الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 430 ] ( ولو حلف ) رجل على الصائم ( بطلاق امرأته إن لم يفطر أفطر ولو ) كان صائما ( قضاء ) ولا يحنثه ( على المعتمد ) بزازية .

وفي النهر عن الذخيرة وغيرها هذا إذا كان قبل الزوال أما بعده فلا إلا لأحد أبويه إلى العصر لا بعده .

وفي الأشباه : دعاه أحد إخوانه لا يكره فطره لو صائما غير قضاء رمضان ولا تصوم المرأة نفلا إلا بإذن الزوج إلا عند عدم الضرر به [ ص: 431 ] ولو فطرها وجب القضاء بإذنه أو بعد البينونة ولو صام العبد وما في حكمه بلا إذن المولى لم يجز ، وإن فطره قضى بإذنه أو بعد العتق

التالي السابق


( قوله ولو حلف ) بأن قال امرأته طالق إن لم تفطر كذا في السراج وكذا قوله علي الطلاق لتفطرن فإنه في معنى تعليق الطلاق كما سيأتي بيانه في محله إن شاء الله تعالى ( قوله أفطر ) أي المحلوف عليه ندبا دفعا لتأذي أخيه المسلم ( قوله ولا يحنثه ) أفاد أنه لو لم يفطر يحنث الحالف ولا يبر بمجرد قوله أفطر سواء كان حلفه بالتعليق كما مر أو بنحو قوله والله لتفطرن .

وأما ما صرحوا به من التفصيل ، والفرق بين ما يملك ، وما لا يملك فذاك فيما إذا قال لا أتركه يفعل كذا كما لو حلف لا يترك فلانا يدخل هذه الدار ، فإن لم تكن الدار ملك الحالف يبر بمنعه بالقول ، ولو ملكه أي متصرفا فيها فلا بد من منعه بالفعل واليمين فيهما على العلم حتى لو لم يعلم لا يحنث مطلقا ، وأما لو قال إن دخل داري ، فهو على الدخول علم أو لا تركه أو لا ، وكذا لو قال إن تركت امرأتي تدخل داري أو دار فلان فهو على العلم ، فإن علم وتركها حنث وإلا فلا ، ولو قال إن دخلت فهو على الدخول كما يظهر ذلك لمن يراجع أيمان البحر وغيره ، نعم وقع في كلام الشارح في أواخر كتاب الأيمان عبارة موهمة خلاف ما صرحوا به كما سيأتي تحريره هناك إن شاء الله تعالى فافهم ( قوله بزازية ) عبارتها إن نفلا أفطر وإن قضاء لا والاعتماد أنه يفطر فيهما ولا يحنثه ا هـ وقد نقلها في النهر أيضا بهذا اللفظ فافهم ( قوله وفي النهر عن الذخيرة إلخ ) أقول : ذكر في الذخيرة مسألة الضيافة ومسألة الحلف وما فيهما من الأقوال ، ثم قال وهذا كله إذا كان الإفطار قبل الزوال إلخ وبه علم أنه جار على الأقوال كلها لا قول مخالف لها فتأيد ما قلناه من حصول الجمع فافهم ( قوله قبل الزوال ) قد ذكرنا أن هذه العبارة واقعة في أكثر الكتب ، والمراد بها ما قبل نصف النهار أو على أحد القولين فافهم ( قوله إلى العصر لا بعده ) هذه الغاية عزاها في النهر إلى السراج ، ولعل وجهها أن قرب وقت الإفطار يرفع ضرر الانتظار ، وظاهر قوله لا بعده أن الغاية داخلة لكنه في السراج لم يقل لا بعده ( قوله لو صائما غير قضاء رمضان ) أما هو فيكره فطره لأن له حكم رمضان كما في الظهيرية وظاهر اقتصاره عليه أنه لا يكره له الفطر في صوم الكفارة والنذر بعذر الضيافة ، وهو رواية عن أبي يوسف لكنه لم يستثن قضاء رمضان .

