الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وإذا لبى ناويا ) نسكا [ ص: 485 ] ( أو ساق الهدي أو قلد ) أي ربط قلادة على عنق ( بدنة نفل أو جزاء صيد ) قتله في الحرم أو في إحرام سابق ( ونحوه ) كجناية ونذر ومتعة وقران ( وتوجه معها ) والحال أنه ( يريد الحج ) وهل العمرة كذلك ينبغي ؟ نعم ( أو بعثها ثم توجه ولحقها ) قبل الميقات ، فلو بعده لزمه الإحرام بالتلبية من الميقات ( أو بعثها لمتعة ) أو لقران وكان التقليد والتوجه ( في أشهره ) [ ص: 486 ] وإلا لم يصر محرما حتى يلحقها ( وتوجه بنية الإحرام وإن لم يلحقها ) استحسانا ( فقد أحرم ) لأن الإجابة كما تكون بكل ذكر تعظيمي تكون بكل فعل مختص بالإحرام ، ثم صحة الإحرام لا تتوقف على نية نسك لأنه لو أبهم الإحرام حتى طاف شوطا واحدا صرف للعمرة . ولو أطلق نية الحج صرف للفرض ولو عين نفلا فنفل وإن لم يكن حج الفرض شرنبلالية عن الفتح ( ولو أشعر ) بجرح سنامها الأيسر ( أو جللها ) بوضع الجل ( أو بعثها لا لمتعة ) وقران ( ولم يلحقها ) كما مر ( أو قلد شاة لا ) يكون محرما لعدم اختصاصه بالنسك

التالي السابق


مطلب فيما يصير به محرما

( قوله وإذا لبى ناويا ) قيل الأولى أن يقول وإذا نوى ملبيا لأن عبارته تفيد أنه يصير شارعا بالتلبية بشرط النية والواقع عكسه ا هـ أي على ما هو قول الحسام الشهيد كما مر أول الباب . والجواب كما في الفتح تبعا للزيلعي أن هذه العبارة لا يستفاد منها إلا أنه يصير محرما عند النية والتلبية ، أما أن الإحرام بهما أو بأحدهما بشرط الآخر فلا ، فالعبارتان على حد سواء كما ذكره في النهر فافهم ( قوله نسكا ) أي معنيا كحج أو عمرة أو مبهما لما مر ، [ ص: 485 ] ويأتي أيضا أن صحة الإحرام لا تتوقف على نية النسك أي على تعيينه ، وليس المراد أنها لا تتوقف على نية نسك أصلا فافهم ( قوله أو ساق الهدي إلخ ) بيان لما يقوم مقام التلبية من الأفعال كما يأتي لكن لو حذف هذا واقتصر على قوله بدنة إلخ كما فعل في الكنز لكان أخصر وأظهر لأن الهدي يشمل الغنم بخلاف البدنة ، فإنها تخص الإبل والبقر وإذا قلد شاة لم يكن محرما وإن ساقها كما صرح به في البحر وسيأتي ولذا اعترض في شرح اللباب على قوله ويقوم تقليد الهدي مقام التلبية كان حقه أن يعبر بالبدنة بدل الهدي .

وحاصل المسألة كما في شرح اللباب أن لإقامة البدنة مقام التلبية شرائط فمنها النية ومنها سوق البدنة والتوجه معها أو الإدراك والسوق إن بعث بها ولم يتوجه معها إلا في بدنة المتعة والقران ، فلو قلد هديه ولم يسق أو ساق ولم يتوجه معها ثم توجه بعد ذلك يريد النسك ، فإن كانت البدنة لغير المتعة والقران لا يصير محرما حتى يلحقها فإذا أدركها وساقها صار محرما ( قوله أي ربط إلخ ) وكيفيته أن يفتل خيطا من صوف أو شعر ويربط به نعلا أو عروة مزادة وهي السفرة من جلد أو لحاء شجرة أي قشرها أو نحو ذلك مما يكون علامة على أنه هدي لئلا يتعرض أحد له ولئلا يأكل منه غني إذا عطب وذبح ( قوله أو في إحرام سابق ) قيد به لأن هذا الإحرام لا يتم شروعه فيه إلا بهذا التقليد ط ( قوله ونحوه ) أي نحو جزاء الصيد من الدماء الواجبة ( قوله كجناية ) أي في السنة الماضية درر ( قوله وتوجه معها ) أي سائقا لها . قال الكرماني : ويستحب أن يكبر عند التوجه مع سوق الهدي ويقول الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد شرح اللباب ( قوله يريد الحج ) إذ لا بد مع ذلك من النية على الصواب كما صرح به الأصحاب شرح اللباب ( قوله ينبغي نعم ) البحث للشرنبلالي وعبارة شرح اللباب ناويا الإحرام بأحد النسكين صريحة في ذلك ( قوله أو بعثها ثم توجه ) عطف على قوله وتوجه معها فأفاد أن الشرط أحد الشيئين إما أن يسوقها ويتوجه معها وإما أن يبعثها ثم يلحقها ويتوجه معها وهذا الشرط لغير المتعة والقران ، فلا يشترط فيهما التوجه معها ولا لحاقها كما أفاد بقوله بعده أو بعثها لمتعة إلخ فافهم ( قوله ولحقها ) اقتصر على ذكر اللحوق لأنه شرط بالاتفاق .

