الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( و ) قبل ( بلا علة [ ص: 388 ] جمع عظيم يقع العلم ) الشرعي وهو غلبة الظن ( بخبرهم وهو مفوض إلى رأي الإمام من غير تقدير بعدد ) على المذهب وعن الإمام أنه يكتفى بشاهدين واختاره في البحر وصحح في الأقضية الاكتفاء بواحد إن جاء من خارج البلد أو كان على مكان مرتفع ، [ ص: 389 ] واختاره ظهير الدين قالوا وطريق إثبات رمضان والعيد أن يدعي وكالة معلقة بدخوله بقبض دين على الحاضر فيقر بالدين والوكالة وينكر الدخول فيشهد الشهود برؤية الهلال فيقضى عليه به ، ويثبت دخول الشهر ضمنا لعدم دخوله تحت الحكم .

التالي السابق


( قوله : وقبل بلا علة ) [ ص: 388 ] أي إن شرط القبول عند عدم علة في السماء لهلال الصوم أو الفطر أو غيرهما كما في الإمداد وسيأتي تمام الكلام عليه إخبار جمع عظيم فلا يقبل خبر الواحد ; لأن التفرد من بين الجم الغفير بالرؤية مع توجههم طالبين لما توجه هو إليه مع فرض عدم المانع ، وسلامة الإبصار وإن تفاوتت في الحدة ظاهر في غلطه بحر قال ح : ولا يشترط فيهم الإسلام ولا العدالة كما في إمداد الفتاح ولا الحرية ولا الدعوى كما في القهستاني . ا هـ .

قلت : ما عزاه إلى الإمداد لم أره فيه وفي عدم اشتراط الإسلام نظر ; لأنه ليس المراد هنا بالجمع العظيم ما يبلغ مبلغ التواتر الموجب للعلم القطعي ، حتى لا يشترط له ذلك بل ما يوجب غلبة الظن كما يأتي ، وعدم اشتراط الإسلام له لا بد له من نقل صريح ( قوله : يقع العلم الشرعي ) أي المصطلح عليه في الأصول فيشمل غالب الظن ، وإلا فالعلم في فن التوحيد أيضا شرعي ولا عبرة بالظن هناك ح ( قوله : وهو غلبة الظن ) ; لأنه العلم الموجب للعمل لا العلم بمعنى اليقين نص عليه في المنافع وغاية البيان ابن كمال ومثله في البحر عن الفتح وكذا في المعراج وقال القهستاني : فلا يشترط خبر اليقين الناشئ من التواتر كما أشير به في المضمرات لكن كلام الشرح مشير إليه ا هـ ومراده شرح صدر الشريعة فإنه قال الجمع العظيم جمع يقع العلم بخبرهم ويحكم العقل بعدم تواطئهم على الكذب ا هـ وتبعه في الدرر ورده ابن كمال حيث ذكر في منهياته أخطأ صدر الشريعة حيث زعم أن المعتبر هاهنا العلم بمعنى اليقين ( قوله وهو مفوض إلخ ) قال في السراج لم يقدر لهذا الجمع تقدير في ظاهر الرواية ، وعن أبي يوسف خمسون رجلا كالقسامة وقيل أكثر أهل المحلة وقيل من كل مسجد واحد أو اثنان .

وقال خلف بن أيوب خمسمائة ببلخ قليل والصحيح من هذا كله أنه مفوض إلى رأي الإمام إن وقع في قلبه صحة ما شهدوا به وكثرت الشهود أمر بالصوم ا هـ وكذا صححه في المواهب وتبعه الشرنبلالي وفي البحر عن الفتح والحق ما روي عن محمد وأبي يوسف أيضا أن العبرة بمجيء الخبر وتواتره من كل جانب ا هـ وفي النهر أنه موافق لما صححه في السراج تأمل ( قوله واختاره في البحر ) حيث قال وينبغي العمل على هذه الرواية في زماننا ; لأن الناس تكاسلت عن ترائي الأهلة فانتفى قولهم مع توجههم طالبين لما توجه هو إليه ، فكان التفرد غير ظاهر في الغلط ، ثم أيد ذلك بأن ظاهر الولوالجية والظهيرية يدل على أن ظاهر الرواية هو اشتراط العدد لا الجمع العظيم ، والعدد يصدق باثنين ا هـ وأقره في النهر والمنح ونازعه محشيه الرملي بأن ظاهر المذهب اشتراط الجمع العظيم ، فيتعين العمل به لغلبة الفسق والافتراء على الشهر إلخ .

أقول : أنت خبير بأن كثيرا من الأحكام تغيرت لتغير الأزمان ، ولو اشترط في زماننا الجمع العظيم لزم أن لا يصوم الناس إلا بعد ليلتين أو ثلاث لما هو مشاهد من تكاسل الناس ، بل كثيرا ما رأيناهم يشتمون من يشهد بالشهر ويؤذونه وحينئذ فليس في شهادة الاثنين تفرد من بين الجمع الغفير حتى يظهر غلط الشاهد ، فانتفت علة ظاهر الرواية فتعين الإفتاء بالرواية الأخرى ( قوله : وصحح في الأقضية إلخ ) هو اسم كتاب واعتمده في الفتاوى الصغرى أيضا وهو قول الطحاوي ، وأشار إليه الإمام محمد في كتاب الاستحسان من الأصل ، لكن في الخلاصة ظاهر الرواية أنه لا فرق بين المصر وخارجه معراج وغيره .

