الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولو قال ) رجل لآخر ( زوجتني ابنتك فقال ) الآخر ( زوجت أو ) قال ( نعم ) مجيبا له ( لم يكن نكاحا ما لم يقل ) الموجب بعده ( قبلت ) لأن زوجتني استخبار وليس بعقد ، [ ص: 26 ] بخلاف زوجني ; لأنه توكيل ( غلط وكيلها بالنكاح في اسم أبيها بغير حضورها لم يصح ) للجهالة وكذا لو غلط في اسم بنته إلا إذا كانت حاضرة وأشار إليها فيصح ; ولو له بنتان أراد تزويج الكبرى فغلط فسماها باسم الصغرى [ ص: 27 ] صح للصغرى خانية .

التالي السابق


( قوله : ما لم يقل الموجب بعده ) أي بعد قول الآخر زوجت أو نعم ; لأن قول الآخر ذلك يكون إيجابا فيحتاج إلى قول الأول قبلت وسماه موجبا نظرا إلى الصورة ( قوله : لأن زوجتني استخبار ) المسألة من الخانية ، وتقدم أنه لو صرح بالاستفهام فقال هل أعطيتنيها فقال أعطيتكها ، وكان المجلس للنكاح ينعقد فهذا أولى بالانعقاد ، فأما أن يكون في المسألة روايتان أو يحمل هذا على أن المجلس ليس لعقد النكاح [ ص: 26 ]

وقال في كافي الحاكم : وإذا قال رجل لامرأة أتزوجك بكذا أم كذا فقالت : قد فعلت فهو بمنزلة قوله : قد تزوجتك وليس يحتاج في هذا إلى أن يقول الزوج قد قبلت ، وكذلك إذا قال قد خطبتك إلى نفسي بألف درهم فقالت قد زوجتك نفسي هذا كله جائز إذا كان عليه شهود ; لأن هذا كلام الناس وليس بقياس . ا هـ . رحمتي ( قوله : لأنه توكيل ) أي فيكون كلام الثاني قائما مقام الطرفين ، وقيل إنه إيجاب ، ومر ما فيه ط ( قوله : لم يصح ) لأن الغائبة يشترط ذكر اسمها واسم أبيها وجدها ، وتقدم أنه إذا عرفها الشهود يكفي ذكر اسمها فقط خلافا لابن الفضل وعند الخصاف يكفي مطلقا والظاهر أنه في مسألتنا لا يصح عند الكل ; لأن ذكر الاسم وحده لا يصرفها عن المراد إلى غيره ، بخلاف ذكر الاسم منسوبا إلى أب آخر ، فإن فاطمة بنت أحمد لا تصدق على فاطمة بنت محمد تأمل ، وكذا يقال فيما لو غلط في اسمها ( قوله : إلا إذا كانت حاضرة إلخ ) راجع إلى المسألتين : أي فإنها لو كانت مشارا إليها وغلط في اسم أبيها أو اسمها لا يضر لأن تعريف الإشارة الحسية أقوى من التسمية ، لما في التسمية من الاشتراك لعارض فتلغو التسمية عندها ، كما لو قال اقتديت بزيد هذا فإذا هو عمرو فإنه يصح ( قوله : ولو له بنتان إلخ ) أي بأن كان اسم الكبرى مثلا عائشة والصغرى فاطمة . فقال زوجتك بنتي الكبرى فاطمة وقبل صح العقد عليها ، وإن كانت عائشة هي المرادة وهذا إذا لم يصفها بالكبرى ، أما لو قال زوجتك بنتي الكبرى فاطمة ففي الولوالجية : يجب أن لا ينعقد العقد على إحداهما ; لأنه ليس له ابنة كبرى بهذا الاسم . ا هـ . ونحوه في الفتح عن الخانية ، ولا تنفع النية هنا ولا معرفة الشهود بعد صرف اللفظ عن المراد كما قلنا . ونظير هذا ما في البحر عن الظهيرية : لو قال أبو الصغيرة لأبي الصغير زوجت ابنتي ولم يزد عليه شيئا فقال أبو الصغير قبلت يقع النكاح للأب وهو الصحيح ، ويجب أن يحتاط فيه فيقول قبلت لابني . ا هـ . وقال في الفتح بعد أن ذكر المسألة بالفارسية : يجوز النكاح على الأب ، وإن جرى بينهما مقدمات النكاح للابن وهو المختار لأن الأب أضافه إلى نفسه بخلاف ما لو قال أبو الصغيرة زوجت بنتي من ابنك فقال أبو الابن قبلت ولم يقل لابني يجوز النكاح للابن لإضافة المزوج النكاح إلى الابن بيقين وقول القابل له ، والجواب يتقيد بالأول فصار كما لو قال قبلت لابني . ا هـ .

