الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( و ) شرط ( حضور ) شاهدين [ ص: 22 ] ( حرين ) أو حر وحرتين ( مكلفين سامعين قولهما معا ) [ ص: 23 ] على الأصح ( فاهمين ) أنه نكاح على المذهب بحر ( مسلمين لنكاح مسلمة ولو فاسقين أو محدودين في قذف [ ص: 24 ] أو أعميين أو ابني الزوجين أو ابني أحدهما ، وإن لم يثبت النكاح بهما ) بالابنين ( إن ادعى القريب ، كما صح نكاح مسلم ذمية عند ذميين ) ولو مخالفين لدينها ( وإن لم يثبت ) النكاح ( بهما مع إنكاره ) والأصل عندنا أن كل من ملك قبول النكاح بولاية نفسه انعقد بحضرته . .

التالي السابق


( قوله : وشرط حضور شاهدين ) أي يشهدان على العقد ، أما الشهادة على التوكيل بالنكاح فليست بشرط لصحته كما قدمناه عن البحر ، وإنما فائدتها الإثبات عند جحود التوكيل . وفي البحر قيدنا الإشهاد بأنه خاص بالنكاح لقول الإسبيجابي : وأما سائر العقود فتنفذ بغير شهود ولكن الإشهاد عليه مستحب علية . ا هـ .

وفي الواقعات أنه واجب في المداينات ، وأما الكتابة ففي عتق المحيط يستحب أن يكتب للعتق كتابا ويشهد عليه صيانة عن التجاحد كما في المداينة بخلاف سائر التجارات للحرج ; لأنها مما يكثر وقوعها له وينبغي أن يكون النكاح كالعتق ; لأنه لا حرج فيه . ا هـ . مطلب الخصاف كبير في العلم يجوز الاقتداء به .

[ تنبيه ]

أشار بقوله فيما مر ولا المنكوحة مجهولة إلى ما ذكره في البحر هنا بقوله : ولا بد من تمييز المنكوحة عند الشاهدين لتنتفي الجهالة ، فإن كانت حاضرة منتقبة كفى الإشارة إليها والاحتياط كشف وجهها . [ ص: 22 ] فإن لم يروا شخصا وسمعوا كلامها من البيت ، إن كانت وحدها فيه جاز ، ولو معها أخرى فلا لعدم زوال الجهالة وكذا إذا وكلت بالتزويج فهو على هذا . ا هـ .

أي إن رأوها أو كانت وحدها في البيت يجوز أن يشهدوا عليها بالتوكيل إذا جحدته ، وإلا فلا لاحتمال أن الموكل المرأة الأخرى ، وليس معناه أنه لا يصح التوكيل بدون ذلك وأنه يصير العقد عقد فضولي فيصح بالإجارة بعده قولا أو فعلا لما علمته آنفا فافهم . ثم قال في البحر : وإن كانت غائبة ولم يسمعوا كلامها بأن عقد لها وكيلها فإن كان الشهود يعرفونها كفى ذكر اسمها إذا علموا أنه أرادها ، وإن لم يعرفوها لا بد من ذكر اسمها واسم أبيها وجدها . وجوز الخصاف النكاح مطلقا ، حتى لو وكلته فقال بحضرتهما زوجت نفسي من موكلتي أو من امرأة جعلت أمرها بيدي فإنه يصح عنده . قال قاضي خان : والخصاف كان كبيرا في العلم يجوز الاقتداء به وذكر الحاكم الشهيد في المنتقى كما قال الخصاف . ا هـ .

قلت : في التتارخانية عن المضمرات أن الأول هو الصحيح وعليه الفتوى ، وكذا قال في البحر في فصل الوكيل والفضولي أن المختار في المذهب خلاف ما قاله الخصاف ، وإن كان الخصاف كبيرا . ا هـ . وما ذكروه في المرأة يجري مثله في الرجل ففي الخانية قال الإمام ابن الفضل إن كان الزوج حاضرا مشارا إليه جاز ولو غائبا فلا ما لم يذكر اسمه واسم أبيه وجده ، قال والاحتياط أن ينسب إلى المحلة أيضا ، قيل له فإن كان الغائب معروفا عند الشهود ؟ قال ، وإن كان معروفا لا بد من إضافة العقد إليه ، وقد ذكرنا عن غيره في الغائبة إذا ذكر اسمها لا غير وهي معروفة عند الشهود وعلم الشهود أنه أراد تلك المرأة يجوز النكاح . ا هـ .

