الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 586 ] ( ومن أحرم بحج ) وحج ( ثم أحرم يوم النحر بآخر ، فإن ) كان قد ( حلق للأول ) لزمه الآخر في العام القابل ( بلا دم ) لانتهاء الأول ( وإلا ) يحلق للأول ( فمع دم قصر ) عبر به ليعم المرأة ( أو لا ) لجنايته على إحرامه بالتقصير أو التأخير

التالي السابق


( قوله ومن أحرم بحج إلخ ) شروع في القسم الثاني والثالث أعني إدخال الحج على مثله والعمرة على مثلها . واعلم أن الإحرام بحجتين فصاعدا ، إما أن يكون على التراخي ، أو معا ، أو على التعاقب ;

فالأول ما ذكره في المتن ولذا أتى بثم . وأما الأخيران ، ففي النهر يلزمه الحجتان عند الإمام .

والثاني : لكن يرتفض أحدهما إذا توجه سائرا في ظاهر الرواية . وقال الثاني : عقب صيرورته محرما بلا مهلة ، وأثر الخلاف يظهر فيما إذا جنى قبل الشروع . وقال محمد : يلزمه في المعية أحدهما وفي التعاقب الأول فقط ، والعمرتان كالحجتين . ا هـ .

قلت : وأثر الخلاف لزوم دمين بالجناية عندهما ، ودم واحد عند محمد كما في البدائع . واستشكله في شرح اللباب بأنه عند الثاني يرتفض أحدهما عقب الإحرام بلا مكث أي فلم تكن الجناية عنده على إحرامين بل على واحد ، فيلزمه بالجناية دم واحد كقول محمد ( قوله ثم أحرم يوم النحر بآخر ) قيد بكونه يوم النحر ; لأنه لو أحرم بعرفات ليلا أو نهارا رفض الثانية وعليه دم الرفض وحجة وعمرة ، ثم عند الثاني يرتفض كما مر ، وعند الأول بوقوفه كما في المحيط . وينبغي أنه لو أحرم ليلة النحر بعد الوقوف نهارا أن يرتفض بالوقوف بالمزدلفة لا بعرفة لأنه سابق بحر ، لكن قياس ظاهر الرواية المتقدم أن تبطل بالمسير إليها نهر ( قوله فإن كان قد حلق للأول ) أي لحجه الأول قبل إحرامه بالثاني ( قوله لزمه الآخر ) أي فيبقى محرما إلى أن يؤديه في العام القابل لباب ( قوله لانتهاء الأول ) لأن الباقي بعد الحلق الرمي ، وبذلك لا يصير جانيا بالإحرام ثانيا نهر . ومقتضاه أن الإحرام الثاني وقع بعد الحلق وبعد طواف الزيارة أيضا ، وأنه لو أحرم بعد الحلق قبل الطواف لزمه دم الجمع لأن الإحرام الأول بقي في حق حرمة النساء ، وبه صرح الكرماني ; لكن المتبادر من المتن وغيره كالهداية وشروحها والكافي خلافه ، لإطلاقهم نفي الدم بعد الحلق من غير تقييد بما بعد الطواف أيضا ، لكن قال في شرح اللباب إن إطلاقهم لا ينافي تقييد الكرماني ا هـ أي فيحمل المطلق على المقيد .

قلت : لكن ما في الكرماني مبني على وجوب دم للجمع بين إحرامي الحج كإحرامي العمرة ويأتي الكلام فيه قريبا ( قوله فمع دم ) الفاء داخلة على مقدر أي فيلزمه الآخر مع دم ( قوله قصر أو لا ) أي إذا لم يحلق للأول ثم أحرم بالثاني لزمه دم ، سواء حلق عقب الإحرام الثاني أو لا بل أخره حتى حج في العام القابل ، وهذا عنده ، وهما يخصان الوجوب بما إذا حلق لأنهما لا يوجبان بالتأخير شيئا كما في البحر ( قوله عبر به إلخ ) أشار إلى أن التقصير غير قيد ، وإنما عبر به ليشمل المرأة ، لكن فيه أنه عبر قبله بالحلق .

وقد يقال إنه من قبيل الاحتباك ، وهو أن يصرح في كل موضع بما سكت عنه في الآخر ليفيد إرادة كل مع الاختصار . وما في النهر من أن المراد هنا بالتقصير الحلق إذ التقصير لا دم فيه إنما فيه الصدقة فقد قدمنا أول الجنايات أن الصواب خلافه فافهم ( قوله لجنايته على إحرامه ) أي إحرام الحجة الثانية ، أما إحرام الحجة الأولى فقد انتهى بهذا التقصير فلا جناية عليه ، وقوله أو التأخير عطف على مدخول اللام لا على التقصير لأن تأخير الحلق عن أيام النحر ترك واجب جناية على الإحرام ; ولو أسقط قوله على إحرامه لكان أولى ، وأشار بجعل العلة لوجوب الدم أحد هذين إلى أنه لا يلزمه دم للجمع بين إحرامي الحجين لأنه ليس جناية كما يأتي .




الخدمات العلمية