قلت : وبه يعلم بالأولى حكم ما يكثر وقوعه حيث يقول زوج ابنتك لابني ، فيقول له زوجتك ، فيقول الأول قبلت فيقع العقد للأب والناس عنه غافلون ، وقد سئلت عنه فأجبت بذلك ، وبأنه لا يمكن للأب تطليقها وعقده للابن ثانيا لحرمتها على الابن مؤبدا ، ومثله ما يقع كثيرا أيضا حيث يقول زوجني بنتك لابني ، فيقول زوجتك ، فإن قال الأول قبلت انعقد النكاح لنفسه ، وإلا لم ينعقد أصلا لا له ولا لابنه كما أفتى به في الخبرية ، وبقي ما إذا قال زوج ابنتك من ابني فقال : وهبتها لك أو زوجتها لك ، فيصح للابن بخلاف ما مر عن الظهيرية لأنه ليس فيه إلا الخطبة أما هنا فقوله : زوج ابنتك من ابني توكيل ، حتى لم يحتج بعده إلى قبول فيصير قول الآخر وهبتها لك معناه زوجتها لابنك لأجلك ، ولا فرق في العرف بين زوجتها لك ووهبتها لك كذا حرره في الفتاوى الخبرية والظاهر أنه لو قال : زوجتك لا يصح لأحد إلا إذا قال الآخر قبلت فيصح له ، وبقي أيضا قولهم زوجتك بنتي لابنك فيقول قبلت ، ويظهر لي أنه ينعقد للأب لإسناد التزويج ، وقول أبي البنت لابنك معناه لأجل ابنك فلا يفيد وكذا لو قال الآخر قبلت لابني لا يفيد أيضا ، نعم لو قال أعطيتك بنتي لابنك فيقول قبلت فالظاهر أنه ينعقد للابن ، لأن قوله أعطيتك بنتي لابنك معناه في العرف أعطيتك بنتي زوجة لابنك ، وهذا المعنى ، وإن كان [ ص: 27 ] هو المراد عرفا من قولهم زوجتك بنتي لابنك ، لكنه لا يساعده اللفظ كما علمت ، والنية وحدها لا تنفع كما مر ، والله سبحانه أعلم .

وأما ما في الخيرية فيمن خطب لابنه بنت أخيه فقال أبوها زوجتك بنتي فلانة لابنك ، وقال الآخر زوجت أجاب لا ينعقد ; لأن التزوج غير التزويج . ا هـ .

ففيه نظر ، بل لم ينعقد للابن لقول أبي البنت زوجتك بكاف الخطاب ، ولا لأبيه لكونه عم البنت ، حتى لو كان أجنبيا عنها انعقد النكاح له ، بل هو أولى بالانعقاد له من المسألة المارة عن الظهيرية لحصول الإضافة . ا هـ . في الإيجاب والقبول ، بخلاف ما في الظهيرية ، وكون مصدر زوجتك التزويج ، ومصدر تزوجت التزوج لا يظهر وجها إذ لا يلزم اتحاد المادة في الإيجاب والقبول فضلا عن اتحاد الصيغة فلو قال زوجتك فقال قبلت أو رضيت جاز فتأمل .

( قوله : صح إلخ ) في الفتح عن الفتاوى قيل لا يصح ، وإن قبل عن الزوج إنسان واحد لأنه نكاح بغير شهود ; لأن القوم كلهم يخاطبون من تكلم ، ومن لا ; لأن التعارف هكذا أن يتكلم واحد ويسكت الباقون والخاطب لا يصير شاهدا ، وقيل يصح وهو الصحيح وعليه الفتوى ; لأنه ضرورة في جعل الكل خاطبا فيجعل المتكلم فقط والباقي شهود . ا هـ . ونقل بعده في البحر عن خلاصة أن المختار عدم الجواز . ا هـ . ولا يخفى أن لفظ الفتوى آكد ألفاظ الصحيح ، ووفق بعضهم بحمل ما في الخلاصة على ما إذا قبلوا جميعا . وأقول : ينافيه قول الخلاصة وقيل واحد من القوم ، ومثله ما مر عن الفتح : وإن قبل عن الزوج إنسان واحد فافهم




الخدمات العلمية