الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ويقع الحج ) المفروض ( عن الآمر على الظاهر ) من المذهب ، وقيل عن المأمور نفلا ، وللآمر ثواب [ ص: 603 ] النفقة كالنفل ( لكنه يشترط ) لصحة النيابة ( أهلية المأمور لصحة الأفعال ) ثم فرع عليه بقوله ( فجاز حج الصرورة ) بمهملة : من لم يحج ( والمرأة ) ولو أمة ( والعبد وغيره ) كالمراهق وغيرهم أولى لعدم الخلاف ( ولو أمر ذميا ) أو مجنونا [ ص: 604 ] ( لا ) يصح

التالي السابق


( قوله على الظاهر من المذهب ) كذا في المبسوط ، وهو الصحيح كما في كثير من الكتب بحر ، ويشهد بذلك الآثار من السنة وبعض الفروع من المذهب فتح ( قوله وقيل عن المأمور نفلا إلخ ) ذهب إليه عامة المتأخرين كما في الكشف ، قالوا : وهو رواية عن محمد ، وهو اختلاف لا ثمرة له لأنهم اتفقوا أن الفرض يسقط عن الآمر لا عن المأمور ، وأنه لا بد أن ينويه عن الآمر ، وتمامه في البحر . [ ص: 603 ] قلت : وعلى القول بوقوعه عن الآمر لا يخلو المأمور من الثواب ، بل ذكر العلامة نوح عن مناسك القاضي حج الإنسان عن غيره أفضل من حجه عن نفسه بعد أن أدى فرض الحج لأن نفعه متعد ، وهو أفضل من القاصر ا هـ تأمل ( قوله كالنفل ) مقتضاه أن النفل يقع عن المأمور اتفاقا ، وللآمر ثواب النفقة ، وبه صرح بعض الشراح ومشى عليه في اللباب . ورده الأتقاني في غاية البيان بأنه خلاف الرواية لما قاله الحاكم الشهيد في الكافي : الحج التطوع عن الصحيح جائز ، ثم قال : وفي الأصل يكون الحج عن المحج ا هـ .

( قوله لكنه يشترط إلخ ) استدراك على قوله يقع عن الآمر ، فإن مقتضاه صحته ولو من غير الأهل ط أي كما تصح إنابة ذمي في دفع الزكاة ( قوله لصحة الأفعال ) عبر بالصحة دون الوجوب ليعم المراهق فإنه أهل للصحة دون الوجوب ط ( قوله ثم فرع عليه ) أي على أن الشرط هو الأهلية دون اشتراط أن يكون المأمور قد حج عن نفسه ودون اشتراط الذكورة والحرية والبلوغ ( قوله بمهملة ) أي بصاد مهملة وبتخفيف الراء . مطلب في حج الصرورة ( قوله من لم يحج ) كذا في القاموس . وفي الفتح : والصرورة يراد به الذي لم يحج عن نفسه . ا هـ . أي حجة الإسلام ، لأن هذا الذي فيه خلاف الشافعي ، فهو أعم من المعنى اللغوي ، فكان ينبغي للشارح ذكره لأنه يشمل من لم يحج أصلا ومن حج عن غيره أو عن نفسه نفلا أو نذرا أو فرضا فاسدا أو صحيحا ثم ارتد ثم أسلم بعده كما أفاده ح ( قوله وغيرهم أولى لعدم الخلاف ) أي خلاف الشافعي فإنه لا يجوز حجهم كما في الزيلعي ح . ولا يخفى أن التعليل يفيد أن الكراهة تنزيهية لأن مراعاة الخلاف مستحبة فافهم . وعلل في الفتح الكراهة في المرأة بما في المبسوط من أن حجها أنقص ; إذ لا رمل عليها ، ولا سعي في بطن الوادي ، ولا رفع صوت بالتلبية ، ولا حلق . وفي العبد بما في البدائع من أنه ليس أهلا لأداء الفرض عن نفسه ; وأطلق في صحة إحجاج العبد ، فشمل ما إذا كان بإذن مولاه أو بغير إذنه كما صرح به في المعراج فافهم .

