الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( فإن ) ( نكحوا بالإذن فالمهر والنفقة عليهم ) أي على القن وغيره لوجود سبب الوجوب منه ( ويسقطان بموتهم ) لفوات محل الاستيفاء ( وبيع قن فيهما لا ) يباع ( غيره ) كمدبر بل يسعى ، ولو مات مولاه لزمه جملة إن قدر نهر وقنية ( ولكنه يباع في النفقة مرارا ) إن تجددت [ ص: 165 ] ( وفي المهر مرة ) ويطالب بالباقي بعد عتقه إلا إذا باعه منها خانية .

التالي السابق


( قوله وغيره ) أي من مدبر ومكاتب .

( قوله لوجود سبب الوجوب منه ) أي من القن وغيره فإن العقد سبب لوجوب المهر والنفقة وقد وجد من أهله مع انتفاء المانع وهو حق المولى لإذنه بالعقد .

( قوله ويسقطان بموتهم ) قيد سقوط المهر في البحر عند قول الكنز ولو زوج عبدا مأذونا بما إذا لم يترك كسبا ، وفي كلام الشارح إشارة إليه أما النفقة ولو مقضية فتسقط عن الحر بموته فالعبد بالأولى .

( قوله وبيع قن ) أي باعه سيده لأنه دين تعلق في رقبته وقد ظهر في حق المولى بإذنه فيؤمر ببيعه ، فإن امتنع باعه القاضي بحضرته إلا إذا رضي أن يؤدي قدر ثمنه ، كذا في المحيط نهر ، واشتراط حضرة المولى لاحتمال أن يفديه ، وقد ذكر في المأذون المديون أن للغرماء استسعاءه أيضا قال في البحر من النفقة ومفاده أن زوجته لو اختارت استسعاءه لنفقة كل يوم أن يكون لها ذلك أيضا . ا هـ . قلت : وكذا للمهر .

( قوله كمدبر ) أدخلت الكاف المكاتب ومعتق البعض وابن أم الولد كما في البحر .

( قوله بل يسعى ) لأنه لا يقبل البيع فيؤدي من كسبه لا من نفسه ، فلو عجز المكاتب صار المهر دينا في رقبته فيباع فيه إلا إذا أدى المهر مولاه واستخلصه كما في القن . وقياسه أن المدبر لو عاد إلى الرق بحكم شافعي ببيعه أن يصير المهر في رقبته بحر .

( قوله ولو مات مولاه إلخ ) في القنية : زوج مدبره امرأة ثم مات المولى فالمهر في رقبة العبد يؤخذ به إذا عتق ا هـ وفيه نظر لأن حكمه السعاية قبل العتق لا التأخر إلى ما بعد العتق بحر . قال في النهر : هذا مدفوع بأن ما في القنية فيه إفادة حكم سكتوا عنه ، هو أن المدبر إذا لزمته السعاية في حياة المولى هل يؤاخذ بالمهر بعد العتق ؟ قال نعم ، وهو ظاهر في أنه يؤاخذ به جملة واحدة حيث قدر عليه ويبطل حكم السعاية . ا هـ .

أقول : حاصل الجواب أن المدبر يسعى في حياة مولاه في المهر ، أما بعد موت مولاه فإنه يسعى أولا في ثلثي قيمته لتخليص رقبته من الرق ويصير المهر في رقبته يؤديه بعد عتقه كدين الأحرار لا بطريق السعاية ، فإن وجد معه جملة أخذ منه وإلا عومل معاملة المديون المعسر ، ولما كان فهم ذلك من عبارة القنية فيه خفاء عزا ذلك إليها وإلى النهر فافهم .

