الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( و ) حرم ( الجمع ) بين المحارم ( نكاحا ) أي عقدا صحيحا ( وعدة ولو من طلاق بائن ، و ) حرم الجمع ( وطء بملك يمين بين امرأتين أيتهما فرضت ذكرا لم تحل للأخرى ) [ ص: 39 ] أبدا لحديث مسلم { لا تنكح المرأة على عمتها } وهو مشهور يصلح مخصصا للكتاب ( فجاز الجمع بين امرأة وبنت زوجها ) أو امرأة ابنها أو أمة ثم سيدتها لأنه لو فرضت المرأة أو امرأة الابن أو السيدة ذكرا لم يحرم بخلاف عكسه .

التالي السابق


( قوله : بين المحارم ) الأولى حذفه ; لأن قول المصنف بين امرأتين يغني عنه ; ولئلا يتوهم اختصاص الثاني بالجمع وطئ بملك يمين ، ولا يصح إعرابه بدلا منه بدل مفصل من مجمل ; لأن الشارح ذكر له عاملا يخصه وهو قوله : وحرم الجماع فافهم ، وأراد بالمحارم ما يشمل النسب والرضاع فلو كان له زوجتان رضيعتان أرضعتهما أجنبية فسد نكاحهما كما في البحر ( قوله : أي عقدا صحيحا ) الأنسب حذف قوله صحيحا كما فعل في البحر والنهر ولذا قال ح : لا ثمرة لهذا القيد فيما إذا تزوجهما في عقد واحد فإنه لا يكون صحيحا قطعا ، ولا فيما إذا تزوجهما على التعاقب ، وكان نكاح الأولى صحيحا فإن نكاح الثانية والحالة هذه باطل قطعا نعم له ثمرة فيما إذا تزوج الأولى فاسدا فإن له حينئذ أن يعقد على الثانية ويصدق عليه أنه جمع بينهما نكاحا ونكاح الأولى ، وإن كان فاسدا يسمى نكاحا كما شاع في عباراتهم له ( قوله : وعدة ) معطوف على نكاحا منصوب مثله على التمييز ( قوله : ولو من طلاق بائن ) شمل العدة من الرجعي ، أو من إعتاق أم ولد خلافا لهما أو من تفريق بعد نكاح فاسد ، وأشار إلى أن من طلق الأربع لا يجوز له أن يتزوج امرأة قبل انقضاء عدتهن ، فإن انقضت عدة الكل معا جاز له تزوج أربع ، وإن واحدة فواحدة بحر .

[ فرع ]

ماتت امرأته له التزوج بأختها بعد يوم من موتها كما في الخلاصة عن الأصل ، وكذا في المبسوط لصدر الإسلام والمحيط للسرخسي والبحر والتتارخانية وغيرها من الكتب المعتمدة ، وأما ما عزي إلى النتف من وجوب العدة فلا يعتمد عليه وتمامه في كتابنا تنقيح الفتاوى الحامدية ( قوله : بملك يمين ) متعلق بوطء ، واحترز بالجمع وطء عن الجمع ملكا من غير وطء فإنه جائز كما في البحر ط . ( قوله : بين امرأتين ) يرجع إلى الجمع نكاحا وعدة ووطئا بملك يمين ط أي في عبارة المصنف أما على عبارة الشارح فهو متعلق بالأخير ( قوله : أيهما فرضت إلخ ) أي أية واحدة منهما فرضت ذكرا لم يحل للأخرى كالجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها ، والجمع بين الأم والبنت نسبا أو رضاعا ، وكالجمع بين عمتين أو خالتين كأن يتزوج كل من رجلين أم الآخر ، فيولد لكل منهما [ ص: 39 ] بنت فيكون كل من البنتين عمة الأخرى ، أو يتزوج كل منهما بنت الآخر ويولد لهما بنتان ، فكل من البنتين خالة الأخرى كما في البحر .

