الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وحرمة نكاح الأمة ومراعاة وقت الطلاق في حقها ) [ ص: 119 ] وكذا في وقوع طلاق بائن آخر على المختار ( لا ) تكون كالوطء ( في حق ) بقية الأحكام كالغسل و ( الإحصان وحرمة البنات وحلها للأول والرجعة [ ص: 120 ] والميراث ) وتزويجها كالأبكار على المختار وغير ذلك كما نظمه صاحب النهر فقال : وخلوة الزوج مثل الوطء في صور وغيره وبهذا العقد تحصيل     تكميل مهر وإعداد كذا نسب
إنفاق سكنى ومنع الأخت مقبول     وأربع وكذا قالوا الإما ولقد
راعوا زمان فراق فيه ترحيل     وأوقعوا فيه تطليقا إذا لحقا
وقيل لا والصواب الأول القيل     أما المعاير فالإحصان يا أملي
ورجعة وكذا التوريث معقول     سقوط وطء وإحلال لها وكذا
تحريم بنت نكاح البكر مبذول     كذلك الفيء والتكفير ما فسدت
عبادة وكذا بالغسل تكميل

التالي السابق


( قوله وحرمة نكاح الأمة ) أي لو طلق الحرة بعد الخلوة بها لا يصح تزوجه أمة ما دامت الحرة في العدة ولو الطلاق بائنا ( قوله ومراعاة وقت الطلاق في حقها ) بيانه أن الموطوءة طلاقها في الحيض بدعي فلا يحل بل يطلقها واحدة في طهر لا وطء فيه وهو أحسن أو ثلاثة متفرقة في ثلاثة أطهار لا وطء فيها وهو حسن ، بخلاف غير الموطوءة فإن طلاقها واحدة ولو في الحيض حسن ، وإذا كانت المختلى بها [ ص: 119 ] كالموطوءة توقف طلاقها بالطهر فلا يحل في مدة الحيض فافهم ( قوله وكذا في وقوع طلاق بائن آخر إلخ ) في البزازية : والمختار أنه يقع عليها طلاق آخر في عدة الخلوة ، وقيل لا ا هـ وفي الذخيرة : وأما وقوع طلاق آخر في هذه العدة فقد قيل لا يقع وقيل يقع ، وهو أقرب إلى الصواب لأن الأحكام لما اختلفت يجب القول بالوقوع احتياطا ، ثم هذا الطلاق يكون رجعيا أو بائنا ذكر شيخ الإسلام أنه يكون بائنا ا هـ ومثله في الوهبانية وشرحها .

والحاصل أنه إذا خلا بها خلوة صحيحة ثم طلقها طلقة واحدة فلا شبهة في وقوعها ، فإذا طلقها في العدة طلقة أخرى فمقتضى كونها مطلقة قبل الدخول أن لا تقع عليها الثانية ، لكن لما اختلفت الأحكام في الخلوة في أنها تارة تكون كالوطء وتارة لا تكون جعلناها كالوطء في هذا فقلنا بوقوع الثانية احتياطا لوجودها في العدة ، والمطلقة قبل الدخول لا يلحقها طلاق آخر إذا لم تكن معتدة بخلاف هذه .

والظاهر أن وجه كون الطلاق الثاني بائنا هو الاحتياط أيضا ، ولم يتعرضوا للطلاق الأول . وأفاد الرحمتي أنه بائن أيضا لأن طلاق قبل الدخول غير موجب للعدة لأن العدة إنما وجبت لجعلنا الخلوة كالوطء احتياطا ، فإن الظاهر وجود الوطء في الخلوة الصحيحة ولأن الرجعة حق الزوج وإقراره بأنه طلق قبل الوطء ينفذ عليه فيقع بائنا ، وإذا كان الأول لا تعقبه الرجعة يلزم كون الثاني مثله . ا هـ . ويشير إلى هذا قول الشارح طلاق بائن آخر فإنه يفيد أن الأول بائن أيضا ، ويدل عليه ما يأتي قريبا من أنه لا رجعة بعده ، وسيأتي التصريح به في باب الرجعة ، وقد علمت مما قررناه أن المذكور في الذخيرة هو الطلاق الثاني دون الأول فافهم . ثم ظاهر إطلاقهم وقوع البائن أولا وثانيا وإن كان بصريح الطلاق ، وطلاق الموطوءة ليس كذلك فيخالف الخلوة الوطء في ذلك .

