الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( فلو تزوج صغيرة لا تشتهى ، فدخل بها فطلقها وانقضت عدتها وتزوجت بآخر جاز ) للأول ( التزوج ببنتها ) لعدم الإشهاء وكذا تشترط الشهوة في الذكر ; فلو جامع غير مراهق زوجة أبيه لم تحرم فتح ( ولا فرق ) فيما ذكر ( بين اللمس والنظر بشهوة بين عمد ونسيان ) وخطأ ، وإكراه ، فلو أيقظ زوجته أو أيقظته هي لجماعها فمست يده بنتها المشتهاة أو يدها ابنه حرمت الأم أبدا فتح .

( قبل أم امرأته ) [ ص: 36 ] في أي موضع كان على الصحيح جوهرة ( حرمت ) عليه ( امرأته ما لم يظهر عدم الشهوة ) ولو على الفم كما فهمه في الذخيرة ( وفي المس لا ) تحرم ( ما لم تعلم الشهوة ) لأن الأصل في التقبيل الشهوة ، بخلاف المس ( والمعانقة كالتقبيل ) وكذا القرص والعض بشهوة ، ولو لأجنبية وتكفي الشهوة من أحدهما ، ، ومراهق ، ومجنون وسكران كبالغ [ ص: 37 ] بزازية . وفي القنية : قبل السكران بنته تحرم الأم ، وبحرمة المصاهرة لا يرتفع النكاح حتى لا يحل لها التزوج بآخر إلا بعد المتاركة وانقضاء العدة ، والوطء بها لا يكون زنا ، وفي الخانية إن النظر إلى فرج ابنته بشهوة يوجب حرمة امرأته وكذا لو فزعت فدخلت فراش أبيها عريانة فانتشر لها أبوها تحرم عليه أمها ( وبنت ) سنها ( دون تسع ليست بمشتهاة ) به يفتى ( وإن ادعت الشهوة ) في تقبيله أو تقبيلها ابنه ( وأنكرها الرجل فهو مصدق ) لا هي ( إلا أن يقوم إليها منتشرا ) آلته ( فيعانقها ) لقرينة كذبه أو يأخذ ثديها ( أو يركب معها ) أو يمسها على الفرج أو يقبلها على الفم قاله الحدادي وفي الفتح يتراءى [ ص: 38 ] إلحاق الخدين بالفم ، وفي الخلاصة قيل له ما فعلت بأم امرأتك فقال : جامعتها تثبت الحرمة ; ولا يصدق أنه كذب ولو هازلا .

التالي السابق


( قوله : جاز له التزوج ببنتها ) أما أمها فحرمت عليه بمجرد العقد ط ( قوله : فلو جامع غير مراهق إلخ ) الذي في الفتح حتى لو جامع ابن أربع سنين زوجة أبيه لا تثبت الحرمة قال في البحر : وظاهره اعتبار السن الآتي في حد المشتهاة أعني تسع سنين .

قال في النهر وأقول : التعليل بعدم الاشتهاء يفيد أن من لا يشتهي لا تثبت الحرمة بجماعه ولا خفاء أن ابن تسع عار من هذا ، بل لا بد أن يكون مراهقا ، ثم رأيته في الخانية قال الصبي الذي يجامع مثله كالبالغ قالوا وهو أن يجامع ويشتهي ، وتستحي النساء من مثله وهو ظاهر في اعتبار كونه مراهقا لا ابن تسع ، ويدل عليه ما في الفتح مس المراهق كالبالغ وفي البزازية المراهق كالبالغ حتى لو جامع امرأته أو لمس بشهوة تثبت حرمة المصاهرة . ا هـ .

وبه ظهر أن ما عزاه الشارح إلى الفتح وإن لم يكن صريح كلامه لكنه مراده . فتحصل من هذا : أنه لا بد في كل منهما من سن المراهقة وأقله للأنثى تسع وللذكر اثنا عشر ; لأن ذلك أقل مدة يمكن فيها البلوغ كما صرحوا به في باب بلوغ الغلام ، وهذا يوافق ما مر من أن العلة هي الوطء الذي يكون سببا للولد أو المس الذي يكون سببا لهذا الوطء ، ولا يخفى أن غير المراهق منهما لا يتأتى منه الولد .