وقال في الفتح أيضا والأفضل أن يكون قد حج عن نفسه حجة الإسلام خروجا عن الخلاف ، ثم قال : والأفضل إحجاج الحر العالم بالمناسك الذي حج عن نفسه وذكر في البدائع كراهة إحجاج الصرورة لأنه تارك فرض الحج . ثم قال في الفتح بعد ما أطال في الاستدلال : والذي يقتضيه النظر أن حج الصرورة عن غيره إن كان بعد تحقق الوجوب عليه بملك الزاد والراحلة والصحة فهو مكروه كراهة تحريم لأنه يتضيق عليه في أول سني الإمكان فيأثم بتركه ، وكذا لو تنفل لنفسه ومع ذلك يصح لأن النهي ليس لعين الحج المفعول بل لغيره وهو الفوات ، إذ الموت في سنة غير نادر . ا هـ . قال في البحر : والحق أنها تنزيهية على الآمر لقولهم والأفضل إلخ تحريمية على الصرورة المأمور الذي اجتمعت فيه شروط الحج ولم يحج عن نفسه لأنه أثم بالتأخير ا هـ . قلت : وهذا لا ينافي كلام الفتح لأنه في المأمور ، ويحمل كلام الشارح على الآمر ، فيوافق ما في البحر من أن الكراهة في حقه تنزيهية وإن كانت في حق المأمور تحريمية .

[ تنبيه ] قال في نهج النجاة لابن حمزة النقيب بعد ما ذكر كلام البحر المار : أقول : وظاهره يفيد أن الصرورة [ ص: 604 ] الفقير لا يجب عليه الحج بدخول مكة ، وظاهر كلام البدائع بإطلاقه الكراهة أي في قوله : يكره إحجاج الصرورة لأنه تارك فرض الحج يفيد أنه يصير بدخول مكة قادرا على الحج عن نفسه وإن كان وقته مشغولا بالحج عن الآمر وهي واقعة الفتوى فليتأمل ا هـ . قلت : وقد أفتى بالوجوب مفتي دار السلطنة العلامة أبو السعود ، وتبعه في سكب الأنهر ، وكذا أفتى السيد أحمد بادشاه ، وألف فيه رسالة . وأفتى سيدي عبد الغني النابلسي بخلافه وألف فيه رسالة لأنه في هذا العام لا يمكنه الحج عن نفسه لأن سفره بمال الآمر فيحرم عن الآمر ويحج عنه ، وفي تكليفه بالإقامة بمكة إلى قابل ليحج عن نفسه ويترك عياله ببلده حرج عظيم ، وكذا في تكليفه بالعود وهو فقير حرج عظيم أيضا .

وأما ما في البدائع فإطلاقه الكراهة المنصرفة إلى التحريم يقتضي أن كلامه في الصرورة الذي تحقق الوجوب عليه من قابل كما يفيده ما مر عن الفتح ، نعم قدمنا أول الحج عن اللباب وشرحه أن الفقير الآفاقي إذا وصل إلى ميقات فهو كالمكي في أنه إن قدر على المشي لزمه الحج ولا ينوي النفل على زعم أنه فقير لأنه ما كان واجبا عليه وهو آفاقي ، فلما صار كالمكي وجب عليه ; حتى لو نواه نفلا لزمه الحج ثانيا ا هـ لكن هذا لا يدل على أن الصرورة الفقير كذلك لأن قدرته بقدرة غيره كما قلنا وهي غير معتبرة ، بخلاف ما لو خرج ليحج عن نفسه وهو فقير فإنه عند وصوله إلى الميقات صار قادرا بقدرة نفسه فيجب عليه وإن كان سفره تطوعا ابتداء ، ولو كان الصرورة الفقير مثله لما صح تقييد ابن الهمام كراهة التحريم بما إذا كان حجه عن الغير بعد تحقق الوجوب عليه وتعليله للكراهة بأنه تضيق الوجوب عليه فليتأمل ( قوله لا يصح ) أي لعدم الأهلية المذكورة




الخدمات العلمية