وأجاب ح : بأن المراد التشبيه من بعض الوجوه وهو أن في كل منهما وقوع طلاق بعد آخر . ا هـ . وأما الجواب بأن البائن قد يلحق البائن في الموطوء فلا يدفع المخالفة المذكورة فافهم ( قوله كالغسل ) أي لا يجب الغسل على واحد منهما بمجرد الخلوة بخلاف الوطء ( قوله والإحصان ) فلو زنى بعد الخلوة الصحيحة لا يلزمه الرجم لفقد شرط الإحصان وهو الوطء . قال في عقد الفرائد : وهذا إن لم يفهم أنه خاص بالرجل فهو ساكت عن ثبوت الإحصان لها بذلك . والذي يظهر لي أنه لا فرق بينه وبينها فيه ولم أقف على نقل فيه صريح ، والله أعلم .

قلت : وفي البحر ولم يقيموها مقام الوطء في حق الإحصان إن تصادقا على عدم الدخول ، وإن أقرا به لزمهما حكمه ، وإن أقر به أحدهما صدق في حق نفسه دون صاحبه كما في المبسوط . ا هـ . ( قوله وحرمة البنات ) أي لم يقيموا الخلو مقام الوطء في ذلك ، فلو خلا بزوجته بدون وطء ولا مس بشهوة لم تحرم عليه بناتها ، بخلاف الوطء والكلام في الخلوة الصحيحة كما صرح به في التبيين والفتح وغيرهما ، فما حرره في عقد الفرائد مما حاصله أن حرمة البنات بالخلوة الصحيحة لا خلاف بين الصاحبين ، والخلاف في الفاسدة . قال الثاني تحرم وقال محمد لا تحرم فهو ضعيف ، ومما ادعاه من عدم الخلاف ممنوع كما بسطه في النهر ( قوله وحلها للأول ) أي لا تحل مطلقة الثلاث للزوج الأول بمجرد خلوة الثاني بل لا بد من وطئه لحديث العسيلة ( قوله والرجعة ) أي لا يصير مراجعا بالخلوة ولا رجعة له [ ص: 120 ] بعد الطلاق الصريح بعد الخلوة بحر : أي لوقوع الطلاق بائنا كما قدمناه ( قوله والميراث ) أي لو طلقها ومات وهي في عدة الخلوة لا ترث بزازية ، ومثله في البحر عن المجتبى .

وحكى ابن الشحنة في عقد الفرائد قولا آخر أنها ترث وإن تصادقا على عدم الدخول بعد الخلوة . قال الرحمتي : وعلى هذا أي ما في الشرح لو طلقها في مرضه بعد الخلوة الصحيحة قبل الوطء ومات في عدتها لا ترث ، وبه جزم الطواقي فيما كتبه على هذا الشرح ، وأقره عليه تلميذه حامد أفندي العمادي مفتي دمشق ا هـ . ( قوله وتزويجها كالأبكار ) كان عليه أن يقول كالثيبات ليوافق ما قبله من المعطوفات فإنها من خواص الوطء دون الخلوة ، فالمعنى أنها ليست كالوطء في تزويجها كالثيبات بل تزوج كالأبكار أفاده ط ( قوله على المختار ) وما في المجتبى من أنها تزوج كما تزوج الثيب ضعيف كما في البحر ( قوله وغير ذلك ) أي غير السبعة المذكورة من زيادة أربعة أخرى في النظم المذكور ، وهي : سقوط الوطء ، والفيء ، والتكفير ، وعدم فساد العبادة .

