الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( فإن أخرج الحيوان غير منتفخ ولا متفسخ ) ولا متمعط ( فإن ) كان ( كآدمي ) وكذا سقط [ ص: 216 ] وسخلة وجدي وإوز كبير ( نزح كله ، وإن ) كان ( كحمامة ) وهرة ( نزح أربعون من الدلاء ) وجوبا إلى ستين ندبا ( وإن ) كان ( كعصفور ) وفأرة ( فعشرون ) إلى ثلاثين كما مر ، وهذا يعم المعين وغيرها ، بخلاف نحو صهريج وحب حيث يهراق الماء كله لتخصيص الآبار بالآثار بحر ونهر . قال المصنف في حواشيه على الكنز : ونحوه في النتف ; ونقل عن القنية أن حكم الركية كالبئر . وعن الفوائد أن الحب المطمور أكثره في الأرض كالبئر ، [ ص: 217 ] وعليه فالصهريج والزير الكبير ينزح منه كالبئر فاغتنم هذا التحرير . ا هـ ( بدلو وسط ) وهو دلو تلك البئر ، فإن لم يكن فما يسع صاعا وغيره تحتسب به ويكفي ملء أكثر الدلو ونزح ما وجد وإن قل وجريان بعضه وغوران قدر الواجب

( وما بين حمامة وفأرة ) في الجثة ( كفأرة ) في الحكم ( كما أن ما بين دجاجة وشاة كدجاجة ) فألحق بطريق الدلالة بالأصغر كما أدخل الأقل في الأكثر كفأرة مع هرة ، ونحو الهرتين كشاة اتفاقا ونحو الفأرتين كفأرة ، والثلاث إلى الخمس كهرة ، والست كشاة على الظاهر .

التالي السابق


( قوله فإن أخرج الحيوان ) أي الميت ( قوله كآدمي ) أي مما عادله في الجثة كالشاة والكلب كما في البحر ( قوله وكذا سقط إلخ ) أفاد أن ما ذكروا فيه نزحا مقدرا لا فرق بين كبيرة وصغيرة ، لكن قال الشيخ إسماعيل : وأما ولد الشاة إذا كان صغيرا فكالسنور كما تشعر به عباراتهم كما في البرجندي . ا هـ وكذا قال ولده سيدي عبد الغني . الظاهر أن الآدمي إذا خرج من أمة صغيرا أو كان سقطا فهو كالسنور ; لأن العبرة بالمقدار في الجثة لا في الاسم . ا هـ . قلت : لكن قدمنا عن الخانية أن السقط إن استهل فحكمه كالكبير إن وقع في الماء بعدما غسل لا يفسده ، وإن لم يستهل أفسد وإن غسل ، وتقدم أيضا أن ذنب الفأرة لو شمع ففيه ما في الفأرة ، ثم رأيت في القهستاني قال : فلو وقع فيها سقط ينزح كل الماء . وعن أبي حنيفة أن الجدي كالشاة . وعنه أنه والسخلة كالدجاجة كما في الزاهدي . ا هـ .

فعلم أن في الجدي روايتين : والظاهر أن مثله السخلة وهي ولد الشاة ، وإلحاق السقط بالكبير يؤيد الأولى منهما ، وتقييد الشارح الإوز بالكبير تبعا للخلاصة وقال فيها : أما الصغير فكالحمامة يؤيد الثانية . وفي السراج أن الإوزة عند الإمام كالشاة في رواية وكالسنور في أخرى . ا هـ .

أقول : وهذا المقام يحتاج إلى تحرير وتدبر ، فاعلم أن المأثور كما ذكره أئمتنا هو نزح الكل في الآدمي والأربعين في الدجاجة والعشرين في الفأرة فلذا كانت المراتب ثلاثة كما سنذكره . وعن هذا أورد في المستصفى أن مسائل الآبار مبنية على اتباع الآثار ، والنص ورد في الفأرة والدجاجة والآدمي فكيف يقاس ما عدلها بها ، ثم أجاب بأنه بعدما استحكم هذا الأصل صار كالذي ثبت على وفق القياس في حق التفريع عليه . واعترضه في البحر بأنه ظاهر [ ص: 216 ] في أن فيه للرأي مدخلا وليس كذلك . وقال : فالأولى أن يقال إنه إلحاق بطريق الدلالة لا بالقياس كما اختاره في المعراج . ا هـ .

