الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب الاعتكاف وجه المناسبة له والتأخير اشتراط الصوم في بعضه والطلب الآكد في العشر الأخير . ( هو ) لغة : اللبث وشرعا : ( لبث ) بفتح اللام وتضم المكث ( ذكر ) ولو مميزا في ( مسجد جماعة ) هو ما له إمام ومؤذن أديت فيه الخمس أو لا .

وعن الإمام اشتراط أداء الخمس فيه وصححه بعضهم وقال لا يصح في كل مسجد وصححه السروجي ، وأما الجامع فيصح فيه [ ص: 441 ] مطلقا اتفاقا ( أو ) لبث ( امرأة في مسجد بيتها ) ويكره في المسجد ، ولا يصح في غير موضع صلاتها من بيتها كما إذا لم يكن فيه مسجد ولا تخرج من بيتها إذا اعتكفت فيه ، وهل يصح من الخنثى في بيته لم أره والظاهر لا لاحتمال ذكوريته ( بنية ) فاللبث : هو الركن والكون في المسجد والنية من مسلم عاقل طاهر من جنابة وحيض ونفاس شرطان .

( وهو ) ثلاثة أقسام ( واجب النذر ) بلسانه وبالشروع [ ص: 442 ] وبالتعليق ذكره ابن الكمال ( وسنة مؤكدة في العشر الأخير من رمضان ) أي سنة كفاية كما في البرهان وغيره لاقترانها بعدم الإنكار على من لم يفعله من الصحابة ( مستحب في غيره من الأزمنة ) هو بمعنى غير المؤكدة .

التالي السابق


باب الاعتكاف

( قوله وجه المناسبة له والتأخير ) أي وجه مناسبة الاعتكاف للصوم حيث ذكر معه ووجه تأخيره عنه أن الصوم شرط في بعض أنواع الاعتكاف وهو الواجب والشرط يتقدم على المشروط ، وأن الاعتكاف يطلب مؤكدا في العشر الأخير من رمضان فيختم الصوم به فناسب ختم كتاب الصوم بذكر مسائله ( قوله هو لغة اللبث ) أي المكث في أي موضع كان وحبس النفس فيه .

قال في البحر هو لغة افتعال من عكف إذا دام من باب طلب وعكفه حبسه ، ومنه - { والهدي معكوفا } - سمي به هذا النوع من العبادة لأنه إقامة في المسجد مع شرائط مغرب .

وفي النهاية مصدر المتعدي العكف ومنه الاعتكاف في المسجد واللازم العكوف منه - { يعكفون على أصنام لهم } - ( قوله ذكر ) قيد به وإن تحقق اعتكاف المرأة في المسجد ميلا إلى تعريف الاعتكاف المطلوب لأن اعتكاف المرأة فيه مكروه كما يأتي بل ظاهر ما في غاية البيان أن ظاهر الرواية عدم صحته لكن صرح في غاية البيان بأنه صحيح بلا خلاف كما في البحر وقد يقال قيد به نظرا إلى شرطية مسجد الجماعة فإنه شرط لاعتكاف الرجل فقط والأول أولى لقوله بعده أو امرأة في مسجد بيتها تأمل ( قوله ولو مميزا ) فالبلوغ ليس بشرط كما في البحر عن البدائع وشمل العبد فيصح اعتكافه بإذن المولى ، ولو نذره فللمولى منعه ويقضيه بعد العتق وكذا المرأة لكن ليس له منعها بعد الإذن بخلاف العبد لأنه ليس من أهل الملك ، وأما المكاتب فليس للمولى منعه ولو تطوعا وتمامه في البحر ( قوله أديت فيه الخمس أو لا ) صرح بهذا الإطلاق في العناية وكذا في النهر وعزاه الشيخ إسماعيل إلى الفيض والبزازية وخزانة الفتاوى والخلاصة وغيرها ، ويفهم أيضا وإن لم يصرح به من تعقيبه بالقول الثاني هنا تبعا للهداية فافهم ( قوله وصححه بعضهم ) نقل تصحيحه في البحر عن ابن الهمام ( قوله وصححه السروجي ) وهو اختيار الطحاوي قال الحبر الرملي وهو أيسر خصوصا في زماننا فينبغي أن يعول عليه والله تعالى أعلم ( قوله وأما الجامع ) لما كان [ ص: 441 ] المسجد يشمل الخاص كمسجد المحلة والعام ، وهو الجامع كأموي دمشق مثلا أخرجه من عمومه تبعا للكافي وغيره لعدم الخلاف فيه ( قوله مطلقا ) أي وإن لم يصلوا فيه الصلوات كلها ح عن البحر وفي الخلاصة وغيرها وإن لم يكن ثمة جماعة .

