الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولو قال : طلاقك علي لم يقع .

ولو زاد واجب أو لازم أو ثابت أو فرض هل يقع ؟ قال البزازي : المختار لا . وقال القاضي الخاصي : المختار نعم ولو قال : طلقك الله هل يفتقر لنية ؟ [ ص: 255 ] قال الكمال : الحق نعم ، ولو قال لها : كوني طالقا أو اطلقي أو يا مطلقة بالتشديد وقع ، وكذا يا طال بكسر اللام وضمها لأنه ترخيم أو أنت طال بالكسر وإلا توقف على النية ، [ ص: 256 ] كما لو تهجى به أو بالعتق . وفي النهر عن التصحيح : الصحيح عدم الوقوع برهنتك طلاقك ونحوه .

التالي السابق


( قوله ولو قال وطلاقك علي لم يقع ) قال في الخانية : ولو قال طلاقك علي ذكر في الأصل على وجه الاستشهاد فقال : ألا ترى أنه لو قال لله علي طلاق امرأتي لا يلزمه شيء . ا هـ . قلت : ومقتضاه أن علة عدم الوقوع في طلاقك علي أنه صيغة نذر كقوله علي حجة فكأنه نذر أن يطلقها النذر لا يكون إلا في عبادة مقصودة ، والطلاق أبغض الحلال إلى الله تعالى فليس عبادة فلذا لم يلزمه شيء ( قوله ولو زاد إلخ ) ظاهره أن قوله طلاقك علي بدون زيادة ليس فيه الخلاف المذكور ، وهو المفهوم من الخانية والخلاصة أيضا ، لكن نقل سيدي عبد الغني عن أدب القاضي للسرخسي : رجل قال لامرأته : طلاقك علي فرض ولازم أو قال طلاقك علي فالصحيح أنه يقع في الكل بخلاف العتق لأنه مما يجب فجعل إخبارا ، ونقل مثله عن مختصر المحيط . ( قوله وقال الخاصي المختار نعم ) عبارة فتاوى الخاصي قال لها : طلاقك علي واجب ، [ ص: 255 ] أو قال وطلاقك لازم لي يقع بلا نية عند أبي حنيفة ، وهو المختار ، وبه قال محمد بن مقاتل و عليه الفتوى ا هـ وأنت خبير بأن لفظ الفتوى آكد ألفاظ التصحيح . ونقل في الخانية عن الفقيه أبي جعفر أنه يقع في قوله واجب لتعارف الناس لا في قوله ثابت أو فرض أو لازم لعدم التعارف ، ومقتضاه الوقوع في قوله علي الطلاق لأنه المتعارف في زماننا كما علمت . وعلل الخاصي الوقوع بقوله : لأن الطلاق لا يكون واجبا أو ثابتا بل حكمه ، وحكمه لا يجب ولا يثبت إلا بعد الوقوع . قال في الفتح : وهذا يفيد أن ثبوته اقتضاء ، ويتوقف على نيته إلا أن يظهر فيه عرف فاش فيصير صريحا فلا يصدق قضاء في صرفه عنه ، وفيما بينه وبين الله تعالى إن قصده وقع وإلا لا ، فإنه قد يقال : هذا الأمر علي واجب ، بمعنى ينبغي أن أفعله لا أني فعلته فكأنه قال ينبغي أن أطلقك . ا هـ . ( قوله قال الكمال الحق نعم ) نقله عنه في البحر والنهر ، وأقراه عليه بعد حكايتهما الخلاف . ووجهه أنه يحتمل الدعاء فتوقف على النية . وفي التتارخانية عن العتابية : المختار عدم توقفه عليها وبه كان يفتي ظهير الدين . قال المقدسي : ويقع في عصرنا نظير هذا ، يطلب الرجل من المرأة فتقول أبرأك الله وكانت حادثة الفتوى وكتبت بصحتها لتعارفهم بذلك . ا هـ . قلت : ومثله في فتاوى قارئ الهداية والمنظومة المحبية وسيأتي تمامه في الخلع ( قوله كوني طالقا أو اطلقي ) قال في الفتح عن محمد : إنه يقع لأن كوني ليس أمرا حقيقة لعدم تصور كونها طالقا منها بل عبارة عن إثبات كونها طالقا كقوله تعالى { كن فيكون } ليس أمرا بل كناية عن التكوين وكونها طالقا يقتضي إيقاعا قبل فيتضمن إيقاعا سابقا ، وكذا قوله اطلقي ومثله للأمة كوني حرة . ( قوله أو يا مطلقة ) قدمنا أنه لو كان لها زوج طلقها قبل فقال أردت ذلك الطلاق صدق ديانة وكذا قضاء في الصحيح وفي . التتارخانية عن المحيط قال : أنت طالق ثم قال يا مطلقة لا تقع أخرى ( قوله بالتشديد ) أي تشديد اللام ; أما بتخفيفها فهو ملحق بالكناية كما قدمناه عن البحر ( قوله وقع ) أي من غير نية لأنه صريح ( قوله بكسر اللام وضمها ) ذكر الضم بحث لصاحب النهر حيث قال : وينبغي أن يكون الضم كذلك ، إذ هو لغة من لا ينتظر ، بخلاف الفتح فإنه يتوقف على النية . ا هـ . واعترض بأنه ينبغي توقف الضم أيضا على النية لأنه إذا لم ينتظر الآخر لم تكن مادة ط ل ق موجودة ولا ملاحظة فلم يكن صريحا ، بخلاف الكسر على لغة من ينتظر . ا هـ . قلت : قد يجاب بأن الضم في نداء الترخيم لما كان لغة ثابتة لم يخرج به اللفظ عن إرادة معناه المراد به قبل النداء فإن كان كل من سمع اللفظ المرخم يعلم أن المراد به نداء تلك المادة وأن انتظار المحذوف وعدمه أمر اعتباري بدوره ليبنوا عليه الضم والكسر وإلا لزم أن يكون المنادى اسما آخر غير المقصود نداؤه هذا ما ظهر لي فتأمل . ( قوله أو أنت طال بالكسر ) أي فإنه يقع بلا نية ، بخلاف أنت طاق بحذف اللام فلا يقع وإن نوى لأن حذف آخر الكلام معتاد عرفا تتارخانية ( قوله وإلا توقف على النية ) أي وإن لم يكسر اللام في غير المنادى توقف الوقوع على نية الطلاق : أي أو ما في حكمها كالمذاكرة والغضب كما في الخانية . وفي كنايات الفتح أن الوجه إطلاق التوقف على النية مطلقا لأنه بلا قاف ليس صريحا بالاتفاق لعدم غلبة الاستعمال ولا الترخيم لغة جائز في غير النداء ، فانتفى لغة وعرفا فيصدق قضاء مع اليمين إلا عند الغضب أو مذاكرة الطلاق فيقع قضاء أسكنها أو لا ، وتمامه فيه . [ ص: 256 ] قلت : وما قدمناه آنفا عن التتارخانية من أن حذف آخر الكلام معتاد عرفا يفيد الجواب ، فإن لفظ طالق صريح قطعا ، فإذا كان حذف الآخر معتادا عرفا لم يخرجه عن صراحته ، وقد عد حذف آخر الكلمة من محسنات الكلام وعده أهل البديع من قسم الاكتفاء ، ونظم فيه المولدون كثيرا ، ومنه أين النجاة لعاشق أين النجا وأيضا فإن إبدال الآخر بحرف غيره كالألفاظ المصحفة المتقدمة لم يخرجه عن صراحته مع عدم غلبة الاستعمال فيها ، وما ذاك إلا لكونها أريد بها اللفظ الصريح وأن التصحيف عارض لجريانه على اللسان خطأ أو قصدا لكونه لغة المتكلم ، هذا ما ظهر لفهمي القاصر ( قوله كما لو تهجى به ) أي فإنه يتوقف على النية ، وقد مر بيانه فافهم ( قوله وفي النهر عن التصحيح إلخ ) أي تصحيح القدوري للعلامة قاسم وقصد به الرد على ما فهمه به في البحر ، من أن وهبتك طلاقك من الصريح ، وكذا أودعتك ورهنتك . قال في النهر : نقل في تصحيح القدوري عن قاضي خان : وهبتك طلاقك الصحيح فيه عدم الوقوع ا هـ ففي أودعتك ورهنتك بالأولى وسيأتي أن رهنتك كناية . وفي المحيط : ولو قال رهنتك طلاقك قالوا : لا يقع لأن الرهن لا يفيد زوال الملك . ا هـ . قلت : ومقتضى كونه كناية أنه يقع بشرط النية وقد عده في البحر في باب الكنايات منها ، وكذا عد منها : وهبتك طلاقك ، وأودعتك طلاقك ، وأقرضتك طلاقك سيأتي تمامه هناك .




الخدمات العلمية