( قوله : ولا فرق فيما ذكر ) أي من التحريم وقوله : بين اللمس والنظر وصوابه في اللمس والنظر ، وعبارة الفتح ولا فرق في ثبوت الحرمة بالمس بين كونه عامدا أو ناسيا أو مكرها أو مخطئا إلخ أفاده ح قال الرحمتي : وإذا علم ذلك في المس والنظر علم في الجماع بالأولى ( قوله : فلو أيقظ إلخ ) تفريع على الخطأ ط . ( قوله : أو يدها ابنه ) أي المراهق كما علم مما مر ، وأما تقييد الفتح بكونه ابنه من غيرها فقال في النهر ليعلم ما إذا كان ابنه منها بالأولى ، ولا بد من التقييد بالشهوة أو ازديادها في الموضعين ( قوله : قبل أم امرأته إلخ ) قال في الذخيرة ، وإذا قبلها أو لمسها أو نظر إلى فرجها ثم قال لم يكن عن شهوة ذكر الصدر الشهيد أنه في القبلة يفتى بالحرمة ، ما لم يتبين أنه بلا شهوة وفي المس والنظر لا إلا إن تبين أنه بشهوة ; لأن الأصل في التقبيل الشهوة بخلاف المس والنظر ، وفي بيوع العيون خلاف هذا إذا [ ص: 36 ] اشترى جارية على أنه بالخيار وقبلها أو نظر إلى فرجها ثم قال لم يكن عن شهوة ، وأراد ردها صدق ولو كانت مباشرة لم يصدق ، ، ومنهم من فصل في القبلة فقال إن كانت على الفم يفتى بالحرمة ، ولا يصدق أنه بلا شهوة ، وإن كانت على الرأس أو الذقن أو الخد فلا إلا إذا تبين أنه بشهوة وكان الإمام ظهير الدين يفتي بالحرمة في القبلة مطلقا ، ويقول لا يصدق في أنه لم يكن بشهوة وظاهر إطلاق بيوع العيون يدل على أنه يصدق في القبلة على الفم أو غيره ، وفي البقالي إذا أنكر الشهوة في المس يصدق إلا أن يقوم إليها منتشرا فيعانقها ، ولذا قال في المجرد وانتشاره دليل شهوته . ا هـ .

( قوله : على الصحيح جوهرة ) الذي في الجوهرة للحدادي خلاف هذا فإنه قال لو مس أو قبل ، وقال لم أشته صدق إلا إذا كان المس على الفرج والتقبيل في الفم . ا هـ .

وهذا هو الموافق لما سينقله الشارح عن الحدادي ، ولما نقله عنه في البحر قائلا ورجحه في فتح القدير وألحق الخد بالفم . ا هـ .

وقال في الفيض : ولو قام إليها وعانقها منتشرا أو قبلها ، وقال لم يكن عن شهوة لا يصدق ، ولو قبل ولم تنتشر آلته وقال كان عن غير شهوة يصدق وقيل لا يصدق لو قبلها على الفم وبه يفتى . ا هـ .

فهذا كما ترى صريح في ترجيح التفصيل ، وأما تصحيح الإطلاق الذي ذكره الشارح ، فلم أره لغيره نعم قال القهستاني : وفي القبلة يفتى بها أي بالحرمة ما لم يتبين أنه بلا شهوة ويستوي أن يقبل الفم أو الذقن أو الخد أو الرأس ، وقيل إن قبل الفم يفتى بها ، وإن ادعى أنه بلا شهوة ، وإن قبل غيره لا يفتى بها إلا إذا ثبتت الشهوة . ا هـ .