( قوله : أبدا ) قيد به تبعا للبحر وغيره لإخراج ما لو تزوج أمة ثم سيدتها فإنه يجوز ; لأنه إذا فرضت الأمة ذكرا لا يصح له إيراد العقد على سيدته ، ولو فرضت السيدة ذكرا لا يحل له إيراد العقد على أمته إلا في موضع الاحتياط كما يأتي لكن هذه الحرمة من الجانبين مؤقتة إلى زوال ملك اليمين ، فإذا زال فأيتهما فرضت ذكرا صح إيراد العقد منه على الأخرى ، فلذا جاز الجمع بينهما واحتيج إلى إخراج هذه الصورة من القاعدة المذكورة بقيد الأبدية لكن هذا بناء على أن المراد من عدم الحل في قوله أيتهما فرضت ذكرا لم تحل للأخرى عدم حل إيراد العقد ، أما لو أريد به عدم حل الوطء لا يحتاج في إخراجها إلى قيد الأبدية ; لأنها خارجة بدونه فإنه لو فرضت السيدة ذكرا يحل له وطء أمته أفاده ح ( قوله : { لا تنكح المرأة على عمتها } ) تمامه { ولا على خالتها ولا ابنة أخيها ولا على ابنة أختها } ( قوله : وهو مشهور ) فإنه ثابت في صحيحي مسلم وابن حبان ، ورواه أبو داود والترمذي والنسائي ، وتلقاه الصدر الأول بالقبول من الصحابة والتابعين ورواه الجم الغفير منهم أبو هريرة وجابر وابن عباس وابن عمر وابن مسعود وأبو سعيد الخدري فيصلح مخصصا لعموم قوله تعالى : { وأحل لكم ما وراء ذلكم } مع أن العموم المذكور مخصوص بالمشركة والمجوسية وبناته من الرضاعة ، فلو كان من أخبار الآحاد جاز التخصيص به غير متوقف على كونه مشهورا .

والظاهر أنه لا بد من ادعاء الشهرة لأن الحديث موقعه النسخ لا التخصيص ; لأن { ولا تنكحوا المشركات } ناسخ لعموم { وأحل لكم } إذ لو تقدم لزم نسخه بالآية فلزم حل المشركات ، وهو منتف أو تكرار النسخ وهو خلاف الأصل بيان الملازمة أنه يكون السابق حرمة المشركات ، ثم ينسخ بالعام ، وهو { أحل لكم ما وراء ذلكم } ثم يجب تقدير ناسخ آخر لأن الثابت الآن الحرمة فتح وبه اندفع ما في العناية من أن شرط التخصيص المقارنة عندنا وليست بمعلومة .

[ تنبيه ]

ما ذكره من الدليل لا يكفي لإثبات عموم القاعدة من حرمة الجمع بين جميع المحارم ، فإن الجمع بينهن حرام ; لإفضائه إلى قطع الرحم لوقوع التشاجر عادة بين الضرتين ، والدليل على اعتباره ما ثبت في الحديث برواية الطبراني ، وهو قوله : صلى الله عليه وسلم { فإنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم } وتمامه في الفتح .

[ تتمة ]

عن هذا أجاب الرملي الشافعي عن الجمع بين الأختين في الجنة بأنه لا مانع منه ; لأن الحكم يدور مع العلة وجودا وعدما ، وعلة التباغض وقطيعة الرحم منتفية في الجنة إلا الأم والبنت . ا هـ .

أي لعلة الجزئية فيهما وهي موجودة في الجنة أيضا بخلاف نحو الأختين ( قوله : أو أمة ثم سيدتها ) الأولى عدم ذكر هذه الصورة لما علمت من أن إخراجها من القاعدة بقيد الأبدية مبني على أن المراد من عدم الحل ، عدم حل إيراد العقد ، وهو ثابت من الطرفين كما قررناه فينافي قوله الآتي لم يحرم ولو أريد بعدم الحل عدم حل الوطء صح قوله : لم يحرم ، لكنه يستغنى عن قيد الأبدية ولعله أشار إلى أن جواز الجمع بينهما ثابت على كل من التقديرين فافهم .

قال ح : وأشار بثم إلى أنه لو تزوجهما في عقد لم يصح نكاح واحدة ولو تزوجها في عقدين والسيدة مقدمة لم يصح نكاح الأمة كما قدمناه أول الفصل . ( قوله : لم يحرم ) أي التزوج في الصور الثلاث ; لأن الذكر المفروض في الأولى يصير متزوجا بنت الزوج وهي بنت رجل أجنبي وفي الثانية يصير متزوجا امرأة أجنبية وفي الثالثة يصير واطئا لأمته . ( وقوله : بخلاف عكسه ) هو ما إذا فرضت بنت الزوج أو أم الزوج أو الأمة ذكرا حيث تحرم الأخرى لأنه في الأولى يصير ابن الزوج [ ص: 40 ] فلا تحل له موطوءة أبيه ، وفي الثانية يصير أبا الزوج ، فلا تحل له امرأة ابنه وفي الثالثة يصير عبدا فلا تحل له سيدته .




الخدمات العلمية