والحاصل أن الغائبة لا بد من ذكر اسمها واسم أبيها وجدها ، وإن كانت معروفة عند الشهود على قول ابن الفضل ، وعلى قول غيره يكفي ذكر اسمها إن كانت معروفة عندهم ، وإلا فلا وبه جزم صاحب الهداية في التجنيس وقال لأن المقصود من التسمية التعريف وقد حصل وأقره في الفتح والبحر . وعلى قول الخصاف يكفي مطلقا ، ولا يخفى أنه إذا كان الشهود كثيرين لا يلزم معرفة الكل بل إذا ذكر اسمها وعرفها اثنان منهم كفى والظاهر أن المراد بالمعرفة أن يعرفها أن المعقود عليها هي فلانة بنت فلان الفلاني لا معرفة شخصها ، وإن ذكر الاسم غير شرط ، بل المراد الاسم أو ما يعينها مما يقوم مقامه لما في البحر : لو زوجه بنته ولم يسمها وله بنتان لم يصح للجهالة بخلاف ما إذا كانت له بنت واحدة إلا إذا سماها بغير اسمها ولم يشر إليها فإنه لا يصح كما في التنجيس . ا هـ .

وفيه عن الذخيرة إذا كان للمزوج ابنة واحدة وللقابل ابن واحد فقال زوجت بنتي من ابنك يجوز النكاح ، وإن كان للقابل ابنان فإن سمى أحدهما باسمه صح إلخ ، وفيه عن الخلاصة إذا زوجها أخوها فقال زوجت أختي ولم يسمها جاز إن كانت له أخت واحدة وانظر ما قدمناه عند قوله ولا منكوحة مجهولة . ( قوله : حرين إلخ ) قال في البحر : وشرط في الشهود : الحرية ، والعقل ، والبلوغ ، والإسلام ، فلا ينعقد بحضرة العبيد والمجانين والصبيان والكفار في نكاح المسلمين ; لأنه لا ولاية لهؤلاء ، ولا فرق في العبد بين القن والمدبر والمكاتب ، فلو عتق العبيد أو بلغ الصبيان بعد التحمل ثم شهدوا إن كان معهم غيرهم وقت العقد ممن ينعقد بحضورهم جازت شهادتهم ; لأنهم أهل للتحمل وقد انعقد العقد بغيرهم ، وإلا فلا كما في الخلاصة وغيرها . ( قوله : أو حر وحرتين ) كذا في الكنز وقد نسيه المصنف فذكره الشارح لدفع إيهام اختصاص الذكور في شهادة النكاح كما نبه عليه الخير الرملي ( قوله : سامعين قولهما معا ) فلا ينعقد بحضرة النائمين والأصمين وهو قول العامة ، وتصحيح الزيلعي الانعقاد بحضرة النائمين دون الأصمين ضعيف رواه في الفتح والبحر . وأجاب في النهر بحمل النائمين على الوسنانين السامعين . واعترض بأنه حينئذ يكون محل وفاق لا خلاف ثم قال في النهر : وينبغي أن [ ص: 23 ] لا يختلف في انعقاده بالأصمين إذا كان كل من الزوج والزوجة أخرس ; لأن نكاحه كما قالوا ينعقد بالإشارة حيث كانت معلومة . ا هـ .

