنهر ، وأقره المصنف قائلا وبه يظهر ضعف ما في الوهبانية وشرحها من أنه تحل له الزكاة وتلزمه الزكاة . ا هـ . لكن اعتمد في الشرنبلالية ما في الوهبانية وحرر وجزم بأن ما في البحر وهم ( و ) لا إلى ( مملوكه ) [ ص: 349 ] أي الغني ولو مدبرا أو زمنا ليس في عيال مولاه أو كان مولاه غائبا على المذهب لأن المانع وقوع الملك لمولاه ( غير المكاتب ) والمأذون المديون بمحيط فيجوز ( و ) لا إلى ( طفله ) [ ص: 350 ] بخلاف ولده الكبير وأبيه وامرأته الفقراء وطفل الغنية فيجوز لانتفاء المانع .

التالي السابق


( قوله : ولا إلى غني ) استثنى منه القهستاني المكاتب وابن السبيل والعامل ، ومقتضاه جواز الدفع إلى المكاتب وإن حصل نصابا زائدا على بدل الكتابة ، وقدمنا نحوه عن شرح ابن الشلبي ، وأما دفعها إلى السلطان فتقدم الكلام عليه أول الزكاة وكذا لو جمع رجل لفقير زكاة من جماعة .

( قوله : فارغ عن حاجته ) قال في البدائع : قدر الحاجة هو ما ذكره الكرخي في مختصره فقال : لا بأس أن يعطي من الزكاة من له مسكن ، وما يتأثث به في منزله وخادم وفرس وسلاح وثياب البدن وكتب العلم إن كان من أهله ، فإن كان له فضل عن ذلك تبلغ قيمته مائتي درهم حرم عليه أخذ الصدقة ، لما روي عن الحسن البصري قال [ ص: 348 ] كانوا يعني : الصحابة يعطون من الزكاة لمن يملك عشرة آلاف درهم من السلاح والفرس والدار والخدم ، وهذا ; لأن هذه الأشياء من الحوائج اللازمة التي لا بد للإنسان منها .

وذكر في الفتاوى فيمن له حوانيت ودور للغلة لكن غلتها لا تكفيه وعياله أنه فقير ويحل له أخذ الصدقة عند محمد ، وعند أبي يوسف لا يحل وكذا لو له كرم لا تكفيه غلته ; ولو عنده طعام للقوت يساوي مائتي درهم ، فإن كان كفاية شهر يحل أو كفاية سنة ، قيل لا تحل ، وقيل يحل ; لأنه يستحق الصرف إلى الكفاية فيلحق بالعدم ، وقد ادخر عليه الصلاة والسلام لنسائه قوت سنة ، ولو له كسوة الشتاء وهو لا يحتاج إليها في الصيف يحل ذكر هذه الجملة في الفتاوى . ا هـ .

وظاهر تعليله للقول الثاني في مسألة الطعام اعتماده .

وفي التتارخانية عن التهذيب أنه الصحيح وفيها عن الصغرى له دار يسكنها لكن تزيد على حاجته بأن لا يسكن الكل يحل له أخذ الصدقة في الصحيح وفيها سئل محمد عمن له أرض يزرعها أو حانوت يستغلها أو دار غلتها ثلاث آلاف ولا تكفي لنفقته ونفقة عياله سنة ؟ يحل له أخذ الزكاة وإن كانت قيمتها تبلغ ألوفا وعليه الفتوى وعندهما لا يحل ا هـ ملخصا .

مطلب في جهاز المرأة هل تصير به غنية

قلت : وسألت عن المرأة هل تصير غنية بالجهاز الذي تزف به إلى بيت زوجها ؟ والذي يظهر مما مر أن ما كان من أثاث المنزل وثياب البدن وأواني الاستعمال مما لا بد لأمثالها منه فهو من الحاجة الأصلية وما زاد على ذلك من الحلي والأواني والأمتعة التي يقصد بها الزينة إذا بلغ نصابا تصير به غنية ، ثم رأيت في التتارخانية في باب صدقة الفطر : سئل الحسن بن علي عمن لها جواهر ولآلي تلبسها في الأعياد وتتزين بها للزوج وليست للتجارة هل عليها صدقة الفطر ؟ قال : نعم إذا بلغت نصابا .

