الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 222 ] ( قال ) لزوجته ( هذه رضيعتي ثم رجع ) عن قوله ( صدق ) لأن الرضاع مما يخفى فلا يمنع التناقض فيه ( ولو ثبت عليه ، بأن قال ) بعده ( هو حق كما قلت ونحوه ) هكذا فسر الثبات في الهداية وغيرها [ ص: 223 ] ( فرق بينهما وإن ) ( أقرت ) المرأة بذلك ( ثم أكذبت نفسها وقالت : أخطأت وتزوجها ) ( جاز كما لو تزوجها قبل أن تكذب نفسها ) وإن أصرت عليه لأن الحرمة ليست إليها ، قالوا : وبه يفتى في جميع الوجوه بزازية . ومفاده أنها لو أقرت بالثلاث من رجل [ ص: 224 ] حل لها تزوجه ( أو ) ( أقرا بذلك جميعا ثم أكذبا أنفسهما وقالا ) جميعا ( أخطأنا ثم تزوجها ) جاز

التالي السابق


( قوله قال لزوجته ) التقييد بالزوجة لقوله بعده فرق بينهما ، وإلا فقوله ذلك لأجنبية قبل العقد عليها كذلك ( قوله هكذا فسر الثبات في الهداية وغيرها ) أتى بذلك للرد على من جعل تكرار الإقرار ثباتا أيضا مثل قوله هو حق ونحوه ، وجزم في البحر بأنه ليس مثله ، وهذه المسألة صارت واقعة الفتوى في زمن العلامة عبد البر بن الشحنة ، خالفه في بعض معاصريه وعقد لها مجالس عديدة بأمر السلطان قايتباي وكتب خطوط العلماء من المذاهب الأربعة كما ذكره المقدسي في شرحه ، وسرد فيه نصوص أئمتنا .

ثم قال : ظاهر هذه العبارات أن الثبات على الإقرار المانع عن الرجوع هو أن يقول ما قلته حق أو ما أقررت به ثابت وأما تكرار الإقرار فلا يكون مانعا ا هـ وقد لوح المصنف في مسائل شتى من المنح آخر الكتاب إلى تلك الواقعة ، وأنها عرضت على شيخ الإسلام زكريا الشافعي فأجاب بما فيه كفاية . ا هـ . قلت : ورأيتها في فتاوى شيخ الإسلام زكريا فقال بعد عرض النقول من كلام أئمتنا ما صورته : صريح هذه النقول ومنطوقها مع العلم بوقوع العطف التفسيري في الكلام الفصيح ومع النظر إلى ما هو واجب من الجمع [ ص: 223 ] بين كلام الأئمة المذكورين وغيرهم ، ومن النظر إلى المعنى المفهوم من كلامهم شاهد بأن المراد بالثبات والدوام والإصرار واحد بأن المقر بأخوة الرضاع ونحوها إن ثبت على إقراره لا يقبل رجوعه عنه وإلا قيل ، وبأن الثبات عليه لا يحصل إلا بالقول بأن يشهد على نفسه بذلك ، أو يقول هو حق ، أو كما قلت أو ما في معناه ; كقوله هو صدق أو صواب أو صحيح أو لا شك فيه عندي ، إذ لا ريب أن قوله صدق آكد من قوله هو كما قلت فكلام من جمع بين هو حق وكما قلت كما فعل السراج الهندي محمول على التأكيد ، وكلام من اقتصر على بعضها ولو بطريق الحصر مؤول بتقدير أو ما في معناه كما قلنا في قوله تعالى { قل إنما يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد } وقوله صلى الله عليه وسلم { إنما الربا في النسيئة } وليس في منطوق النصوص المذكورة أن التكرار يقوم مقام قوله هو حق أو ما في معناه حتى يمتنع الرجوع بعده ، نعم يؤخذ من قول صاحب المبسوط : ولكن الثابت على الإقرار كالمجدد له بعد العقد أنه إذا أقر بذلك قبل العقد ثم أقر به بعده يقوم مقام ذلك ا هـ .

