الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وبطل نكاح متعة ، ومؤقت ) ، وإن جهلت المدة أو طالت في الأصح وليس منه ما لو نكحها على أن يطلقها بعد شهر أو نوى مكثه معها مدة [ ص: 52 ] معينة ولا بأس بتزوج النهاريات عيني ( و ) يحل ( له وطء امرأة ادعت عليه ) عند قاض ( أنه تزوجها ) بنكاح صحيح ( وهي ) أي والحال أنها ( محل للإنشاء ) أي لإنشاء النكاح خالية عن الموانع ( وقضى القاضي بنكاحها ببينة ) أقامتها ( ولم يكن في نفس الأمر تزوجها ، وكذا ) تحل له ( لو ادعى هو نكاحها ) خلافا لهما ، وفي الشرنبلالي عن المواهب وبقولهما يفتى ( ولو قضى بطلاقها بشهادة الزور مع علمها ) بذلك نفذ ، و ( حل لها التزوج بآخر بعد [ ص: 53 ] العدة وحل للشاهد ) زورا ( تزوجها وحرمت على الأول ) وعند الثاني لا تحل لهما ، وعند محمد تحل للأول ما لم يدخل الثاني وهي من فروع القضاء بشهادة الزور كما سيجيء ( والنكاح لا يصح تعليقه بالشرط ) كتزوجتك إن رضي أبى لم ينعقد النكاح لتعليقه بالخطر كما في العمادية وغيرها ، فما في الدرر فيه نظر ( ولا إضافته إلى المستقبل ) كتزوجتك غدا أو بعد غد لم يصح ( ولكن لا يبطل ) النكاح ( بالشرط الفاسد و ) إنما ( يبطل الشرط دونه ) يعني لو عقد مع شرط فاسد لم يبطل النكاح بل الشرط بخلاف ما لو علقه بالشرط ( إلا أن يعلقه بشرط ) ماض ( كائن ) لا محالة ( فيكون تحقيقا ) فينعقد في الحال كأن خطب بنتا لابنه فقال أبوها زوجتها قبلك من فلان فكذبه فقال إن لم أكن زوجتها لفلان فقد زوجتها لابنك فقبل ثم علم كذبه انعقد لتعليقه بموجود ، وكذا إذا وجد المعلق عليه في المجلس ، كذا ذكره خواهر زاده وعممه المصنف بحثا [ ص: 54 ] لكن في النهر قبيل كتاب الصرف في مسألة التعليق برضا الأب والحق الإطلاق فليتأمل المفتي .

التالي السابق


( قوله : وبطل نكاح متعة ، ومؤقت ) قال في الفتح : قال شيخ الإسلام في الفرق بينهما أن يذكر الوقت بلفظ النكاح والتزويج وفي المتعة أتمتع أو أستمتع . ا هـ .

يعني ما اشتمل على مادة متعة . والذي يظهر مع ذلك عدم اشتراط الشهود في المتعة وتعيين المدة ، وفي المؤقت الشهود وتعيينها ، ولا شك أنه لا دليل لهم على تعيين كون المتعة الذي أبيح ثم حرم هو ما اجتمع فيه مادة ( م ت ع ) للقطع من الآثار بأنه كان أذن لهم في المتعة ، وليس معناه أن من باشر هذا يلزمه أن يخاطبها بلفظ أتمتع ونحوه لما عرف أن اللفظ يطلق ويراد معناه ، فإذا قيل تمتعوا فمعناه أوجدوا معنى هذا اللفظ ، ، ومعناه المشهور أن يوجد عقدا على امرأة لا يراد به مقاصد عقد النكاح من القرار للولد وتربيته ، بل إلى مدة معينة ينتهي العقد بانتهائها أو غير معينة بمعنى بقاء العقد ما دام معها إلى أن ينصرف عنها فلا عقد ، فيدخل فيه ما بمادة المتعة والنكاح المؤقت أيضا فيكون من أفراد المتعة ، وإن عقد بلفظ التزوج وأحضر الشهود . ا هـ . ملخصا وتبعه في البحر والنهر ، ثم ذكر في الفتح أدلة تحريم المتعة وأنه كان في حجة الوداع وكان تحريم تأبيد لا خلاف فيه بين الأئمة وعلماء الأمصار إلا طائفة من الشيعة ونسبة الجواز إلى مالك كما وقع في الهداية غلط ، ثم رجح قول زفر بصحة المؤقت على معنى أنه ينعقد مؤبدا ويلغو التوقيت ; لأن غاية الأمر أن المؤقت متعة وهو منسوخ ، لكن المنسوخ معناها الذي كانت الشريعة عليه وهو ما ينتهي العقد فيه بانتهاء المدة ، فإلغاء شرط التوقيت أثر النسخ ، وأقرب نظير إليه نكاح الشغار وهو أن يجعل بضع كل من المرأتين مهرا للأخرى ، فإنه صح النهي عنه وقلنا يصح موجبا لمهر المثل لكل منهما فلم يلزمنا النهي ، بخلاف ما لو عقد بلفظ المتعة وأراد النكاح الصحيح المؤبد فإنه لا ينعقد ، وإن حضره الشهود ; لأنه لا يفيد ملك المتعة كلفظ الإحلال فإن من أحل لغيره طعاما لا يملكه فلم يصح مجازا عن معنى النكاح كما مر . ا هـ ملخصا .