[ تنبيه ] :

هذا كله لبيان الصحة قال في النهر والفتح ، وأما أفضل الاعتكاف ففي المسجد الحرام ثم في مسجده صلى الله عليه وسلم ثم في المسجد الأقصى ، ثم في الجامع قيل إذا كان يصلى فيه بجماعة فإن لم يكن ففي مسجده أفضل لئلا يحتاج إلى الخروج ثم ما كان أهله أكثر . ا هـ . ( قوله في مسجد بيتها ) وهو المعد لصلاتها الذي يندب لها ولكل أحد اتخاذه كما في البزازية نهر ومقتضاه أنه يندب للرجل أيضا أن يخصص موضعا من بيته لصلاته النافلة أما الفريضة والاعتكاف فهو في المسجد كما لا يخفى قال في السراج وليس لزوجها أن يطأها إذا أذن لها لأنه ملكها منافعها فإن منعها بعد الإذن لا يصح منعه ، ولا ينبغي لها الاعتكاف بلا إذنه ، وأما الأمة فإن أذن لها كره له الرجوع لأنه يخلف وعده وجاز لأنها لا تملك منافعها ( قوله ويكره في المسجد ) أي تنزيها كما هو ظاهر النهاية نهر وصرح في البدائع بأنه خلاف الأفضل ( قوله كما إذا لم يكن فيه مسجد ) أي مسجد بيت وينبغي أنه لو أعدته للصلاة عند إرادة الاعتكاف أن يصح ( قوله وهو يصح إلخ ) البحث لصاحب النهر ح ( قوله والظاهر لا ) لأنه على تقدير أنوثته يصح في المسجد مع الكراهة وعلى تقدير ذكورته لا يصح في البيت بوجه ح .

قلت : لكن صرحوا بأن ما تردد بين الواجب والبدعة يأتي به احتياطا وما تردد بين السنة والبدعة يتركه إلا أن يقال المراد بالبدعة المكروه تحريما وهذا ليس كذلك ولا سيما إذا كان الاعتكاف منذورا ( قوله فاللبث هو الركن ) فيه أن هذا حقيقته اللغوية أما حقيقته الشرعية فهي اللبث المخصوص أي في المسجد تأمل ( قوله من مسلم عاقل ) لأن النية لا تصح بدون الإسلام والعقل فهما شرطان لها وبه يستغنى عن جعلهما شرطين للاعتكاف المشروط بالنية كما أفاده في البحر ( قوله طاهر من جنابة إلخ ) جعل في البدائع الطهارة من هذه الثلاثة شرطا للاعتكاف قال في النهر : وينبغي أن يكون اشتراط الطهارة من الحيض والنفاس فيه على رواية اشتراط الصوم في نفله أما على عدمه ، فينبغي أن يكون من شرائط الحل فقط كالطهارة من الجنابة ، ولم أر من تعرض لهذا . ا هـ .

والحاصل : أن الطهارة من الثلاثة شرط للحل ومن الأولين شرط للصحة أيضا في المنذور وكذا في النفل على رواية اشتراط الصوم فيه ، بخلاف الجنابة لصحة الصوم معها وبحث فيه الرحمتي بما صرحوا به من أن المقصد الأصلي من شرعية الاعتكاف انتظار الصلاة بالجماعة والحائض والنفساء ليسا بأهل للصلاة فلا يصح اعتكافهما بخلاف الجنب إذ يمكنه الطهارة والصلاة ا هـ ويلزمه أن الجنب لو لم يتطهر ويصلي لا يصح منه ويلزمه أيضا أن يكون من شروط صحته الصلاة بالجماعة ولم يقل به أحد تأمل ( قوله شرطان ) خبر المبتدإ وهو الكون وما عطف عليه ( قوله بلسانه ) فلا يكفي لإيجابه النية منح عن شمس الأئمة ( قوله وبالشروع ) نقله في البحر عن البدائع ثم قال : ولا يخفى أنه مفرع على ضعيف وهو اشتراط زمن للتطوع وأما على المذهب من أن أقل النفل ساعة فلا ا هـ [ ص: 442 ] وسيأتي قريبا أيضا مع جوابه ( قوله وبالتعليق ) عطف على قوله بالنذر وهذا قرينة على أنه أراد بالنذر النذر المطلق كما قيد به في البدائع فلا يرد أن صورة التعليق نذر أيضا وأن مقتضى العطف خلافه نعم الأظهر أن يقول واجب بالنذر منجزا أو معلقا كما عبر في البحر والإمداد فافهم ( قوله أي سنة كفاية ) نظيرها إقامة التراويح بالجماعة فإذا قام بها البعض سقط الطلب عن الباقين فلم يأثموا بالمواظبة على ترك بلا عذر ، ولو كان سنة عين لأثموا بترك السنة المؤكدة إثما دون إثم ترك الواجب كما مر بيانه في كتاب الطهارة ( قوله لاقترانها إلخ ) جواب عما أورد على قوله في الهداية والصحيح أنه سنة مؤكدة { لأن النبي صلى الله عليه وسلم واظب عليه في العشر الأواخر من رمضان } والمواظبة دليل السنة ا هـ من أن المواظبة بلا ترك دليل الوجوب والجواب كما في العناية أنه عليه الصلاة والسلام لم ينكر على من تركه ولو كان واجبا لأنكر . ا هـ .

وحاصله : أن المواظبة إنما تفيد الوجوب إذا اقترنت بالإنكار على التارك ( قوله هو بمعنى غير المؤكدة ) مقتضاه أنه يسمى سنة أيضا ويدل عليه أنه وقع في كلام الهداية في باب الوتر إطلاق السنة على المستحب .




الخدمات العلمية