الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وصوم التطوع والمنذور والكفارات والقضاء غير مانع لصحتها ) في الأصح ، إذ لا كفارة بالإفساد ومفاده أنه لو أكل ناسيا فأمسك فخلا بها [ ص: 117 ] أن تصح وكذا كل ما أسقط الكفارة نهر ( بل المانع صوم رمضان ) أداء وصلاة الفرض فقط ( كالوطء ) فيما يجيء ( ولو ) كان الزوج ( مجبوبا أو عنينا أو خصيا ) أو خنثى إن ظهر حاله وإلا فنكاحه موقوف ، وما في البحر والأشباه ليس على ظاهره كما بسطه في النهر . [ ص: 118 ] وفيه عن شرح الوهبانية أن العنة قد تكون لمرض أو ضعف خلقة أو كبر سن ( في ثبوت النسب ) ولو من المجبوب ( و ) في ( تأكد المهر ) المسمى ( و ) مهر المثل بلا تسمية و ( النفقة والسكنى والعدة وحرمة نكاح أختها وأربع سواها ) في عدتها

التالي السابق


( قوله في الأصح ) أي أصح الروايتين ، لكن صرح شراح الهداية بأن رواية المنع في التطوع شاذة ويشير إليه قول الخانية : وفي صوم القضاء والكفارات والمنذورات روايتان . والأصح أنه لا يمنع الخلو وصوم التطوع لا يمنعها في ظاهر الرواية ، وقيل يمنع . ا هـ . [ ص: 117 ] وقول الكنز وصوم الفرض يدخل فيه القضاء والكفارات والمنذورات فيكون اختيارا منه لرواية المنع في غير التطوع لأن الإفطار فيه بغير عذر جائز في رواية ، ويؤيد ما في الكنز تعبير الخانية بالأصح فإنه يفيد أن مقابله صحيح ، وكذا قول الهداية وصوم القضاء والمنذر كالتطوع في رواية فإنه يفيد أن رواية كونهما كصوم رمضان أقوى ، وبهذا يتأيد ما بحثه في البحر بقوله ينبغي أن يكون صوم الفرض ولو منذورا مانعا اتفاقا لأنه يحرم إفساده وإن كان لا كفارة فيه فهو مانع شرعي . ا هـ . ( قوله أن تصح ) أي الخلوة ، لسقوط الكفارة بشبهة خلاف الإمام مالك رحمه الله فإنه يرى الفطر بأكله ناسيا ولا كفارة ط ( قوله وكذا كل ما أسقط الكفارة ) كشرب وجماع ناسيا ونية نهارا ونية نفلا ط ( قوله وصلاة الفرض فقط ) قال في البحر : لا شك أن إفساد الصلاة لغير عذر حرام فرضا كانت أو نفلا ، فينبغي أن تمنع مطلقا ، مع أنهم قالوا إن الصلاة الواجبة لا تمنع كالنفل مع أنه يأثم بتركها .

وأغرب منه ما في المحيط أن صلاة التطوع لا تمنع إلا الأربع قبل الظهر لأنها سنة مؤكدة ، فلا يجوز تركها بمثل هذا العذر ا هـ فإنه يقتضي عدم الفرق بين السنن المؤكدة وأن الواجبة تمنع الأولى . ا هـ .

قلت : والحاصل أنهم لم يفرقوا في إحرام الحج بين فرضه ونفله لاشتراكهما في لزوم القضاء والدم . وفرقوا بينهما في الصوم والصلاة . أما الصوم فظاهر للزوم القضاء والكفارة في فرضه ، بخلاف نفله وما ألحق به لأن الضرر فيه بالفطر يسير لأنه لا يلزم إلا القضاء لا غير كما في الجوهرة . وأما في الصلاة فالفرق بينهما مشكل ، إذ ليس في فرضها ضرر زائد على الإثم ولزوم القضاء ، وهذا موجود في نفلها وواجبها ، نعم الإثم في الفرض أعظم وفي كونه مناطا لمنع صحة الخلو خفاء وإلا لزم أن لا يكون قضاء رمضان والكفارات كالنفل ، ولعل هذا وجه اختيار الكنز إطلاق فرض الصوم كما قدمناه فكذا الصلاة ينبغي أن يكون فرضها ونفلها كفرض الصوم ، بخلاف نفله لأنه أوسع بدليل أنه يجوز إفطاره بلا عذر في رواية ، ونفل الصلاة لا يجوز قطعه بلا عذر في جميع الروايات فكان كفرضها ، ولعل المجتهد قام عنده فرق بينهما لم يظهر لنا ، والله تعالى أعلم ( قوله فيما يجيء ) أي من الأحكام ط ( قوله ولو مجبوبا ) أي مقطوع الذكر والخصيتين ، من الجب : وهو القطع . قال في الغاية : والظاهر أن قطع الخصيتين ليس بشرط في المجبوب ، ولذا اقتصر الإسبيجابي على قطع الذكر ح عن النهر .