إذا علمت ذلك ظهر لك أن ما ورد بالنص من الثلاثة المذكورة لم يفرق بين صغيره وكبيره في ظاهر الرواية وقوفا مع النص ، ولهذا لم يختلفوا في السقط بخلاف ما ألحق بذلك كالشاة والإوزة ، فإنه قد يقال إن صغيره ككبيره أيضا تبعا للملحق به : وقد يقال بالفرق اعتبارا للجثة ، فلذا وقع فيه الاختلاف ، هذا ما ظهر لي من فيض الفتاح العليم فاغتنمه ( قوله كما مر ) أي بأن يقال العشرون للوجوب والزائد للندب . [ تنبيه ]

ظاهر اقتصار المصنف على ما ذكره يفيد أن المراتب ثلاث ; لأنها الواردة في النص كما قدمناه . وروى الحسن عن الإمام أن في القراد الكبير والفأرة الصغيرة عشر دلاء ، وأن في الحمامة ثلاثين بخلاف الهرة فالمراتب خمس ، لكن الذي في المتون هو الأول وهو ظاهر الرواية كما في البحر والقهستاني ( قوله وهذا ) أي نزح الأربعين أو العشرين لتطهير البئر ( قوله بخلاف نحو صهريج وحب إلخ ) الصهريج : الحوض الكبير يجتمع فيه الماء قاموس . والحب : أي بضم الحاء المهملة الخابية الكبيرة صحاح ، وأراد بذلك الرد على من أفتى بنزح عشرين في فأرة وقعت في صهريج ، كما نقله في النهر عن بعض أهل عصره متمسكا بما اقتضاه إطلاقهم من عدم الفرق بين المعين وغيرها : ورده في النهر تبعا للبحر بما في البدائع والكافي وغيرهما من أن الفأرة لو وقعت في الحب يهراق الماء كله . قال : ووجهه أن الاكتفاء بنزح البعض في الآبار على خلاف القياس بالآثار فلا يلحق بها غيرها ، ثم قال : وهذا الرد إنما يتم بناء على أن الصهريج ليس من مسمى البئر في شيء ا هـ أي فإذا ادعى دخوله في مسمى البئر لا يكون مخالفا للآثار ، ويؤيده ما قدمناه من أن البئر مشتقة من بأرت : أي حفرت . والصهريج : حفرة في الأرض لا تصل اليد إلى مائها ، بخلاف العين والحب والحوض ، وإليه مال العلامة المقدسي فقال : ما استدل به في البحر لا يخفى بعده ، وأين الحب من الصهريج لا سيما الذي يسع ألوفا من الدلاء . ا هـ . لكنه خلاف ما في النتف ( قوله يهراق الماء كله ) أقول : وهل يطهر بمجرد ذلك أم لا بد من غسله بعده ثلاثا : والظاهر الثاني ، ثم رأيته في التتارخانية قال ما نصه : وفي فتاوى الحجة سئل عبد الله بن المبارك عن الحب المركب في الأرض تنجس ، قال : يغسل ثلاثا ، ويخرج الماء منه كل مرة فيطهر ، ولا يقلع الحب . ا هـ ( قوله ونحوه في النتف ) مقول القول : أي نحو ما في البحر والنهر . قال ابن عبد الرزاق : ولم أره في كتاب النتف . ا هـ . أقول : رأيت في النتف ما نصه : وأما البئر فهي التي لها مواد من أسفلها . ا هـ أي لها مياه تمدها وتنبع من أسفلها ، ولا يخفى أنه على هذا التعريف يخرج الصهريج والحب والآبار التي تملأ من المطر أو من الأنهار ، فهو مثل ما في البحر والنهر .

( قوله ونقل ) أي المصنف ، وهو تأييد لما أفتى به ذلك العصري ( قوله أن حكم الركية إلخ ) الركية على وزن عطية قال ح : هي البئر كما في القاموس ، لكن في العرف هي بئر يجتمع ماؤها من المطر . ا هـ : أي [ ص: 217 ] فهي بمعنى الصهريج ( قوله عليه ) أي وبناء على ما نقله عن القنية والفوائد ( قوله والزير الكبير ) أي الذي هو بمعنى الحب المذكور في الفوائد . قال في القاموس : الزير بالكسر الدن . والدن بالفتح : الراقود العظيم أو أطول من الحب أو أصغر ، له عسعس أي ذنب لا يقعد إلا أن يحفر له ( قوله ينزح ، منه كالبئر ) أي فيقتصر في الحمامة على أربعين ، وفي الفأرة على عشرين .

