الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وفي الطلاق قبل الوطء حكم متعة المثل ) لو المسمى دينا [ ص: 150 ] وإن عينا كمسألة العبد والجارية فلها المتعة بلا تحكيم إلا أن يرضى الزوج بنصف الجارية ( وأي أقام بينة قبلت فإن أقاما فبينتها ) أولى ( وإن شهدت له ) المتعة ( وبينته إن شهدت لها ، وإن كانت ) المتعة ( بينهما تحالفا ، وإن حلف وجب متعة المثل ; وموت أحدهما كحياته في الحكم ) أصلا وقدرا لعدم سقوطه بموت أحدهما ( وبعد موتهما ففي القدر القول لورثته ، و ) في الاختلاف ( في أصله ) القول لمنكر التسمية ( لم يقض بشيء ) ما لم يبرهن على التسمية ( وقالا يقضى بمهر المثل ) كحال حياة ( وبه يفتى وهذا ) كله ( إذا لم تسلم نفسها ، فإن سلمت ووقع الاختلاف في الحالين ) الحياة وبعدها ( لا يحكم بمهر المثل ) لأنها لا تسلمه نفسها إلا بعد تعجيل شيء عادة ( بل يقال لها لا بد أن تقري بما تعجلت وإلا قضينا عليك بالمتعارف ) تعجيله ( ثم يعمل في الباقي بما ذكرنا ) [ ص: 151 ] وهذا إذا ادعى الزوج إيصال شيء إليها بحر .

التالي السابق


( قوله وفي الطلاق ) مقابل قوله حال قيام النكاح ( قوله قبل الوطء ) أي أو الخلوة نهر ( قوله حكم متعة المثل ) فيكون القول لها إن كانت متعة المثل كنصف ما قالت أو أكثر ، وله إن كانت المتعة كنصف ما قال أو أقل ، وإن كانت بينهما تحالفا ولزمت المتعة .

وعند أبي يوسف القول له قبل الدخول وبعده لأنه ينكر الزيادة إلا أن يذكر مالا يتعارف مهرا أو متعة لها ، كذا في الملتقى وشرحه .

وذكر في البحر أن رواية الأصل والجامع الصغير أن القول للزوج في نصف المهر من غير تحكيم للمتعة ، وأنه صححه في البدائع وشرح الطحاوي ، ورجحه في الفتح بأن المتعة موجبة فيما إذا لم تكن تسمية ، وهنا اتفقا على التسمية فقلنا ببقاء ما اتفقا عليه وهو نصف ما أقر به الزوج ، ويحلف على نصف دعواها الزائدة ا هـ . والحاصل ترجيح قول أبي يوسف ، لكن نقضه في الفتح بعد ذلك ، وتمامه فيما علقنا على البحر ( قوله لو المسمى دينا ) هو ما يثبت في الذمة غير معين ، بل الوصف كالنقود والمكيل والموزون والمذروع كما يعلم مما قدمناه عن البحر [ ص: 150 ] قوله وإن عينا ) أي معينا ( قوله كمسألة العبد والجارية ) أي المذكورة في البحر في الاختلاف في القدر قبل الطلاق بقوله وإن كان المسمى عينا بأن قال تزوجتك على هذا العبد وقالت المرأة على هذه الجارية إلخ فالمسألة مفروضة في المعين المشار إليه لا في مطلق عبد وجارية فافهم .

( قوله فلها المتعة إلخ ) قال في البحر فلها المتعة من غير تحكيم إلا أن يرضى الزوج أن تأخذ نصف الجارية ، بخلاف ما إذا اختلفا في الألف والألفين لأن نصف الألف ثابت بيقين لاتفاقهما على تسمية الألف ، والملك في نصف الجارية ليس بثابت بيقين لأنهما لم يتفقا على تسمية أحدهما فلا يمكن القضاء بنصف الجارية إلا باختيارهما فإذا لم يوجد سقط البدلان فوجب الرجوع إلى المتعة ، كذا في البدائع ( قوله تحالفا ) وتهاترت البينتان ( قوله وإن حلفا ) الأولى التفريع بالفاء ( قوله أصلا وقدرا ) فإن كان الاختلاف بين الحي وورثة الميت في الأصل ، بأن ادعى الحي أن المهر مسمى وورثة الآخر أنه غير مسمى أو بالعكس وجب مهر المثل ، وإن كان في المقدار حكم مهر المثل ط عن أبي السعود ( قوله لعدم سقوطه ) أي مهر المثل . قال في الدرر لأن مهر المثل لا يسقط اعتباره بموت أحدهما ; ألا ترى أن للمفوضة مهر المثل إذا مات أحدهما ( قوله القول لورثته ) فيلزمه ما اعترفوا به بحر ، ولا يحكم بمهر المثل لأن اعتباره يسقط عند أبي حنيفة بعد موتهما درر ( قوله القول لمنكر التسمية ) هم ورثة الزوج أيضا كما في البحر ، فالقول لهم في المسألتين ، ولذا قال في الكنز ولو ماتا ولو في القدر فالقول لورثته فلو وصلية كما أفاده في النهر والعيني ، فتفيد أن الاختلاف في التسمية كذلك ( قوله لم يقض بشيء ) الأولى ولم يقض بالعطف أي لأن موتهما يدل على انقراض أقرانهما فلا يمكن للقاضي أن يقدر مهر المثل كما في الهداية لأن مهر المثل يختلف باختلاف الأوقات ، فإذا تقادم العهد يتعذر الوقوف على مقداره فتح ، وهذا يدل على أنه لو كان العهد قريبا قضي به بحر .