قلت : لكن مراد صاحب المبسوط بقوله كالمجدد إلخ أي مع الثبات لأن مراده بيان أن الإقرار قبل العقد بمنزلة الإقرار بعده في إثبات الحرمة لأن عبارته هكذا : ولكن الثابت على الإقرار كالمجدد له بعد العقد وإقراره بالحرمة بعد العقد صحيح موجب للفرقة ، فكذلك إذا أقر به قبل العقد وثبت عليه حتى تزوجها . ثم قال في مسألة الإقرار بعد العقد : ولو ثبت على هذا النطق وقال هو حق وشهدت عليه الشهود بذلك فرقت بينهما . ا هـ . وفي البدائع : أما الإقرار ، فهو أن يقول لامرأة تزوجها هي أختي من الرضاع ويثبت على ذلك ويصر عليه فيفرق بينهما ، وكذلك إذا أقر بهذا قبل النكاح وأصر على ذلك ودام عليه لا يجوز له أن يتزوجها . ا هـ . قلت : ووجه ذلك أن الرضاع لما كان مما يخفى لأنه لا يعلمه إلا بالسماع من غيره لم يمنع التناقض فيه لاحتمال أنه لما أقر به بناء على ما أخبره به غيره تبين له كذبه فرجع عن إقراره ، ولا فرق في ذلك بين كونه أقر مرة أو أكثر ، بخلاف ما إذا شهد على إقراره أو قال هو حق أو نحوه فإنه يدل على علمه بصدق المخبر وأنه جازم به فلا يقبل رجوعه بعده .

( قوله فرق بينهما ) أي ولو جحد بعد ذلك لأن شرط الفرقة وهو الثبات قد وجد فلا ينفعه الجحود بعده ذخيرة ( قوله جاز ) أي صح النكاح ( قوله لأن الحرمة ليست إليها ) أي لم يجعلها الشارع لها فلا يعتبر إقرارها بها ط .

( قوله في جميع الوجوه ) أي سواء أقرت قبل العقد أو لا ، وسواء أصرت عليه أو لا ، بخلاف الرجل فإن إصراره مثبت للحرمة كما علمت ، ويفهم مما في البحر عن الخانية أن إصرارها قبل العقد مانع من تزوجها به ، ونحوه في الذخيرة لكن التعليل المذكور يؤيد عدمه ( قوله بزازية ) ذكر ذلك في البزازية آخر كتاب الطلاق حيث قال : قلت لرجل : أنه أبي رضاعا وأصرت عليه يجوز أن يتزوجها إذا كان الزوج ينكره ، وكذا إذا أقر به ثم أكذبته فيه لا يصدق على قولها لأن الحرمة ليست إليها ، حتى لو أقرت به بعد النكاح لا يلتفت إليه ، وهذا دليل على أن لها أن تزوج نفسها منه في جميع الوجوه وبه يفتى . ا هـ .

( قوله ومفاده إلخ ) هذا ذكره في الخلاصة عن الصغرى للصدر الشهيد بلفظ : [ ص: 224 ] وفيه دليل على أنها لو ادعت الطلقات الثلاث وأنكر الزوج حل لها أن تزوج نفسها منه ، وذكره في البزازية آخر الطلاق بقوله قالت طلقني ثلاثا ثم أرادت تزويج نفسها منه ليس لها ذلك أصرت عليه أو أكذبت نفسها ، ونص في الرضاع على أنها إذا قالت هذا ابني رضاعا وأصرت عليه جاز له أن يتزوجها لأن الحرمة ليست إليها . قالوا وبه يفتى في جميع الوجوه ا هـ كلام البزازية ، فقوله ونص إلخ يريد به الاستدلال على أن لها التزوج به في مسألة الطلاق كما فعل في الخلاصة ، وبهذا يعلم ما في كلام الشارح قبيل باب الإيلاء حيث ذكر عبارة البزازية هذه وأسقط قوله ونص في الرضاع إلخ ( قوله حل لها تزوجه ) لأن الطلاق في حقها مما يخفى لاستقلال الرجل به فصح رجوعها نهر أي حل في الحكم ، أما فيما بينها وبين الله تعالى فلا إذا كانت عالمة بالثلاث ح ( قوله أو أقرا بذلك ) أي بأخوة الرضاع أي ولم يصر الرجل على إقراره فإنه إذا أصر لا ينفعه إكذاب نفسه بعده كما مر .




الخدمات العلمية