قال القهستاني عند قول المتن : ويفطر في النفل بعذر الضيافة في الكلام إشارة إلى أنه في غير النفل لا يفطر كما في المحيط وعن أبي يوسف أنه في صوم القضاء والكفارة والنذر يفطر ا هـ فأنت تراه لم يستثن قضاء رمضان والظاهر من المصنف أنه جرى على رواية أبي يوسف فكان ينبغي له أن لا يستثني قضاء رمضان حموي على الأشباه بتصرف ط ( قوله ولا تصوم المرأة نفلا إلخ ) أي يكره لها ذلك كما في السراج .

والظاهر أن لها الإفطار بعد الشروع رفعا للمعصية فهو عذر وبه تظهر مناسبة هذه المسائل هنا تأمل ، وأطلق النفل فشمل ما أصله نفل لكن وجب بعارض ولذا قال في البحر عن القنية للزوج أن يمنع زوجته عن كل ما كان الإيجاب من جهتها كالتطوع والنذر واليمين دون ما كان من جهته تعالى كقضاء رمضان وكذا العبد إلا إذا ظاهر من امرأته لا يمنعه من كفارة الظهار بالصوم لتعلق حق المرأة به . ا هـ .

( قوله إلا عند عدم الضرر به ) بأن كان مريضا أو مسافرا أو محرما بحج أو عمرة فليس له منعها من صوم التطوع ، ولها أن تصوم وإن نهاها لأنه إنما يمنعها لاستيفاء حقه من الوطء ، وأما في هذه الحالة فصومها لا يضره فلا معنى للمنع سراج ، وأطلق في الظهيرية المنع واستظهره في البحر [ ص: 431 ] لأن الصوم يهزلها وإن لم يكن الزوج يطؤها الآن .

قال في النهر : وعندي أن إحالة المنع على الضرر وعدمه على عدمه أولى للقطع بأن صوم يوم لا يهزلها فلم يبق إلا منعه عن وطئها وذلك إضرار به ، فإن انتفى بأن كان مريضا أو مسافرا جاز . ا هـ . ( قوله ولو فطرها إلخ ) أفاد أن له ذلك كما مر وكذا في العبد . وفي البحر عن الخانية : وإن أحرمت المرأة تطوعا أي بالحج بلا إذن الزوج له أن يحللها وكذا في الصلوات ( قوله أو بعد البينونة ) أي الصغرى ، أو الكبرى ومفهومه أنها لا تقضي في الرجعي ، ولو فصل هنا كما فصل في الحداد من كون الرجعة مرجوة أو لا لكان حسنا ط ( قوله وما في حكمه ) كالأمة والمدبر والمدبرة وأم الولد بدائع ( قوله لم يجز ) أي يكره قال في الخانية إلا إذا كان المولى غائبا ولا ضرر له في ذلك ا هـ أي فهو كالمرأة لكن في المحيط وغيره وإن لم يضره لأن منافعهم مملوكة للمولى بخلاف المرأة فإن منافعها غير مملوكة للزوج وإنما له حق الاستمتاع بها ا هـ واستظهره في البحر لأن العبد لم يبق على أصل الحرية في العبادات إلا في الفرائض وأما في النوافل فلا ا هـ ولم يذكر الأجير وفي السراج : إن كان صومه يضر بالمستأجر بنقص الخدمة فليس له أن يصوم تطوعا إلا بإذنه وإلا فله لأن حقه في المنفعة فإذا لم تنتقص لم يكن له منعه وأما بنت الرجل وأمه وأخته فيتطوعن بلا إذنه لأنه لا حق له في منافعهن . ا هـ .

قلت : وينبغي أن أحد الوالدين إذا نهى الولد عن الصوم خوفا عليه من المرض أن يكون الأفضل إطاعته أخذا من مسألة الحلف عليه بالإفطار فتأمل .




الخدمات العلمية