قلت : وبه صرح قاضي خان في شرح الجامع ( قوله ما لم يبرهن ) بالبناء للمجهول : أي ما لم يبرهن ورثة الزوجة ( قوله وبه يفتى ) ذكره في الخانية ، تبعه في متن الملتقى ، وبه قالت الأئمة الثلاثة ، لكن الشافعي يقول بعد التحالف . وعندنا وعند مالك لا يجب التحالف فتح ، وانظر إذا تقادم العهد كيف يقضى بمهر المثل . وقد يقال : يجري فيه ما تقدم من أنه إذا لم يوجد من يماثلها من قوم أبيها ولا من الأجانب فالقول للزوج ، لكن مر أن القول به بيمينه تأمل . ثم رأيت في البزازية معترضا على قول الكرخي إن جواب الإمام يتضح في تقادم العهد بقوله ، وفيه نظر لأنه إذا تعذر اعتبار مهر المثل لا يكون الظاهر شاهدا لأحد فيكون القول لورثة الزوج لكونهم مدعى عليهم كما في سائر الدعاوى ( قوله وهذا كله إلخ ) نقله في البحر عن المحيط ، وقال : وأقره عليه الشارحون ا هـ وكذا ذكره قاضي خان في شرح الجامع وأقره .

[ ص: 151 ] قلت : وحاصل ذلك أن المرأة إذا مات زوجها وقد دخل بها فجاءت تطلب مهرها هي أو ورثتها بعد موتها وقد جرت العادة أنها لا تسلم نفسها إلا بعد قبض شيء من المهر كمائة درهم مثلا لا يحكم لها بجميع مهر المثل عند عدم التسمية بل ينظر ، فإن أقرت بما تعجلت من المتعارف وإلا قضي عليها به ثم يعمل في الباقي كما ذكرنا : أي إن حصل اتفاق على قدر المسمى يدفع لها الباقي منه ، وإلا فإن أنكر ورثة الزوج أصل التسمية فلها بقية مهر المثل وإن أنكروا القدر فالقول لمن شهد له مهر المثل ، وبعد موتها القول في قدره لورثة الزوج ، هذا هو المفهوم من هذه العبارة ، فسرنا المتعارف تعجيله بمائة مثلا ليأتي قوله قضينا عليك بالمتعارف ، وقوله ثم يعمل في الباقي كما ذكرنا لأنه لو كان المتعارف حصة شائعة كثلثي المهر كما هو المتعارف في زماننا لا يمكن أن يقضى عليها به إلا إذا كان المهر مسمى معلوم القدر ، وإذا كان كذلك لا يتأتى فيه التفصيل المار ، ولكن يعلم منه أن الحكم كذلك فيقضى عليها بالثلثين مثلا ويدفع لها الباقي .

وفي المنح عن الخانية : رجل مات وترك أولادا صغارا فادعى رجل دينا على الميت أو وديعة وادعت المرأة مهرها ، قال أبو القاسم ليس للوصي أن يؤدي شيئا من الدين الوديعة ما لم يثبت بالبينة .

وأما المهر : فإن ادعت قدر مهر مثلها دفعه إليها إذا كان النكاح ظاهرا معروفا ويكون النكاح شاهدا لها قال الفقيه أبو الليث : إن كان الزوج بنى بها فإنه يمنع منها مقدار ما جرت العادة بتعجيله ويكون القول قول المرأة فيما زاد على المعجل إلى تمام مهر مثلها . ا هـ . هذا ، ونقل الرحمتي عن قاضي خان أنه قال إن في هذا نوع نظر لأن كل المهر كان واجبا بالنكاح فلا يقضى بسقوط شيء منه بحكم الظاهر لأنه لا يصلح حجة لإبطال ما كان ثابتا ا هـ ثم أطال في تأييد كلام القاضي ورد على الرملي في اعتراضه على القاضي بأن النظر مدفوع بغلب فساد الناس ، فقال إن الفساد لا يسقط به حق ثابت بلا دليل والمهر دين في ذمة الزوج وقضاء بعضه إثبات دين في ذمتها بقدره وذلك لا يكون بظاهر الحال لأن الظاهر يصلح للدفع لا للإثبات .

قلت : وذكر في البزازية قريبا مما قاله القاضي ، لكن ما قاله الفقيه مبني على أن العرف الشائع مكذب لها في دعواها عدم قبض شيء ، وحيث أقره الشارحون وكذا قاضي خان في شرح الجامع فيفتى به وهو نظير إعمالهم العرف وتكذيب الأب أن الجهاز عارية على ما يأتي بيانه مع أنه هو المملك ، فلولا العرف لكان القول قوله ، والله أعلم .

( قوله وهذا إذا ادعى الزوج إلخ ) هذا من عند صاحب البحر ، والمراد الزوج لو كان حيا أو ورثته كما هو ظاهر فلا يرد ما في الشرنبلالية من أن هذا لا يتأتى في حال موتهما .




الخدمات العلمية