( قوله : وإن جهلت المدة ) كأن يتزوجها إلى أن ينصرف عنها كما تقدم ح ( قوله : أو طالت في الأصح ) كأن يتزوجها إلى مائتي سنة وهو ظاهر المذهب وهو الصحيح كما في المعراج ; لأن التأقيت هو المعين لجهة المتعة بحر ( قوله : وليس منه إلخ ) ; لأن اشتراط القاطع يدل على انعقاده مؤبدا وبطل الشرط بحر . ( قوله : أو نوى إلخ ) [ ص: 52 ] ; لأن التوقيت إنما يكون باللفظ بحر ( قوله : ولا بأس بتزوج النهاريات ) وهو أن يتزوجها على أن يكون عندها نهارا دون الليل فتح . قال في البحر : وينبغي أن لا يكون هذا الوطء لازما عليها ولها أن تطلب المبيت عندها ليلا لما عرف في باب القسم . ا هـ .

أي إذا كان لها ضرة غيرها ، وشرط أن يكون في النهار عندها وفي الليل عند ضرتها ، أما لو لا ضرة لها فالظاهر أنه ليس لها الطلب ، خصوصا إذا كانت صنعته في الليل كالحارس بل سيأتي في القسم عن الشافعية أن نحو الحارس يقسم بين الزوجات نهارا واستحسنه في النهر ( قوله : ويحل له إلخ ) وكذا يحل لها تمكينه من الوطء ، نعم الإثم في الإقدام على الدعوى الباطلة كما في البحر ، وثبوت الحل مبني على قول الإمام بنفوذ القضاء بهذا النكاح باطنا ، وكذا ينفذ ظاهرا اتفاقا فتجب النفقة والقسم وغير ذلك ( قوله : عند قاض ) هل المحكم مثله ليحرر ط .

