الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولو كررها ) أي لفظة اختاري ( ثلاثا ) بعطف أو غيره ( فقالت ) اخترت أو ( اخترت اختيارة أو اخترت الأولى أو الوسطى أو الأخيرة يقع بلا نية ) [ ص: 322 ] من الزوج لدلالة التكرار ( ثلاثا ) وقالا : يقع في اخترت الأولى إلى آخره واحدة بائنة واختاره الطحاوي بحر وأقره الشيخ علي المقدسي وفي الحاوي القدسي : وبه نأخذ انتهى ، فقد أفاد أن قولهما هو المفتى به لأن قولهم وبه نأخذ من الألفاظ المعلم بها على الإفتاء ، كذا بخط الشرف الغزي محشي الأشباه . ( ولو قالت ) في جواب التخيير المذكور ( طلقت نفسي أو اخترت نفسي بتطليقة ) أو اخترت الطلقة الأولى ( بانت بواحدة في الأصح ) [ ص: 323 ] لتفويضه بالبائن فلا تملك غيره ( أمرك بيدك في تطليقة أو اختاري تطليقة فاختارت نفسها طلقت رجعية ) لتفويضه إليها بالصريح ، والمفيد للبينونة إذا قرن بالصريح صار رجعيا كعكسه قيد بفي ومثلها الباء بخلاف لتطلقي نفسك أو حتى تطلقي فهي بائنة كما لو جعل أمرها بيدها لو لم تصل نفقتي إليك فطلقي نفسك متى شئت فلم تصل فطلقت كان بائنا لأن لفظة الطلاق لم تكن في نفس الأمر .

[ فروع ] قال الرجل خير امرأتي فلم تختر ما لم يخيرها ، بخلاف أخبرها بالخيار لإقراره به . قال لها : أنت طالق إن شئت واختاري فقالت شئت واخترت وقع ثنتان .

قال اختاري اليوم وغدا اتحد ، ولو واختاري غدا تعدد . [ ص: 324 ] قال اختاري اليوم أو أمرك بيدك هذا الشهر خيرت في بقيتهما ، وإن قال يوما أو شهرا فمن ساعة تكلم إلى مثلها من الغد وإلى تمام ثلاثين يوما ، ولو جعله لها رأس الشهر خيرت في الليلة الأولى ويومها ، ولا يبطل المؤقت بالإعراض بل بمضي الوقت علمت أو لا .

التالي السابق


( قوله بعطف ) أي بواو أو فاء أو ثم وفي شرح التلخيص للفارسي أنه في العطف بثم لو اختارت نفسها قبل تكلم الزوج بالثانية وهي غير مدخول بها بانت بالأولى ولم يقع بغيرها شيء بحر ( قوله بلا نية ) كذا في الكنز والهداية والصدر الشهيد والعتابي ، ووجهه ما قاله الشارح من دلالة التكرار على إرادة الطلاق ، وكذا قال في تلخيص الجامع الكبير والتعدد : أي التكرار خاص بالطلاق ، فأغنى عن ذكر النفس والنية لكن قال في غاية البيان : إن المصرح به في الجامع الكبير اشتراط النية وهو الظاهر . ا هـ . وذهب إليه قاضي خان وأبو المعين النسفي .

ورجحه في الفتح بأن تكرار الأمر بالاختيار لا يصيره ظاهرا في الطلاق لجواز أن يريد اختاري في المال أو اختاري في المسكن . قال في البحر : والاختلاف في الوقوع قضاء بلا نية مع الاتفاق على أنه لا يقع في نفس الأمر إلا بها والحاصل أن المعتمد رواية ودراية اشتراط النية دون النفس . ا هـ . أقول : فالذي مال إليه العلامة قاسم والمقدسي هو الأول ، وقول البحر باشتراط النية دون النفس فيه نظر ، [ ص: 322 ] لأن من قال بعدم اشتراط النية بناء على " التكرار دليل إرادة الطلاق " يقول : لا يشترط ذكر النفس أيضا بدلالة التكرار كما هو صريح عبارة التلخيص المارة وصريح ما مر أيضا من عد التكرار من المفسرات التسعة .