وأما السوق بعده فمختلف فيه ففي الجامع الصغير لم يشترطه واشترطه في الأصل فقال يسوقه ويتوجه معه قال فخر الإسلام ذلك أمر اتفاقي ، وإنما الشرط أن يلحقه ، وفي الكافي قال شمس الأئمة السرخسي في المبسوط : اختلف الصحابة في هذه المسألة فمنهم من يقول إذا قلدها صار محرما ومنهم من يقول إذا توجه في أثرها صار محرما ومنهم من يقول إذا أدركها فساقها صار محرما فأخذنا بالمتيقن من ذلك وقلنا إذا أدركها وساقها صار محرما لاتفاق الصحابة على ذلك شرح اللباب ( قوله لزمه الإحرام بالتلبية إلخ ) لأنه حين وصل إلى الميقات لم يكن محرما بالتقليد لعدم لحاق الهدي ، ولا يجوز له المجاوزة بدون الإحرام فلزم الإحرام بالتلبية رحمتي ( قوله أو لقران ) صرح به لزيادة الإيضاح وإلا فقول المصنف لمتعة يشمل التمتع العرفي والقران كما أوضحه في البحر .

( قوله والتوجه ) أشار به إلى أن الأولى للمصنف تأخير قوله في أشهره عن قوله وتوجه بنية الإحرام ط ( قوله في أشهره إلخ ) لأن تقليد الهدي في غير أشهر الحج لا يعتد به لأنه فعل من أفعال المتعة ، وأفعال المتعة قبل أشهر الحج لا يعتد بها فيكون تطوعا [ ص: 486 ] وفي هدي التطوع ما لم يدرك أو يسر معه لا يصير محرما ، كذا في شرح الجامع الصغير لقاضي خان زيلعي ( قوله وإلا لم يصر إلخ ) أي بأن لم يوجد البعث والتوجه في الأشهر أو وجد التوجه دون البعث وقوله حتى يلحقها أي قبل الميقات ط ( قوله وتوجه بنية الإحرام ) أفاد أن هذه الأشياء إنما قامت مقام الذكر دون النية ط ( قوله فقد أحرم ) جواب قوله وإذا لبى ناويا إلخ ( قوله مختص بالإحرام ) احترز به عما لو أشعرها أو جللها إلى آخر ما يأتي ( قوله لا تتوقف على نية نسك ) أي معين .

قال في البحر وإذا أبهم الإحرام بأن لم يعين ما أحرم به جاز وعليه التعيين قبل أن يشرع في الأفعال فإن لم يعين وطاف شوطا كان للعمرة وكذا إذا أحصر قبل الأفعال فتحلل بدم تعين للعمرة فيجب قضاؤها لا قضاء حجة وكذا إذا جامع فأفسد وجب المضي في عمرة ( قوله صرف للعمرة ) أما الحج فلا يصرف إليه إلا إذا عينه قبل أن يشرع في الأفعال كما في البحر ، لكن في اللباب وشرحه لو وقف بعرفة قبل الطواف تعين إحرامه للحجة ولو لم يقصد الحج في وقوفه ( قوله ولو أطلق نية الحج ) بأن نوى الحج ولم يعين فرضا ولا نفلا ( قوله ولو عين نفلا فنفل ) وكذا لو نوى الحج عن الغير أو النذر كان عما نوى وإن لم يحج للفرض ، كذا ذكره غير واحد ، وهو الصحيح المعتمد المنقول الصريح عن أبي حنيفة وأبي يوسف من أنه لا يتأدى الفرض بنية النفل .

وروي عن الثاني وهو مذهب الشافعي وقوعه عن حجة الإسلام وكأنه قاسه على الصيام ، لكن الفرق أن رمضان معيار لصوم الفرض ، بخلاف وقت الحج فإنه موسع إلى آخر العمر ونظيره وقت الصلاة شرح اللباب ، نعم وقت الحج له شبه بالمعيار باعتبار عدم صحة حجتين فيه فلذا يتأدى بمطلق النية بخلاف فرض الظهر مثلا فإن وقته ظرف من كل وجه ( قوله بجرح سنامها ) الباء للتصوير وهو مكروه عند الإمام لأن كل أحد لا يحسنه فيلحق الحيوان به تعذيب ط وأشار المصنف إلى أن الإشعار خاص بالإبل ( قوله بوضع الجل ) أي على ظهرها وهو بالضم والفتح ما تلبسه الفرس لتصان به قاموس ( قوله لا لمتعة وقران ) وكذا لو لهما قبل أشهر الحج رحمتي ( قوله كما مر ) أي لحوقا كاللحوق الذي مر وهو كونه قبل الميقات وهذا محترز قوله ولحقها ط ( قوله أو قلد شاة ) محترز قوله بدنة ط ( قوله لعدم اختصاصه بالنسك ) لأن الإشعار قد يكون للمداواة والجل لدفع الحر والبرد والأذى ولأنه إذا لم يكن بين يديه هدي يسوقه عند التوجه لم يوجد إلا مجرد النية وبه لا يصير محرما وتقليد الشاة ليس بمتعارف ولا سنة رحمتي




الخدمات العلمية