قال في الفتح : ومن اشترط السماع ما قدمناه في التزوج بالكتاب من أنه لا بد من سماع الشهود ما في الكتاب المشتمل على الخطبة بأن تقرأه المرأة عليهم أو سماعهم العبارة عنه بأن تقول إن فلانا كتب إلي يخطبني ثم تشهدهم أنها زوجته نفسها . ا هـ . لكن إذا كان الكتاب بلفظ الأمر بأن كتب زوجي نفسك مني لا يشترط سماع الشاهدين لما فيه بناء على أن صيغة الأمر توكيل ; لأنه لا يشترط الإشهاد على التوكيل ، أما على القول بأنه إيجاب فيشترط كما في البحر وقدمنا بيانه فيما مر ، وخرج بقوله معا ما لو سمعا متفرقين بأن حضر أحدهما العقد ثم غاب وأعيد بحضرة الآخر ، أو سمع أحدهما فقط العقد فأعيد فسمعه الآخر دون الأول ، أو سمع أحدهما الإيجاب والآخر القبول ثم أعيد فسمع كل وحده ما لم يسمعه أولا ; لأن في هذه الصورة وجد عقدان لم يحضر كل واحد منهما شاهدان كما في شرح النقاية ( قوله : على الأصح ) راجع لقوله سامعين وقوله : معا ، ومقابل الأول القول بالاكتفاء بمجرد حضورهما ، ، ومقابل الثاني ما عن أبي يوسف . من أنه إن اتحد المجلس جاز استحسانا كما في الفتح . ( قوله : فاهمين إلخ ) قال في البحر : جزم في التبيين بأنه لو عقدا بحضرة هنديين لم يفهما كلامهما لم يجز وصححه في الجوهرة ، وقال في الظهيرية : والظاهر أنه يشترط فهم أنه نكاح واختاره في الخانية فكان هو المذهب ، لكن في الخلاصة : لو يحسنان العربية فعقدا بها والشهود لا يعرفونها اختلف المشايخ فيه والأصح أنه ينعقد . ا هـ .

لقد اختلف التصحيح في اشتراط الفهم . ا هـ .

وحمل في النهر ما في الخلاصة على القول باشتراط الحضور بلا سماع ولا فهم : أي وهو خلاف الأصح كما مر ، ووفق الرحمتي بحمل القول بالاشتراط على اشتراط فهم أنه عقد نكاح والقول بعدمه على عدم اشتراط فهم معاني الألفاظ بعدما فهم أن المراد عقد النكاح ( قوله : لنكاح مسلمة ) قيد لقوله مسلمين احترازا عن نكاح الذمية فإنه لو تزوجها مسلم عند ذميين صح كما يأتي لكنه يوهم أن ما قبله من الشروط يشترط في أنكحة الكفار أيضا مع أنها تصح بغير شهود إذا كانوا يدينون ذلك كما سيأتي في بابه ، ولدفع ذلك قال في الهداية : ولا ينعقد نكاح المسلمين إلا بحضور شاهدين حرين إلخ وقد يجاب بأن الكلام في نكاح المسلمين بدليل أنه سيعقد لنكاح الكافر بابا على حدة . ولما كان تزوج المسلم ذمية لا يشترط فيه إسلام الشاهدين احترز عنه بقوله لنكاح مسلمة . ( قوله : ولو فاسقين إلخ ) اعلم أن النكاح له حكمان : حكم الانعقاد ، وحكم الإظهار ، فالأول ما ذكره والثاني إنما يكون عند التجاحد ، فلا يقبل في الإظهار إلا شهادة من تقبل شهادته في سائر الأحكام كما في شرح الطحاوي فلذا انعقد بحضور الفاسقين والأعميين والمحدودين في قذف ، وإن لم يتوبا وابني العاقدين ، وإن لم يقبل أداؤهم عند القاضي كانعقاده بحضرة العدوين بحر .

مطلب في عطف الخاص على العام ( قوله : أو محدودين في قذف ) أي وقد تابا قال في النهر وهذا القيد لا بد منه ، وإلا لزم التكرار . ا هـ .

