الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولو ) ( نكحها ثانيا ) صحيحا ( أو ) نكح أخرى ( بعدها صحيحا ) ( وقف على الإجازة ) لانتهاء الإذن بمرة وإن نوى مرارا ، ولو مرتين صح لأنهما كل نكاح العبد ، وكذا التوكيل بالنكاح ( بخلاف التوكيل به ) فإنه لا يتناول الفاسد فلا ينتهي وبه يفتى . والوكيل بنكاح فاسد لا يملك الصحيح ، بخلاف البيع ابن مالك . وفي الأشباه من قاعدة الأصل في الكلام الحقيقة الإذن في النكاح والبيع [ ص: 169 ] والتوكيل بالبيع يتناول الفاسد ، وبالنكاح لا ، واليمين على نكاح وصلاة وصوم وحج وبيع ، إن كانت على الماضي يتناوله ، وإن على المستقبل لا .

التالي السابق


( قوله ولو نكحها ثانيا ) أي بعد الفاسد وهذا عطف على قوله فيباع إلخ فهو أيضا من ثمرة الخلاف لأنه إذا انتظم الفاسد عنده ينتهي به الإذن ، وإذا لم ينتظمه لا ينتهي به عندهما فله أن يتزوج صحيحا بعده بها أو بغيرها .

( قوله لانتهاء الإذن بمرة ) ومثل الإذن الأمر بالتزويج ، كما لو قال له تزوج فإنه لا يتزوج إلا مرة واحدة لأن الأمر لا يقتضي التكرار وكذا إذا قال تزوج امرأة لأن قوله امرأة اسم لواحدة من هذا الجنس بحر عن البدائع .

( قوله وإن نوى مرارا إلخ ) أي لو قال لعبده تزوج ونوى به مرة بعد أخرى لم يصح لأنه عدد محض ولو نوى ثنتين يصح لأن ذلك كل نكاح العبد ، إذ العبد لا يملك التزوج بأكثر من ثنتين بحر عن شرح المغني للهندي . وحاصله أن الأمر يتضمن المصدر وهو للفرد الحقيقي أو الاعتباري أي جملة ما يملكه دون العدد المحض ، كما قالوا في طلق امرأتي ونوى الواحدة أو الثلاث يصح دون الثنتين .

( قوله وكذا التوكيل بالنكاح ) بأن قال تزوج لي امرأة لا يملك أن يزوجه إلا امرأة واحدة ، ولو نوى الموكل الأربع ينبغي أن يجوز على قياس ما ذكرنا لأنه كل جنس النكاح في حقه ولكني ما ظفرت بالنقل ، كذا في شرح المغني للهندي في بحث الأمر بحر فافهم ، لكن نية الأربع إنما تصح إذا لم يقل امرأة ، أما لو قاله كما هو تصوير المسألة قبله فلا كما أفاده الرحمتي ، ويؤيده ما مر آنفا عن البدائع من أن المرأة اسم لواحدة من هذا الجنس .

( قوله بخلاف التوكيل به ) أي توكيل من يريد النكاح به ، وهذا مرتبط بقول المصنف والإذن بالنكاح ينتظم جائزه وفاسده .

( قوله فإنه لا يتناول الفاسد ) لأن النكاح الفاسد ليس بنكاح لأنه لا يفيد شيئا من أحكام النكاح ، ولهذا لو حلف لا يتزوج فتزوج نكاحا فاسدا لا يحنث ، بخلاف البيع يجوز في قول أبي حنيفة لأن الفاسد بيع يفيد حكم البيع وهو الملك ، ويدخل في يمين البيع فيحنث به خانية .

( قوله به يفتى ) عبارة البحر : فلا ينتهي به اتفاقا وعليه الفتوى كما في المصفى ، وأسقط الشارح اتفاقا لأن قوله وعليه الفتوى يشعر بالخلاف وإرجاع ضمير عليه إلى الاتفاق فيه نظر ، إذ لا معنى للإفتاء بالاتفاق فافهم .

( قوله لا يملك الصحيح ) لأنه قد يكون له غرض في الفاسد وهو عدم لزوم المهر بمجرد العقد فإنه لا يلزم إلا بالوطء . وفي الصحيح يلزم المهر بمجرد العقد ، ويتأكد بالخلوة والموت ولو بدون وطء ، ففيه إلزام على الموكل بما لم يلتزمه ، وهذا يؤيد ما بحثه في البحر كما مر عند قوله وصح الصحيح أيضا .

( قوله بخلاف البيع ) أي بخلاف الوكيل ببيع فاسد فإنه يملك الصحيح ، لأن البيع الفاسد بيع حقيقة لإفادته الملك بعد القبض ، بخلاف النكاح الفاسد كما مر .

( قوله الإذن في النكاح ) الأولى بالنكاح بالباء ، والمراد الإذن للعبد المحجور وهو فك الحجر [ ص: 169 ] وإسقاط الحق لأن العبد له أهلية التصرف في نفسه ، وإنما حجر عنه لحق المولى فبالإذن يتصرف لنفسه بأهليته . وعند زفر والشافعي هو توكيل وإنابة كما سيأتي في بابه إن شاء الله تعالى . والظاهر أن هذا غير خاص بالعبد لأنه يقال أذنت لزيد بأكل طعامي أو بسكنى داري ففيه فك حجر وإسقاط حق ، وكذا يقال أذنت له ببيع داري فيكون بمعنى الإحلال والإعارة والتوكيل ، وإنما لم يكن الإذن للعبد توكيلا عندنا لما علمت من أنه بالإذن يتصرف لنفسه لا بطريق النيابة عن المولى .

( قوله والتوكيل بالبيع ) أي توكيل أجنبي به . وقول البحر أشار المصنف إلى أن الإذن بالبيع وهو التوكيل وبه يتناول الفاسد بالأولى اتفاقا يوهم أن الإذن هو التوكيل ، ولكن قد علمت أنه ليس عينه مطلقا بل قد يطلق عليه ، فمراده الإذن الذي بمعنى توكيل الأجنبي لا إذن العبد تأمل .

( قوله وبالنكاح لا ) أي والتوكيل بالنكاح لا يتناول الفاسد كما مر .

( قوله واليمين على نكاح ) كما إذا حلف لا يتزوج فإنه لا يحنث إلا بالصحيح . وأما إذا حلف أنه ما تزوج في الماضي فإنه يتناول الصحيح والفاسد أيضا لأن المراد في المستقبل الإعفاف وفي الماضي وقوع العقد بحر عن المبسوط .

( قوله وصلاة ) يقال على قياس ما تقدم أن يمينه في الماضي منعقدة على صورة الفعل وقد وجدت ، بخلافها في المستقبل فمنعقدة على المتهيئة للثواب وهو لا يحصل بالفاسد ، ومثلها الصوم والحج ط .

قلت : وسيأتي في الأيمان حلف لا يصوم حنث بصوم ساعة بنية وإن أفطر لوجود شرطه ، ولو قال صوما أو يوما حنث بيوم ، وحنث في لا يصلي بركعة ، وفي لا يصلي صلاة بشفع ، وفي : لا يحج لا يحنث حتى يقف بعرفة عن الثالث أو حتى يطوف أكثر الطواف عن الثاني . ا هـ . وبه علم أن المراد بالصحيح في المستقبل ما يتحقق به الفعل المحلوف عليه شرعا مع شرائطه ، وذلك في الصوم بساعة ، وفي الصلاة بركعة وإن أفسده بعده تأمل .




الخدمات العلمية