قلت : الظاهر نعم ; لأنهم إنما فرقوا بينهما في أنه لا يحكم بقصاص وحدودية على عاقلة ( قوله : بنكاح صحيح ) احترز به عن الفاسد ; لأنه لا يفيد حل الوطء ولو صدر حقيقة ط ( قوله : خالية عن الموانع ) تفسير لكونها محلا للإنشاء والموانع مثل كونها مشركة أو محرما له أو زوجة الغير أو معتدته ح ( قوله : وقضى القاضي بنكاحها ) ويشترط ; لنفاذ القضاء باطنا عند الإمام حضور شهود عند قوله قضيت ، وبه أخذ عامة المشايخ ، وقيل : لا لأن العقد ثبت مقتضى صحة قضائه في الباطن ، وما ثبت مقتضى صحة الغير لا يثبت بشرائطه كالبيع في قوله أعتق عبدك عني بألف ، وفي الفتح أنه الأوجه ويدل عليه إطلاق المتون بحر قلت : لكن ذكر في البحر في كتاب القاضي إلى القاضي أن المعتمد الأول ( قوله : ولم يكن إلخ ) الجملة حالية ( قوله : خلافا لهما ) راجع للمسألتين ، وهذا بناء على أنه ينفذ القضاء باطنا عندهما بشهادة الزور ، ولو في العقود والفسوخ ; لأن القاضي أخطأ الحجة إذ الشهود كذبة ، وله أن الشهود صدقة عنده ، وهو الحجة لتعذر الوقوف على حقيقة الصدق ، وأمكن تنفيذ القضاء باطنا بتقديم النكاح فينفذ قطعا للمنازعة . وطعن فيه بعض المغاربة بأنه يمكنه قطع المنازعة بالطلاق ، فأجابه الأكمل بأنك إن أردت الطلاق غير المشروع فلا يعتبر أو المشروع ثبت المطلوب ، إذ لا يتحقق إلا في نكاح صحيح وتعقبه تلميذه قارئ الهداية بأن له أن يريد غير المشروع ليكون طريقا لقطع المنازعة . وتعقبهما تلميذه ابن الهمام بأن الحق التفصيل وهو أنه يصلح لقطع المنازعة إن كانت هي المدعية أما لو كان هو المدعي فلا يمكنها التخلص منه إلا بالنفاذ باطنا مع أن الحكم أعم من دعواها أو دعواه . ( قوله : وبقولهما يفتى ) قال الكمال وقول الإمام أوجه واستدل له بدلالة الإجماع على أن من اشترى جارية ثم ادعى فسخ بيعها كذبا وبرهن فقضى للبائع وطؤها واستخدامها مع علمه بكذب دعوى المشتري مع أنه يمكنه التخلص بالعتق ، وإن كان فيه إتلاف ماله ، فإنه ابتلي ببليتين فعليه أن يختار أهونهما وذلك ما يسلم له فيه دينه . ا هـ .

وللعلامة قاسم رسالة في هذه المسألة أطال فيها الاستدلال لقول الإمام فراجعها . قلت : وحيث كان الأوجه قول الإمام من حيث الدليل على ما حققه في الفتح وفي تلك الرسالة فلا يعدل عنه لما تقرر أنه لا يعدل عن قول الإمام إلا لضرورة أو ضعف دليله كما أوضحناه في منظومة رسم المفتي وشرحها [ ص: 53 ] قوله : وحل للشاهد ) وكذا لغيره بالأولى لعدم علمه بحقيقة الحال ( قوله : لا تحل لهما ) أي للزوج المقضي عليه والزوج الثاني . أما الثاني فظاهر بناء على أن القضاء بالزور لا ينفذ باطنا عندهما ، وأما الأول فلأن الفرقة ، وإن لم تقع باطنا لكن قول أبي حنيفة أورث شبهة ; ولأنه لو فعل ذلك كان زانيا عند الناس فيجدونه كذا في رسالة العلامة قاسم ( قوله : ما لم يدخل الثاني ) فإذا دخل بها حرمت على الأول لوجوب العدة كالمنكوحة إذا وطئت بشبهة بحر ( قوله : وهي ) أي هذه المسائل الثلاث ( قوله : كما سيجيء ) أي في كتاب القضاء ( قوله : والنكاح لا يصح تعليقه بالشرط ) المراد أن النكاح المعلق بالشرط لا يصح لا ما يوهمه ظاهر العبارة من أن التعليق يلغو ويبقى العقد صحيحا كما في المسألة الآتية ، وهذا منشأ توهم الدرر الآتي ( قوله : لتعليقه بالخطر ) بفتح الخاء المعجمة والطاء المهملة ما يكون معدوما يتوقع وجوده . ا هـ .

ح ( قوله : فما في الدرر ) حيث قال : لا يصح تعليق النكاح بالشرط مثل أن يقول لبنته إن دخلت الدار زوجتك فلانا وقال فلان تزوجتها فإن التعليق لا يصح ، وإن صح النكاح ( قوله : فيه نظر ) لأنه صرح بعدم صحة النكاح المعلق في الفتح والخلاصة والبزازية عن الأصل والخانية والتتارخانية وفتاوى أبي الليث وجامع الفصولين والقنية ولعله اشتبه عليه النكاح المعلق على شرط بالنكاح المشروط معه شرط فاسد وبينهما فرق واضح شرنبلالية .