واعترض بأن المقصود من إطلاق المصنف الإشارة إلى خلاف الشافعي في الفاسق المعلن والمحدود قبل التوبة ، أما المستور والمحدود النائب فلا خلاف له فيهما كما في شرح المجمع والحقائق ، وأيضا فالمحدود أخص مطلقا من الفاسق وذكر الأخص بعد الأعم واقع في أفصح الكلام على أنهم صرحوا بأنه إذا قوبل الخاص بالعام يراد به ما عدا الخاص ، لكن في المغني إن عطف الخاص على العام مما تفردت به الواو وحتى ، لكن الفقهاء يتسامحون في عطفه بأو [ ص: 24 ]

قلت : وصرح بعضهم بجوازه بثم وبأو كما في حديث { ، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها } ( قوله : أو أعميين ) كذا في الهداية والكنز والوقاية والمختار والإصلاح والجوهرة وشرح النقاية والفتح والخلاصة ، وهو مخالف لقوله في الخانية ولا تقبل شهادة الأعمى عندنا ; لأنه لا يقدر على التمييز بين المدعي والمدعى عليه والإشارة إليهما فلا يكون كلامه شهادة ولا ينعقد النكاح بحضرته . ا هـ .

والمختار ما عليه الأكثرون نوح ( قوله : وإن لم يثبت النكاح بهما ) أي بالابنين أي بشهادتها ، فقوله : بالابنين بدل من الضمير المجرور ، وفي نسخة لهما أي للزوجين ، وقد أشار إلى ما قدمناه من الفرق بين حكم الانعقاد ، وحكم الإظهار أي ينعقد النكاح بشهادتهما ، وإن لم يثبت بها عند التجاحد وليس هذا خاصا بالابنين كما قدمناه .

( قوله : إن ادعى القريب ) أي لو كانا ابنيه وحده أو ابنيها وحدها فادعى أحدهما النكاح وجحده الآخر لا تقبل شهادة ابني المدعي له بل تقبل عليه ، ولو كانا ابنيهما لا تقبل شهادتهما للمدعي ، ولا عليه لأنها لا تخلو عن شهادتهما لأصلهما ، وكذا لو كان أحدهما ابنها والآخر ابنه لا تقبل أصلا كما في البحر .

( قوله : كما صح إلخ ) لأن الشهادة إنما شرطت في النكاح لما فيه من إثبات ملك المتعة له عليها تعظيما لجزء الآدمي لا لثبوت ملك المهر لها عليه ; لأن وجوب المال لا تشترط فيه الشهادة كالبيع وغيره ، وللذمي شهادة على مثله لولايته عليه ، وهذا عندهما . وقال محمد وزفر : لا يصح وتمامه في الفتح وغيره ، وأراد بالذمية الكتابية كما في القهستاني قال ح فخرج غير الكتابية كما سيأتي في فصل المحرمات ودخل الحربية الكتابية ، وإن كره نكاحها في دار الحرب كما ذكره الشارح في محرمات شرح الملتقى . ا هـ .

( قوله : ولو مخالفين لدينها ) كما لو كانا نصرانيين وهي يهودية ، وشمل إطلاقه الذميين غير الكتابيين كمجوسيين والظاهر أنه احترز بهما عن الحربيين لقول الزيلعي وللذمي شهادة على مثله فأفاد أن شهادة الحربي على الذمي لا تقبل ، والمستأمن حربي أفاده السيد أبو السعود ( قوله : مع إنكاره ) أي إنكار المسلم العقد على الذمية ، أما عند إنكارها فمقبول عندهما مطلقا .

وقال محمد : إن قالا كان معنا مسلمان وقت العقد قبل ، وإلا لا ، وعلى هذا الخلاف لو أسلما وأديا نهر ( قوله : والأصل عندنا إلخ ) عبارة النهر قال الإسبيجابي : والأصل أن كل من صلح أن يكون وليا فيه بولاية نفسه صلح أن يكون شاهدا فيه ، وقولنا بولاية نفسه لإخراج المكاتب فإنه ، وإن ملك تزويج أمته لكن لا بولاية نفسه بل بما استفاده من المولى . ا هـ . وهذا يقتضي عدم انعقاده بالمحجور عليه ولم أره ا هـ .




الخدمات العلمية