أقول : وهذا مسلم في الصهريج دون الزير لخروجه عن مسمى البئر ، وكون أكثره مطمورا : أي مدفونا في الأرض لا يدخله فيه لا عرفا ولا لغة كما قدمناه ; وما في الفوائد معارض بإطلاق ما مر عن البدائع والكافي وغيرهما ، وفرق ظاهر بينه وبين الصهريج كما قدمناه عن المقدسي فافهم . وقال المصنف في منظومته [ تحفة الأقران ] : مطمورة أكثرها في الأرض كالبئر في النزح وهذا مرضي قال به بعض أولي الأبصار
وليس مرضيا لدى الكبار فإن نزح البعض مخصوص بما
في البئر عند جمع جل العلما ( قوله وهو دلو تلك البئر ) هذا هو ظاهر الرواية كما في البحر ، وقيده محشيه الرملي بما إذا لم يكن دلوها المعتاد كبيرا جدا فلا يجب العدد المذكور .

قال : وهو الذي يقتضيه نظر الفقيه . ا هـ ثم إن الشارح قد تبع صاحب البحر في تفسيره الوسط بذلك ، وفيه نظر ; لأنه قول آخر وبه يشعر كلام الزيلعي وغيره . وفي البدائع : اختلف في الدلو ، فقيل المعتبر دلو كل بئر يستقي به منها صغيرا كان أو كبيرا ، وروي عن أبي حنيفة أنه قدر صاع ، وقيل المعتبر هو المتوسط بين الصغير والكبير . ا هـ . وقوله صغيرا كان أو كبيرا ربما يخالف ما بحثه الرملي تأمل ( قوله فإن لم يكن إلخ ) أي هذا إن كان لها دلو ، فإن لم يكن فالمعتبر دلو يسع صاعا ، وهذا التفصيل استظهره في البحر .

وقال هو ظاهر ما في الخلاصة وشرح الطحاوي والسراج ( قوله وغيره ) أي غير الدلو المذكور بأن كان أصغر أو أكبر يحتسب به ، فلو نزح القدر الواجب بدلو واحد كبير أجزأ ، وهو ظاهر المذهب لحصول المقصود بحر ( قوله ويكفي ملء أكثر الدلو ) فلو كان منحرفا ، فإن كان يبقى أكثر ما فيه كفى وإلا لا بزازية وقهستاني ( قوله ونزح ما وجد ) أي ويكفي أيضا نزح ما وجد فيها وهو دون القدر الواجب ، حتى لو زاد بعد النزح لا يجب نزح شيء ; كما قدمناه عن البحر .

( قوله وجريان بعضه ) أي يكفي أيضا بأن حفر لها منفذ يخرج منه بعض الماء كما في الفتح ( قوله وغوران قدر الواجب ) وإذا عاد لا يعود نجسا إن جف أسفله في الأصح ، وإلا عاد كما في البحر عن السراج ( قوله بطريق الدلالة ) أي دلالة النص ، وهي دلالة منطوقه على ما سكت عنه بالأولى أو بالمساواة كدلالة حرمة التأفيف وأكل مال اليتيم على حرمة الضرب والإتلاف كما أوضحناه في حواشينا على شرح المنار للشارح ، وأشار بذلك إلى الجواب عما قدمناه على المستصفى .

( قوله كفأرة مع هرة ) أي فإن ماتتا نزح أربعون وإلا فلا نزح ، وإن ماتت الفأرة فقط أو جرحت أو بالت فيه نزح الكل سراج ، وبقي من الأقسام موت الهرة فقط ، ولا شك أن فيه أربعين نهر ( قوله ونحو الهرتين ) أي ما كان مقدارهما في الجثة ( قوله ونحو الفأرتين ) أي لو كانتا كهيئة الدجاجة إلا في رواية عن محمد أن فيهما حينئذ أربعين بحر ( قوله على الظاهر ) أي [ ص: 218 ] ظاهر الرواية كما في البحر ، وهو قول محمد . وعند أبي يوسف : الخمس إلى التسع كهرة ، والعشر كشاة ، وجزم في المواهب بقول محمد ونفى الثاني فأفاد ضعفه .




الخدمات العلمية