قلت : لكن قال في النهاية عند قوله : ومن رأى هلال رمضان وحده صام إلخ وفي المبسوط وإنما يرد الإمام شهادته إذا كانت السماء مصحية ، وهو من أهل المصر فأما إذا كانت متغيمة أو جاء من خارج المصر أو كان في موضع مرتفع فإنه يقبل عندنا . ا هـ .

[ ص: 389 ] فقوله عندنا يدل على أنه قول أئمتنا الثلاثة وقد جزم به في المحيط وعبر عن مقابله بقيل . ثم قال وجه ظاهر الرواية أن الرؤية تختلف باختلاف صفو الهواء وكدرته وباختلاف انهباط المكان وارتفاعه ، فإن هواء الصحراء أصفى من هواء المصر ، وقد يرى الهلال من أعلى الأماكن ما لا يرى من الأسفل فلا يكون تفرده بالرؤية خلاف الظاهر بل على موافقة الظاهر ا هـ ففيه التصريح بأنه ظاهر الرواية ، وهو كذلك ; لأن المبسوط من كتب ظاهر الرواية أيضا ، فقد ثبت أن كلا من الروايتين ظاهر الرواية ، ثم رأيته أيضا في كافي الحاكم الذي هو جمع كلام محمد في كتبه ظاهر الرواية .

ونصه : ويقبل شهادة المسلم والمسلمة عدلا كان الشاهد أو غير عدل بعد أن يشهد أنه رأى خارج المصر أو أنه رآه في المصر وفي المصر علة تمنع العامة من التساوي في رؤيته ، وإن كان ذلك في مصر ولا علة في السماء لم يقبل في ذلك إلا الجماعة ا هـ .

ويظهر لي أنه لا منافاة بينهما ; لأن رواية اشتراط الجمع العظيم التي عليها أصحاب المتون محمولة على ما إذا كان الشاهد من المصر في مكان غير مرتفع فتكون الرواية الثانية مقيدة لإطلاق الرواية الأولى بدليل أن الرواية الأولى علل فيها رد الشهادة بأن التفرد ظاهر في الغلط . وعلى ما في الرواية الثانية لم توجد علة الرد ولهذا قال في المحيط : فلا يكون تفرده بالرؤية خلاف الظاهر إلخ وعلى هذا فما في الخلاصة وغيرها من أنه لا فرق بين المصر وخارجه مبني على ما هو المتبادر من إطلاق الرواية الأولى والله تعالى أعلم .

( قوله : أن يدعى ) بالبناء للمجهول أو للمعلوم وفاعله ضمير المدعي المفهوم من فعله أي بأن يدعي مدع على شخص حاضر بأن فلانا الغائب له عليك كذا من الدين وقد قال لي إذا دخل رمضان فأنت وكيلي بقبض هذا الدين ومثل ذلك ما لو ادعى على آخر بدين له عليه مؤجل إلى دخول رمضان فيقر بالدين وينكر الدخول ( قوله : فيقر ) أي الحاضر بالدين والوكالة .

واستشكله الخير الرملي بأن هذا إقرار على الغائب بقبض المدعي دينه فلا ينفذ . وأقول : لا إشكال ; لأن الديون تقضى بأمثالها فقد أقر بثبوت حق القبض له في ملك نفسه بخلاف ما لو كانت الدعوى بعين كوديعة ; لأن إقراره بها إقرار بثبوت حق القبض للوكيل في ملك الموكل فلا يصح ، وبخلاف ما لو أقر بالوكالة وجحد الدين فإنه لا يصير خصما بإقراره حتى يقيم الوكيل البينة على وكالته كما في شرح أدب القضاء للخصاف ( قوله : فيقضى عليه به ) أي بثبوت حق القبض ( قوله : ويثبت دخول الشهر ضمنا ) ; لأنه من ضروريات صحة الحكم بقبض الدين ، فقد ثبت في ضمن إثبات حق العبد لا قصدا ، ولهذا قال في البحر عن الخلاصة بعدما ذكره الشارح هنا ; لأن إثبات مجيء رمضان لا يدخل تحت الحكم ، حتى لو أخبر رجل عدل القاضي بمجيء رمضان يقبل ويأمر الناس بالصوم يعني في يوم الغيم ولا يشترط لفظ الشهادة وشرائط القضاء . أما في العيد فيشترط لفظ الشهادة وهو يدخل تحت الحكم ; لأنه من حقوق العباد ا هـ .

قلت : والحاصل أن رمضان يجب صومه بلا ثبوت بل بمجرد الإخبار ; لأنه من الديانات ولا يلزم من وجوب صومه ثبوته كما مر ، وحينئذ ففائدة إثباته على الطريق المذكور عدم توقفه على الجمع العظيم لو كانت السماء مصحية ; لأن الشهادة هنا على حلول الوكالة بدخول الشهر لا على رؤية الهلال ، ولا شك أن حلول الوكالة يكتفي فيها بشاهدين ; لأنها مجرد حق عبد ولا تثبت إلا بثبوت الدخول وإذا ثبت دخوله ضمنا وجب صومه ونظيره ما سنذكره [ ص: 390 ] فيما لو تم عدد رمضان ولم ير هلال الفطر للعلة يحل الفطر وإن ثبت رمضان بشهادة واحد لثبوت الفطر تبعا وإن كان لا يثبت قصدا إلا بالعدد والعدالة هذا ما ظهر لي .




الخدمات العلمية