وسئل عنها عمر الحافظ فقال لا يجب عليها شيء . ا هـ .

مطلب في الحوائج الأصلية ، وحاصله ثبوت الخلاف في أن الحلي غير النقدين من الحوائج الأصلية ، والله تعالى أعلم ( قوله : كما جزم به في البحر ) حيث قال : ودخل تحت النصاب النامي الخمس من الإبل فإن ملكها أو نصابا من السوائم من أي مال كان لا يجوز دفع الزكاة له سواء كان يساوي مائتي درهم أو لا ، وقد صرح به شراح الهداية عند قوله من أي مال كان . ا هـ .

( قوله : ما في الوهبانية ) أي في آخرها عند ذكر الألغاز ( قوله : لكن اعتمد في الشرنبلالية إلخ ) حيث قال : وما وقع في البحر خلاف هذا فهو وهم فليتنبه له ، وقد ذكر خلافه في ألغاز الأشباه والنظائر فقد ناقض نفسه ، ولم أر أحدا من شراح الهداية صرح بما ادعاه بل عبارتهم تفيد خلافه حيث إنه قال في العناية : ولا يجوز دفع الزكاة إلى من ملك نصابا سواء كان من النقود أو السوائم أو العروض ا هـ فأوهم ما في البحر وهو مدفوع ; لأن قول العناية سواء كان إلخ مفيد تقدير النصاب بالقيمة سواء كان من العروض أو السوائم لما أن العروض ليس نصابها إلا ما يبلغ قيمته مائتي درهم ، وقد صرح بأن المعتبر مقدار النصاب في التبيين وغيره ، واستدل له ما في الكافي بقوله صلى الله عليه وسلم { من سأل وله ما يغنيه فقد سأل الناس إلحافا ، قيل : وما الذي يغنيه ؟ قال : مائتا درهم أو عدلها } . ا هـ .

فقد شمل الحديث اعتبار السائمة بالقيمة لإطلاقه ، وقد نص على اعتبار قيمة السوائم في عدة كتب من غير [ ص: 349 ] خلاف في الأشباه والسراج والوهبانية وشرحيها والذخائر الأشرفية وفي الجوهرة قال المرغيناني : إذا كان له خمس من الإبل قيمتها أقل من مائتي درهم تحل له الزكاة وتجب عليه وبهذا ظهر أن المعتبر نصاب النقد من أي مال كان بلغ نصابا من جنسه أو لم يبلغ ا هـ ما نقله عن المرغيناني ا هـ ما في الشرنبلالية ملخصا . ووفق ط بأنه روي عن محمد روايتان في النصاب المحرم للزكاة هل المعتبر فيه القيمة أو الوزن ؟ ففي المحيط عنه الأول ، وفي الظهيرية عنه الثاني .

وتظهر الثمرة فيمن له تسعة عشر دينارا قيمتها ثلثمائة درهم مثلا فيحرم أخذ الزكاة على الأول لا على الثاني . والظاهر أن اعتبار الوزن في الموزون لتأنيه فيه ، أما المعدود كالسائمة فيعتبر فيها العدد على الرواية الثانية وعليها يحمل ما في البحر ، وعلى رواية المحيط من اعتبار القيمة يحمل ما في الشرنبلالية وغيرها ، وبه يندفع التنافي بين كلامهم ا هـ .