( قوله أو خصيا ) بفتح الخاء المعجمة فعيل بمعنى مفعول ، وهو من سلت خصيتاه وبقي ذكره ح ( قوله إن ظهر حاله ) أي إن ظهر قبل الخلوة أن هذا الزوج والخنثى رجل وظهر أن نكاحه صحيح فإن وطأه حينئذ جائز فتكون الخلوة كالوطء ، وإن لم يظهر فالنكاح موقوف لا يبيح الوطء فلا تكون خلوته كالوطء فافهم ( قوله وما في البحر ) حيث أطلق صحة خلوته ولم يقيد بظهور حاله ، وما في الأشباه ستعرفه ( قوله في النهر ) عبارته : ويجب أن يراد به من ظهر حاله أما المشكل فنكاحه موقوف إلى أن يتبين حاله ، ولهذا لا يزوجه وليه من تختنه لأن النكاح الموقوف لا يفيد إباحة النظر كذا في النهاية ا هـ أي فلا يبيح الوطء بالأولى فلا تصح خلوته كالخلوة بالحائض بل أولى لأنه قبل التبيين بمنزلة الأجنبي ثم قال في النهر : وأفاد في المبسوط أن يتبين بالبلوغ ، فإن ظهرت فيه علامة [ ص: 118 ] الرجل وقد زوجه أبوه امرأة حكم بصحة نكاحه من حين عقد الأب ، فإن لم يصل إليها أجل كالعنين ، وإن زوج رجلا تبين بطلانه ، وهذا صريح في عدم صحة خلوته قبل ذلك وبهذا التقدير علمت أن ما نقله في الأشباه عن الأصل : لو زوجه أبوه رجلا فوصل إليه جاز وإلا فلا علم لي بذلك ; أو امرأة فبلغ فوصل إليها جاز وإلا أجل كالعنين ليس على ظاهره ، والله الموفق . ا هـ .

أي أن ظاهر ما في الأشباه أنه بمجرد وصول الرجل إليه أي وطئه له أو بوصوله إلى المرأة يصح النكاح ولو قبل البلوغ وظهور علامة فيه ، وأن الوطء يحل قبل التبيين ، وأن الخلوة به صحيحة ، وأنه بعد البلوغ قد تبين حاله وقد لا يتبين مع أنه في المبسوط جزم بتبين حاله بالبلوغ ، وأنه قبل التبين يكون نكاحه موقوفا فهو صريح في عدم صحة الخلوة قبل التبين لعدم حل الوطء وفيه نظر ، فإن قوله جاز معناه جاز العقد بين بذلك ، فقد صرحوا بأن ذلك رافع لإشكاله ولا يلزم منه حل الوطء ، وقوله وإلا فلا علم لي بذلك : أي إن لم تظهر فيه هذه العلامة لا أحكم بصحة العقد ولا بعدمها بل يتوقف ذلك على ظهور علامة أخرى وقول المبسوط إن يتبين بالبلوغ مبني على الغالب ; وإلا فقد صرحوا بأنه قد يبقى حاله مشكلا بعده . كما إذا حاض من فرج النساء وأمنى من فرج الرجال ; وقد يتبين حاله قبل البلوغ كأن يبول من أحد الفرجين دون الآخر فتصح خلوته .

والحاصل أن تقييد صحة الخلوة بتبين حاله ظاهر لعدم حل الوطء قبله ( قوله لمرض إلخ ) وكذا السحر ، ويسمى المعقود كما سيأتي في بابه عن الوهبانية ( قوله في ثبوت النسب إلخ ) الذي حققه في البحر بحثا ثم رآه منقولا عن الخصاف أن الخلوة لم تقم مقام الوطء إلا في حق تكميل المهر ووجوب العدة . قال : ما سواه فهو من أحكام العقد كالنسب ، أي فإنه يثبت وإن لم توجد خلوة أصلا ، كما في تزوج مشرقي مغربية أو من أحكام العدة كالبقية . والعجب من صاحب النهر حيث تابع أخاه في هذا التحقيق ثم خالفه النظم الآتي .

وما ذكره في البحر سبقه إليه ابن الشحنة في عقد الفوائد . لكنه أفاد أن المطلقة قبل الدخول لو ولدت لأقل من ستة أشهر من حين الطلاق ثبت نسبه للتيقن بأن العلوق قبل الطلاق وأن الطلاق بعد الدخول ، ولو ولدته لأكثر لا يثبت لعدم العدة ، ولو اختلى بها فطلقها يثبت وإن جاءت به لأكثر من ستة أشهر . قال : ففي هذه الصورة تكون الخصوصية للخلوة ( قوله ولو من المجبوب ) لإمكان إنزاله بالسحاق وسيأتي في باب العنين أنه يثبت نسبه إذا خلا بها ثم فرق بينهما ولو جاءت به لسنتين ( قوله وفي تأكد المهر ) أي في خلوة النكاح الصحيح ، أما الفاسد فيجب فيه مهر المثل بالوطء لا بالخلوة كما سيذكره المصنف في هذا الباب لحرمة الوطء فيه ، فكان كالخلوة بالحائض ( قوله والعدة ) وجوبها من أحكام الخلوة سواء كانت صحيحة أم لا ط : أي إذا كانت فيه نكاح صحيح ، أما الفاسد فتجب فيه العدة بالوطء كما سيأتي ( قوله في عدتها ) متعلق بنكاح والأولى تأخيره بعد قوله وحرمة نكاح الأمة ط




الخدمات العلمية