ومن قال باشتراط النية لم يجعل التكرار دليلا على إرادة الطلاق كما هو صريح كلام الفتح المار ، ومثله في شرح الزيادات لقاضي خان ، فحيث لم يكن التكرار دليلا على إرادة الطلاق بقي لفظ الاختيار بلا مفسر وتقدم الإجماع على اشتراطه ، فلزم من القول باشتراط النية اشتراط ذكر النفس ، ولا يحصل التفسير بالنية لما في الفتح حيث قال : والإيقاع بالاختيار على خلاف القياس ، فيقتصر على مورد النص ; ولولا هذا لأمكن الاكتفاء بتفسير القرينة الحالية دون المقالية إن نوى الزوج وقوع الطلاق به وتصادقا عليه ، لكنه باطل ا هـ نعم حيث كان الاختلاف المار إنما هو في الوقوع قضاء ينبغي أن يقال إن ذكر الزوج النفس مع التكرار لا يشترط معه النية اتفاقا ، لما علمته من أن مناط الاختلاف هو أن التكرار هل يقوم مقام ذكر النفس في الدلالة على إرادة الطلاق أو لا ، فإذا وجد التصريح بذكر النفس تعينت الدلالة على إرادة الطلاق ، فلا يبقى محل للخلاف في اشتراط النية قضاء ، لأن ذكر النفس يكذبه في دعواه أنه لم ينو كما مر في كنايات الطلاق من أن الدلالة أقوى من النية لكونها ظاهرة والنية باطنة ، فتعين كون الخلاف المار في أنه هل تشترط النية في صورة التكرار أو لا تشترط ، محله إذا لم يذكر النفس أو ما يقوم مقامها ، هذا ما ظهر لي في هذا المقام فتدبره فإنه مفرد ، ومن هنا ظهر لك أنه لا تنافي بين قوله هنا بلا نية وقوله في أول الباب ينوي الطلاق لأن ما ذكره أولا من اشتراط النية إنما هو فيما إذا لم تذكر النفس ونحوها من المفسرات في كلام الزوج وإنما ذكرت في كلام المرأة فتشترط النية لتتم علة البينونة كما قدمناه سابقا عن الفتح ، وقدمنا أن الغضب أو المذاكرة يقوم مقام النية في القضاء .

أما إذا ذكرت النفس ونحوها في كلامه فلا حاجة إلى النية في القضاء لوجود ما يختص بالبينونة ، وهل التكرار في كلامه مفسر كالنفس فيغني عن النية أو لا ؟ فيه الخلاف الذي سمعته ، وأما إذا لم تذكر النفس أو نحوها لا في كلامه ولا في كلامها لا يقع أصلا وإن نوى كما مر ( قوله ثلاثا ) يوجد في بعض النسخ ذكرها قبل قوله بلا نية ، وهو الذي في المنح ، وهو الأنسب لإفادته أن الثلاث لا تشترط لها النية أيضا ط ( قوله في اخترت الأولى ) قيد به لأن في قولها اخترت أو اخترت اختيارة يقع ثلاث اتفاقا ، وكذا اخترت مرة أو بمرة أو دفعة أو بدفعة أو بواحدة أو اختيارة واحدة تقع الثلاث في قولهم بحر .

( قوله إلى آخره ) أي أو الوسطى أو الأخيرة ، فالمراد أنها قالت اخترت الأولى ، أو قالت اخترت الوسطى أو قالت الأخيرة ، ويحتمل كون المراد أنها ذكرت الثلاثة مع العطف بأو ( قوله وأقره الشيخ علي المقدسي ) فيه أن المقدسي في شرحه على نظم الكنز إنما حكى القولين ثم ذكر توجيه قولهما وأعقبه بتوجيه قول الإمام ( قوله فقد أفاد إلخ ) فيه أن قول الإمام مشى عليه أصحاب المتون وأخر دليله في الهداية فكان هو المرجح عنده على عادته ، وأطال في الفتح وغيره في توجيهه ودفع ما يرد عليه ، وتبعه في البحر والنهر فكان هو المعتمد لأصحاب المتون والشروح ، فلا يعارضه اعتماد الحاوي القدسي ( قوله في جواب التخيير المذكور ) أي المكرر ثلاثا كما في النهر . وعبارة البحر : في جواب قوله اختاري ( قوله في الأصح ) الأنسب إبداله بقوله [ ص: 323 ] هو الصواب لأن ما في الهداية وبعض نسخ الجامع الصغير من أنه يملك الرجعة جزم الشارحون بأنه غلط .