أقول : وفيه نظر فإن قوله : أما المعدود كالسائمة فيعتبر فيها العدد هو مسلم في حق وجوب الزكاة أما في حق حرمة أخذها فهو محل النزاع . فقد يقال إذا كان اختلاف الرواية في الموزون يكون المعدود معتبرا بالقيمة بلا اختلاف كما تعتبر القيمة اتفاقا في العروض ، وقد علمت أن ما ذكره في البحر لم يصرح به شراح الهداية وإنما صرحوا بما مر عن العناية ، وقد علمت تأويله مع تصريح المرغيناني بما يزيل الشبهة من أصلها فلم يحصل التنافي بين كلامهم حتى يقتحم التوفيق البعيد وإنما حصل التنافي بين ما فهمه في البحر وبين ما صرح به غيره ، والواجب الرجوع إلى ما صرحوا به حتى يرى تصريح آخر منهم ، بخلافه يحصل به التنافي فحينئذ يطلب منه التوفيق فافهم ( قوله : أي الغني ) احترز به عن مملوك الفقير فيجوز دفعها إليه كما في منية المفتي ط ( قوله : ولو مدبرا ) مثله أم الولد كما في البحر ( قوله أو زمنا إلخ ) أي ولا يجد ما ينفقه كما في الذخيرة ( قوله : على المذهب ) أي حيث أطلق فيه العبد وهذا راجع إلى قوله أو زمنا . قال في الذخيرة : وروي عن أبي يوسف جواز الدفع إليه . ا هـ .

قال في الفتح : وفيه نظر ; لأنه لا ينتفي وقوع الملك لمولاه بهذا العارض وهو المانع ، وغاية ما فيه وجوب كفايته على السيد وتأثيمه بتركه واستحباب الصدقة النافلة عليه . وقد يجاب بأنه عند غيبة مولاه الغني وعدم قدرته على الكسب لا ينزل عن حال ابن السبيل ا هـ . قال في البحر : وقد يقال : إن الملك هنا يقع للمولى وليس بمصرف وأما ابن السبيل فمصرف فالأولى الإطلاق كما هو المذهب ا هـ .

قلت : مراد صاحب الفتح إلحاقه بابن السبيل في جواز الدفع إليه للعجز مع قيام المانع كما ألحق به من له مال لا يقدر عليه كما مر ، فإذا جاز فيه مع تحقيق غناه ففي العبد العاجز من كل وجه أولى لكن قد ينازع في صحة الإلحاق بأن الزكاة لا بد فيها من التمليك ، والعبد لا يملك وإن ملك ففي ابن السبيل ونحوه وقع الملك في محل العجز فجاز الدفع ، وفي العبد وقع في غير محل العجز ; لأن الملك يقع للمولى إلا أن يدعي وقوعه للعبد هنا إحياء لمهجته حيث لم يجد متبرعا ( قوله : غير المكاتب ) أي مكاتب الغني ( قوله : بمحيط ) أي بدين محيط أي مستغرق لرقبته ولما في يده ( قوله : فيجوز ) جواب لشرط مقدر أي أما المكاتب والمأذون المذكور فيجوز دفع الزكاة إليهما ، أما المكاتب فقد مر ، وأما المأذون فلعدم ملك المولى أكسابه في هذه الحالة عند الإمام خلافا لهما كما في البحر ( قوله : ولا إلى طفله ) أي الغني فيصرف إلى البالغ ولو ذكرا صحيحا قهستاني ، فأفاد أن المراد بالطفل غير البالغ ذكرا كان أو أنثى في عيال [ ص: 350 ] أبيه أولا على الأصح لما عنده أنه يعد غنيا بغناه نهر ( قوله : بخلاف ولده الكبير ) أي البالغ كما مر ولو زمنا قبل فرض نفقته إجماعا وبعده عند محمد خلافا للثاني ، وعلى هذا بقية الأقارب ، وفي بنت الغني ذات الزوج خلاف . والأصح الجواز وهو قولهما ورواية عن الثاني نهر ( قوله : وطفل الغنية ) أي ولو لم يكن له أب بحر عن القنية ( قوله : لانتفاء المانع ) علة للجميع والمانع أن الطفل يعد غنيا بغنى أبيه بخلاف الكبير فإنه لا يعد غنيا بغنى أبيه ولا الأب بغنى ابنه ولا الزوجة بغنى زوجها ولا الطفل بغنى أمه ح في البحر .




الخدمات العلمية