وظاهره ترجيح الإطلاق في التقبيل لكن علمت التصريح بترجيح التفصيل تأمل . ( قوله : حرمت عليه امرأته إلخ ) أي يفتى بالحرمة إذا سئل عنها ، ولا يصدق إذا ادعى عدم الشهوة إلا إذا ظهر عدمها بقرينة الحال ، وهذا موافق لما تقدم عن القهستاني والشهيد ، ومخالف لما نقلناه عن الجوهرة ورجحه في الفتح وعلى هذا فكان الأولى أن يقول لا تحرم ما لم تعلم الشهوة أي بأن قبلها منتشرا ، أو على الفم فيوافق ما نقلناه عن الفيض ولما سيأتي أيضا وحينئذ فلا فرق بين التقبيل والمس . ( قوله : ولو على الفم ) مبالغة على المنفي لا على النفي . والمعنى : حرمت امرأته إذا لم يظهر عدم اشتهاء ، وهو صادق بظهور الشهوة والشك فيها ، أما إذا ظهر عدم الشهوة فلا تحرم ولو كانت القبلة على الفم . ا هـ .

ح ( قوله : كما فهمه في الذخيرة ) أي فهمه من عبارة العيون حيث قال وظاهر ما أطلق في بيوع العيون إلى آخر ما مر ، وأنت خبير بأن كلام المصنف مبني على أن الأصل في القبلة الشهوة ، وأنه لا يصدق في دعوى عدمها ، وهذا خلاف ما في العيون تأمل ( قوله : كذا القرص والعض بشهوة ) ينبغي ترك قوله : بشهوة كما فعل المصنف في المعانقة ; لأن المقصود تشبيه هذه الأمور بالتقبيل في التفصيل المتقدم فلا معنى للتقييد . ا هـ ح . ( قوله : ولو لأجنبية ) أي لا فرق بين أن تكون زوجة أو أجنبية ، أما الأجنبية فصورتها ظاهرة ، وأما الزوجة فكما إذا تزوج امرأة فقرصها أو عضها أو قبلها أو عانقها ثم طلقها قبل الدخول حرمت عليه بنتها . واعلم أن هذا التعميم لا يخص ما نحن فيه فإن جميع ما قبله كذلك ح وخص البنت ; لأن الأم تحرم بمجرد العقد ( قوله : وتكفي الشهوة من إحداهما ) هذا إنما يظهر في المس أما في النظر فتعتبر الشهوة من الناظر ، سواء وجدت من الآخر أم لا . ا هـ .

ط وهكذا بحث الخير الرملي أخذا من ذكرهم ذلك في بحث المس فقط قال : والفرق اشتراكهما في لذة المس كالمشتركين في لذة الجماع بخلاف النظر ( قوله : كبالغ ) أي في ثبوت حرمة المصاهرة بالوطء ، أو المس [ ص: 37 ] أو النظر ولو تمم المقابلات بأن قال كبالغ عاقل صالح لكان أولى ط وفي الفتح : لو مس المراهق وأقر أنه بشهوة تثبت الحرمة عليه . ( قوله : بزازية ) لم أر فيها إلا المراهق دون المجنون والسكران نعم رأيتهما في حاويالزاهدي ( قوله : تحرم الأم ) كذا لم يوجد في بعض النسخ ، وفي عامتها بدون الأم فهو من باب الحذف والإيصال كما قال ح وعبارة القنية هكذا قبل المجنون أم امرأته بشهوة أو السكران بنته تحرم . ا هـ .

أي تحرم امرأته ( قوله : وبحرمة المصاهرة إلخ ) قال في الذخيرة : ذكر محمد في نكاح الأصل أن النكاح لا يرتفع بحرمة المصاهرة والرضاع بل يفسد حتى لو وطئها الزوج قبل التفريق لا يجب عليه الحد اشتبه عليه أو لم يشتبه عليه . ا هـ .

( قوله : إلا بعد المتاركة ) أي ، وإن مضى عليها سنون كما في البزازية ، وعبارة الحاوي إلا بعد تفريق القاضي أو بعد المتاركة . ا هـ .

وقد علمت أن النكاح لا يرتفع بل يفسد وقد صرحوا في النكاح الفاسد بأن المتاركة لا تتحقق إلا بالقول ، إن كانت مدخولا بها كتركتك أو خليت سبيلك ، وأما غير المدخول بها فقيل تكون بالقول وبالترك على قصد عدم العود إليها .