( قوله : كتزوجتك ) بفتح كاف الخطاب ( قوله : لم يصح ) كلام المتن غنى عنه ( قوله : ولكن لا يبطل إلخ ) لما كان يتوهم أنه لا فرق بين النكاح المعلق بالشرط الفاسد والمقرون بالشرط الفاسد كما وقع لصاحب الدور أتى بالاستدراك ، وإن كان الثاني مسألة مستقلة ، ولذا قال الشارح بعده بخلاف ما لو علقه بالشرط ، وفيه تنبيه على منشأ وهم الدرر فافهم ( قوله : يعني لو عقد ) أتى بالعناية لإيهام كلام المصنف أن هذا من تتمة المسألة الأولى مع أنه مسألة مستقلة ، وإنما أتى في أولها بالاستدراك للتنبيه المار . ( قوله : مع الشرط فاسد ) كما إذا قال تزوجتك على أن لا يكون لك مهر فيصح النكاح ويفسد الشرط ويجب مهر المثل ( قوله : إلا أن يعلقه ) استثناء من قوله لا يصح تعليقه بالشرط ( قوله : ماض ) أي مستمر إلى الحال ، وقيد به احترازا عن تعليقه بمستقبل كائن لا محالة كمجيء الغد ، وقوله : كائن ، وإن كان اسم فاعل وهو حقيقة في المتلبس بالفعل في الحال لكنه يستعمل بالمعنى الثاني فافهم . ( قوله : وكذا إلخ ) عطف على قوله إلا أن يعلقه ، ومثاله ما في المنح عن الفصول العمادية : لو قال تزوجتك بألف درهم إن رضي فلان اليوم ، فإن كان فلان حاضرا فقال رضيت جاز النكاح استحسانا ، وإن كان غير حاضر لم يجز . ا هـ .

( قوله : وعممه المصنف بحثا ) حيث قال بعد نقل كلام العمادية : وينبغي أن يجري هذا التفصيل في مسألة التعليق برضا الأب إذ لا فرق بينهما فيما ظهر . ا هـ .

أي لا فرق بين إن رضي أبي أو إن رضي فلان في التفصيل فيهما . قلت : بل إذا جاز التعليق برضا فلان الأجنبي الحاضر يجوز تعليقه برضا الأب بالأولى ; لأن الأب له ولاية [ ص: 54 ]

في الجملة ، وله حق الاعتراض لو الزوج غير كفء ، وله كمال الشفقة فيختار لها المناسب فكيف يقال بالجواز في الأجنبي دون الأب على أنه قد نص على هذا التفصيل في مسألة الأب أيضا في الظهيرية حيث قال : لو كان الأب حاضرا في المجلس فقبل جاز فما بحثه المصنف موافق للمنقول ( قوله : لكن في النهر ) استدراك على ما بحثه المصنف . وعبارة النهر بعد أن ذكر كلام الظهيرية ، وهو مشكل والحق في ما في الخانية . ا هـ .

والذي في الخانية هو قوله : تزوجتك إن أجاز أبي أو رضي فقالت قبلت لا يصح ; لأنه تعليق والنكاح لا يحتمل التعليق . ا هـ .

قلت : الظاهر حمل ما في الخانية على ما إذا كان الأب غير حاضر في المجلس ، أو على أن ذلك هو القياس ; لأنه في الخانية ذكر بعد ذلك مسألة التعليق برضا فلان فقال إن كان فلان حاضرا في المجلس ورضي جاز استحسانا ، وإلا فلا ، وإن رضي . ا هـ . وبما قلنا يحصل التوفيق بين كلاميه ما لم يثبت الفرق بين الأب وغيره ، وقد علمت من عبارة الظهيرية عدمه وأن الجواز في الأب ثابت بالأولى ولم نر أحدا صرح بتصحيح خلاف هذا حتى يتبع فافهم .




الخدمات العلمية