الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( مكي ) ومن بحكمه ( طاف لعمرته ولو شوطا ) أي أقل أشواطها [ ص: 585 ] ( فأحرم بالحج رفضه ) وجوبا بالحلق لنهي المكي عن الجمع بينهما ( وعليه دم ) لأجل ( الرفض وحج وعمرة ) لأنه كفائت الحج ، حتى لو حج في سنته سقطت العمرة ، ولو رفضها قضاها فقط ( فلو أتمها صح ) وأساء ( وذبح ) وهو دم جبر ، وفي الآفاقي دم شكر

التالي السابق


( قوله مكي طاف لعمرته إلخ ) شروع في الجمع بين إحرامين ، وهو في حق المكي ومن بمعناه جناية دون الآفاقي إلا في إضافة إحرام العمرة إلى الحج فبالاعتبار الأول ذكره في الجنايات ، وبالاعتبار الثاني جعل له في الكنز بابا على حدة .

ثم اعلم أن أقسامه أربعة : إدخال إحرام الحج على العمرة ، والحج على مثله ، والعمرة على مثلها ، والعمرة على الحج ; قدم الأول لكونه أدخل في الجناية ، ولذا لم يسقط به الدم بحال ، ثم ذكر الثاني مقدما له على غيره لقوة حاله لاشتماله على ما هو فرض ، ثم الثالث على الرابع لما فيه من الاتفاق في الكيفية والكمية نهر ( قوله ومن بحكمه ) أشار إلى ما في النهر من أن المراد بالمكي غير الآفاقي ، فشمل كل من كان داخل المواقيت من الحلي والحرمي فافهم ، فالاحتراز بالمكي عن الآفاقي لأنه لا يرفض واحدا منهما غير أنه إن أضاف بعد فعل الأقل كان قارنا وإلا فهو متمتع إن كان ذلك في أشهر الحج كما مر نهر ( قوله أي أقل أشواطها ) يفيد أن الشوط ليس بقيد ، وأطلقه فشمل ما إذا كان في أشهر الحج أو لا كما في البحر عن المبسوط . وفي النهر عن الفتح : ولو طاف الأكثر في غير أيام الحج ، ففي المبسوط أن عليه الدم أيضا لأنه أحرم بالحج قبل الفراغ من العمرة ، وليس للمكي أن يجمع بينهما ، فإذا صار جامعا من وجه كان عليه الدم . ا هـ . وفيه أيضا قيد بالعمرة لأنه لو أهل بالحج وطاف له ثم بالعمرة رفضها اتفاقا ، وبكونه طاف لأنه لو لم يطف رفضها أيضا اتفاقا ، وبالأقل لأنه لو أتى بالأكثر رفضه أي الحج اتفاقا . وفي المبسوط أنه لا يرفض واحدا منهما ، [ ص: 585 ] وجعله الإسبيجابي ظاهر الرواية ( قوله رفضه ) أي تركه من باب طلب وضرب كما في المغرب ، وهذا : أي رفض الحج أولى عند الإمام . وعندهما الأولى رفض العمرة لأنها أدنى حالا . وله أن إحرامها تأكد بأداء شيء من أعمالها ، ورفض غير المتأكد أيسر ولأن في رفضها إبطال العمل وفي رفضه امتناعا عنه أفاده في البحر ( قوله وجوبا ) مخالف لما في البحر حيث قال بعد ما مر ، وقد ظهر أن رفض الحج مستحب لا واجب ا هـ أي وإنما الواجب رفض أحدهما لا بعينه ( قوله بالحلق ) أي مثلا . قال في البحر : ولم يذكر بماذا يكون رافضا ، وينبغي أن يكون الرفض بالفعل بأن يحلق مثلا بعد الفراغ من أفعال العمرة ولا يكفي بالقول أو بالنية لأنه جعله في الهداية تحللا وهو لا يكون إلا بفعل شيء من محظورات الإحرام . ا هـ .

قلت : وفي اللباب : كل من عليه الرفض يحتاج إلى نية الرفض إلا من جمع بين حجتين قبل فوات الوقوف أو بين العمرتين قبل السعي للأولى ، ففي هاتين الصورتين ترتفض إحداهما من غير نية رفض ، لكن إما بالسير إلى مكة أو الشروع في أعمال أحدهما ا هـ .

فعلم من مجموع ما في البحر واللباب أنه لا يحصل إلا بفعل شيء من محظورات الإحرام مع نية الرفض به ، وما قدمناه أوائل الجنايات عند قوله وبترك أكثره بقي محرما من أن المحرم إذا نوى رفض الإحرام فصنع ما يصنعه الحلال من لبس وحلق ونحوهما لا يخرج به من الإحرام وأن نية الرفض باطلة ، فهو محمول على ما إذا لم يكن مأمورا بالرفض كما نبهنا عليه هناك ، وقيد بكون الحلق بعد الفراغ من العمرة لئلا يكون جناية على إحرامها ( قوله لأنه كفائت الحج ) وحكمه أن يتحلل بعمرة ثم يأتي بالحج من قابل ط ( قوله حتى لو حج ) غاية للتعليل المفيد أنه قضاه في غير عامه ط ( قوله سقطت العمرة ) لأنه حينئذ ليس في معنى فائت الحج بل كالمحصر إذا تحلل ثم حج من تلك السنة ، فإنه حينئذ لا تجب عليه عمرة ، بخلاف ما إذا تحولت السنة ط وبحر ( قوله ولو رفضها ) أي العمرة التي طاف لها وأدخل عليها الحج ( قوله قضاها ) أي ولو في ذلك العام لأن تكرار العمرة في سنة واحدة جائز بخلاف الحج ، أفاده صاحب الهندية ط ( قوله فقط ) أي ليس عليه عمرة أخرى كما في الحج ، وليس مراده نفي الدم . لقول الهداية : وعليه دم بالرفض أيهما رفض . ا هـ . ح ( قوله صح ) لأنه أدى أفعالهما كما التزم نهر ( قوله وأساء ) أي مع الإثم ، لما صرحوا به من أن المكي منهي عن الجمع بينهما وأنه يأثم به ، وقدمنا الاختلاف في أن الإساءة دون الكراهة وفوقها والتوفيق بينهما فافهم ( قوله وذبح ) أي لتمكن النقصان من نسكه بارتكاب المنهي عنه لأنه قارن ، ولو أضاف بعد فعل الأكثر في أشهر الحج فمتمتع ، ولا تمتع ولا قران لمكي كما مر ، وهذا يؤيد قول من قال إن نفي التمتع والقران لمكي معناه نفي الحل كما مر نهر : أي لا نفي الصحة .

قلت : وقد مر ذلك في باب التمتع ، وقدمنا هناك تحقيق قول ثالث ، وهو أن تمتع المكي باطل وقرانه صحيح غير جائز فتذكره بالمراجعة . ( قوله وهو دم جبر ) لأن كل دم يجب بسبب الجمع أو الرفض ، فهو دم جبر وكفارة فلا يقوم الصوم مقامه وإن كان معسرا ، ولا يجوز له أن يأكل منه ولا أن يطعمه غنيا ، بخلاف دم الشكر ، [ ص: 586 ] شرح اللباب .




الخدمات العلمية