وقيل : لا تكون إلا بالقول فيهما ، حتى لو تركها ، ومضى على عدتها سنون لم يكن لها أن تتزوج بآخر فافهم . ( قوله : والوطء بها إلخ ) أي الوطء الكائن في هذه الحرمة قبل التفريق والمتاركة لا يكون زنا قال في الحاوي والوطء فيها لا يكون زنا ; لأنه مختلف فيه ، وعليه مهر المثل بوطئها بعد الحرمة ولا حد عليه ويثبت النسب . ا هـ .

( قوله : وفي الخانية إلخ ) مستغنى عنه بما تقدم ح ( قوله : فدخلت فراش أبيها ) كنى به عن المس ، وإلا فمجرد الدخول بغير مس لا يعتبر ط . ( قوله : ليست بمشتهاة به يفتى ) كذا في البحر عن الخانية ، ثم قال فأفاد أنه لا فرق بين أن تكون سمينة أو لا ولذا قال في المعراج بنت خمس لا تكون مشتهاة اتفاقا وبنت تسع فصاعدا مشتهاة اتفاقا وفيما بين الخمس والتسع اختلاف الرواية والمشايخ والأصح أنها لا تثبت الحرمة . ا هـ . ( قوله : وإن ادعت الشهوة في تقبيله ) أي ادعت الزوجة أنه قبل أحد أصولها أو فروعها بشهوة أو أن أحد أصولها أو فروعها قبله بشهوة ، فهو مصدر مضاف إلى فاعله أو مفعوله وكذا قوله : أو تقبيلها ابنه ، فإن كانت إضافته إلى المفعول فابنه فاعل والأنسب لنظم الكلام إضافة الأول لفاعله والثاني لمفعوله ليكون فاعل يقوم الرجل أو ابنه كما أفاده ح ( قوله : فهو مضاف ) لأنه ينكر ثبوت الحرمة والقول للمنكر ، وهذا ذكره في الذخيرة في المس لا في التقبيل كما فعل الشارح فإنه مخالف لما مشى عليه المصنف أو لا من أنه في التقبيل يفتى بالحرمة ما لم يظهر عدم الشهوة ، وقدمنا عن الذخيرة نقل الخلاف في ذلك فما هنا مبني على ما في بيوع العيون ( قوله : آلته ) بالرفع فاعل منتشرا ط ( قوله : أو يركب معها ) أي على دابة بخلاف ما إذا ركبت على ظهره وعبر الماء حيث يصدق في أنه لا عن شهوة بزازية ( قوله : وفي الفتح إلخ ) قال فيه : والحاصل : أنه إذا أقر بالنظر وأنكر الشهوة صدق بلا خلاف ، وفي المباشرة لا يصدق بلا خلاف فيما أعلم وفي التقبيل اختلف فيه قيل لا يصدق لأنه لا يكون إلا عن شهوة غالبا ، فلا يقبل إلا أن يظهر خلافه بالانتشار ونحوه ، وقيل يقبل ، وقيل بالتفصيل بين كونه على الرأس والجبهة والخد فيصدق أو على الفم فلا والأرجح هذا إلا أن الخد يتراءى إلحاقه بالفم . ا هـ . [ ص: 38 ]

وقوله : إلا أن يظهر إلخ حقه أن يذكر بعد قوله : وقيل يقبل كما لا يخفى ولم يذكر المس ، وقدمنا عن الذخيرة أن الأصل فيه عدم الشهوة مثل النظر ، فيصدق إذا أنكر الشهوة إلا أن يقوم إليها منتشرا أي لأن الانتشار دليل الشهوة ، وكذا إذا كان المس على الفرج كما مر عن الحدادي ; لأنه دليل الشهوة غالبا ، وما ذكره في الفتح بحثا من إلحاق تقبيل الخد بالفم أي بخلاف الرأس والجبهة غير ما تقدم في كلام الذخيرة عن الإمام ظهير الدين فإن ذاك لم يفصل فافهم . ( قوله : ولا يصدق أنه كذب إلخ ) أي عند القاضي ، أما بينه وبين الله تعالى إن كان كاذبا فيما أقر لم تثبت الحرمة ، وكذا إذا أقر بجماع أمها قبل التزوج لا يصدق في حقها ، فيجب كمال المسمى لو بعد الدخول ونصفه لو قبله بحر .




الخدمات العلمية