( قوله إن تجددت ) يعني إن لزمه نفقة فبيع فيها فلم يف ثمنه بما عليه من النفقة بقي الفضل في ذمته فيطالب به بعد العتق ولا يتعلق برقبته فلا يباع فيه عند السيد الثاني . ثم إن تجمعت عليه نفقة عند السيد الثاني بيع فيها ويفعل بالفضل كما مر ح ووجهه ما في البحر عن المبسوط أن النفقة يتجدد وجوبها بمضي الزمان وذلك في حكم دين حادث . ا هـ . أي أن [ ص: 165 ] ما تجدد وجوبه عند السيد الثاني في حكم دين حادث فيباع فيه ، بخلاف ما تجمد عليه وبيع فيه أولا فإنه لا يباع فيه ثانيا لاستيفاء باقيه لأنه في حكم دين واحد ، خلافا لما في نفقات صدر الشريعة حيث يفهم منه أنه يباع في الباقي أيضا كما سيأتي بيانه هناك إن شاء الله تعالى . ثم الظاهر أن هذا مفروض فيما إذا كانت النفقة مفروضة بالتراضي أو بقضاء القاضي لأنها بدون ذلك تسقط بمضي المدة كما ذكروه في النفقات . ثم رأيت في نفقات البحر صور المسألة بما إذا فرض القاضي لها نفقة شهر مثلا وعجز عن أدائها باعه القاضي إن لم يفده المولى . وأفاده أنه إنما يباع فيما يعجز عن أدائه لا لنفقة كل يوم مثلا للإضرار بالمولى ولا لاجتماع قدر قيمته للإضرار بها . وينبغي أن لا يصح فرضها بتراضيهما لحجر العبد عن التصرف ولاتهامه بقصد الزيادة لإضرار المولى ، ولذا فرض المسألة في البحر فيما إذا فرضها القاضي تأمل .

( قوله وفي المهر مرة ) فيه أنه لو لزمه مهر آخر عند السيد الثاني كما إذا طلقها ثم تزوجها بيع ثانيا فلا فرق بين المهر والنفقة إلا باعتبار أن النفقة تتجدد عند السيد الثاني ولا بد ، بخلاف المهر ح عن شيخه السيد . وأجاب ط بأن النفقة التي حدثت عند الثاني سببها متحقق عند الأول فتكرر بيعه في شيء واحد ، بخلاف بيعه في مهر ثان حدث عند الثاني ، فإن هذا مسبب عند عقد مستقل حتى توقف على إذنه . ا هـ .

قلت : وحاصله أن النفقة المتجددة عند الثاني وإن كانت في حكم دين حادث ولذا بيع فيها ثانيا إلا أنها لما كان سببها متحدا وهو العقد الأول لم تكن دينا حادثا من كل وجه ، أما المهر الثاني فهو دين حادث من كل وجه لوجوبه بسبب جديد ، وأنت خبير بأن هذا جواب إقناعي . ثم اعلم أن دين المهر . والنفقة عيب في العبد فللمشتري الخيار إن لم يرض به .

[ تنبيه ] قال في البحر : علل في المعراج لعدم تكرار بيعه في المهر بأنه بيع في جميع المهر ، فيفيد أنه لو بيع في مهرها المعجل ثم حل الأجل يباع مرة أخرى لأنه إنما بيع في بعضه ا هـ .

أقول : فيه نظر لأنه مخالف لما نقله قبله عن المبسوط من أنه ليس شيء من ديون العبد بما يباع فيه مرة بعد أخرى إلا النفقة لأنه يتجدد وجوبها بمضي الزمان إلخ ولا يخفى أن المهر المؤجل كان واجبا قبل حلول الأجل وإنما تأخرت المطالبة إلى حلوله ، فلم يتجدد الوجوب عند المشتري حتى يباع ثانيا عنده ولأنه يلزم أنه لو كان المهر ألفا مثلا وقيمة العبد مائة فبيع بمائة أن يباع ثانيا وثالثا وهكذا لأنه في كل مرة لم يبع في كل المهر وهو خلاف ما صرحوا به ، ومراد المعراج بقوله بيع في جميع المهر أنه إنما بيع لأجل جميع المهر : أي لأجل ما كان جميعه واجبا وقت البيع ، بخلاف النفقة الحادثة عند الثاني فإنه لم يبع فيها عند الأول فيباع فيها ثانيا عند الثاني ، فالمراد بيان الفرق بين المهر والنفقة كما صرح به في البحر من النفقات فراجعه فافهم .

( قوله إلا إذا باعه منها ) فإن ما عليها من مقدار ثمنه يلتقي قصاصا بقدره مما لها والباقي يسقط لأن السيد لا يستوجب دينا على عبده ح .




الخدمات العلمية