وبقي مسألتان أيضا لم يذكرهما لعدم تسليمهما ، وهما أن الخلوة لا تكون إجازة النكاح الموقوف عند بعضهم وأن المرأة لا تمنع نفسها للمهر بعدها عندهما . أما عند أبي حنيفة فلها المنع بعد حقيقة الوطء كما أفاده في البحر ، وزاد في الوهبانية أيضا بقاء عنة العنين ، ويمكن دخولها في النظم كما يأتي ( قوله وغيره ) بالرفع عطفا على مثل والضمير للوطء أي ومغايرة للوطء في إحدى عشرة مسألة ( قوله وبهذا العقد تحصيل ) جملة من مبتدأ وخبر ، والعقد بكسر العين شبه الشعر المنظوم بعقد الدر المنظوم ( قوله تكميل مهر إلخ ) بيان لصور المماثلة ( قوله وإعداد ) بالكسر ، والمراد العدة ( قوله وأربع ) بالجر عطفا على الأخت ( قوله الإما ) جمع أمة ، وقصره للضرورة ; ولو أسقط لام ولقد استغنى عن قصره ( قوله فراق فيه ترحيل ) المراد به الطلاق . ا هـ . ح .

وأما الترحيل ، فهو من ترحل القوم عن المكان : انتقلوا : أي طلاق فيه نقل الزوجة من بيته أو من عصمته فافهم ( قوله وأوقعوا فيه ) أي في الإعداد بمعنى العدة . ا هـ . ح فالضمير عائد على مذكور وهو الإعداد المذكور في البيت الثاني فافهم ( قوله إذا لحقا ) الضمير للتطليق والألف للإطلاق . ا هـ . ح والمراد بلحاقه وقوعه في العدة بعد طلاق سابق عليه ( قوله القيل ) بدل من الأول ح ( قوله ورجعة ) أي في صورتين كما قدمناه في قوله والرجعة ( قوله سقوط وطء ) أي ما يلزمه فيه بالوطء لا يسقط بالخلوة ، فحق الزوجة في القضاء الوطء مرة واحدة ، ولا يسقط عنه بالخلوة وكذا العنين إذا اختلى بها لا يسقط عنه الوطء بها ، فللزوجة طلب التفريق ، وعلى هذا الحل يستغنى عن ذكر بقاء العنة المذكور في الوهبانية ، لكن يستغنى به أيضا عن ذكر الفيء فكان الأولى ذكرهما معا أو إسقاطهما معا تأمل [ ص: 121 ] قوله كذلك الفيء ) يعني إن آلى منها ثم وطئها في المدة كان فيئا ، وإن خلا بها لا ا هـ ح ( قوله التكفير ) يعني إن وطئ في نهار رمضان فعليه الكفارة ، وإن خلا بها لا ا هـ ح وفي النهر : وعد التكفير هنا مما لا ينبغي ، إذ الكلام في الخلوة الصحيحة وصوم الأداء يفسدها كما مر ط ( قوله ما فسدت عبادة ) ما نافية ، يعني إن وطئها في عبادة يفسدها الوطء فسدت وإن خلا بها لا . ا هـ . ح .

ويرد عليه ما ورد على سابقه ، فإن ما يفسد بالوطء كالإحرام والصوم والصلاة والاعتكاف والمنذور يفسد الخلوة والكلام في الصحيحة ، إلا أن يمثل بما لا يفسد الخلوة على أحد القولين كصوم غير الأداء وصلاة النافلة تأمل .

والحاصل أنه ينبغي إسقاط التكفير وفساد العبادة وزيادة فقد العنة ، فتصير الأحكام التي خالفت الخلوة فيها الوطء عشرة ، وقد نظمتها في بيتين مقتصرا عليها للعلم بأن ما سواها لا يخالف فيها الخلوة الوطء فقلت وخلوته كالوطء في غير عشرة مطالبة بالوطء إحصان تحليل وفيء وإرث رجعة فقد عنة
وتحريم بنت عقد بكر وتغسيل




الخدمات العلمية