وما في البحر من أنه رواية رده في النهر ( قوله لتفويضه بالبائن ) لأن لفظ التخيير كناية فيقع به البائن ( قوله فلا تملك غيره ) لأنه لا عبرة لإيقاعها بل لتفويض الزوج ; ألا ترى أنه لو أمرها بالبائن أو الرجعي فعكست وقع ما أمر به الزوج بحر ( قوله فاختارت نفسها ) أشار إلى أن اخترت كما يصلح جوابا للاختيار يصلح جوابا للأمر باليد كما يأتي أفاده ط ( قوله والمفيد للبينونة إلخ ) جواب عن سؤال هو أن كلا من أمرك بيدك واختاري يفيد البينونة فلا يجوز صرفه عنها إلى غيرها . قال السائحاني : ومن هنا يعلم أن قوله لزوجته روحي طالقة رجعي .

( قوله كعكسه ) يعني أن الصريح إذا قرن بالكناية كان بائنا نحو أنت طالق بائن ( قوله بخلاف ) الباء للسببية متعلق بقيد : أي إنما قيد بفي بسبب مخالفة إلخ وقوله ومثلها الباء اعتراض ح ( قوله فهي بائنة ) لأنه فوض إليها بلفظ البائن ، وذكر الصريح علة أو غاية لا على أنه هو المفوض ، بخلاف في لأنه جعل الأمر مظروفا في التطليقة والباء هنا بمعنى " في " رحمتي ( قوله كما لو جعل أمرها بيدها ) أي بأن قال أمرك بيدك لو لم إلخ فقوله لو لم تصل شرط ، وقوله أمرك بيدك دليل جوابه وقوله فطلقي تفسير لكون أمرها بيدها ح ( قوله لأن لفظة الطلاق ) علة للمسائل الثلاث ط ( قوله لم تكن في نفس الأمر ) أي في نفس الأمر باليد : أي لم تكن معمولا له ، وليس المراد بنفس الأمر الواقع ح ( قوله فلم تختر ) يعني لم يكن لها الخيار كما عبر به في البحر ، وحيث ارتكب الشارح هذا التركيب كان عليه أن يحذف الفاء كما لا يخفى ح . وفي بعض النسخ : فلا خيار لها ما لم يخيرها ( قوله بخلاف أخبرها بالخيار ) أي فقبل أن يخبرها سمعت فاختارت نفسها وقع لأن الأمر بالإخبار يقتضي تقدم المخبر عنه ، فكان هذا إقرارا من الزوج بثبوت الخيار لها بحر ( قوله وقع ثنتان ) إحداهما بالمشيئة وأخرى بالخيار لأنه فوض إليها طلاقين أحدهما صريح والآخر كناية فالكناية حال ذكر الصريح لا تفتقر إلى نية بحر ( قوله اتحد ) حتى إذا ردت في اليوم بطل أصلا هندية ومثله إذا قال اختاري في اليوم وغد كما في البحر ط ( قوله ولو واختاري غدا ) بأن قال اختاري اليوم واختاري غدا ، فهما خياران بقرينة إعادة ذكر الاختيار ط وسيأتي ما يتحد وما يتعدد في الباب الثاني ( قوله قال اختاري في اليوم إلخ ) لما ذكره معرفا انصرف إلى المعهود وهو الحاضر ولم يمكن تخييرها في الماضي منه فكانت مخيرة إلى انقضائه ، وذلك بغروب الشمس في اليوم وبرؤية الهلال في الشهر وبتمام ذي الحجة في السنة كما لو حلف لا يكلمه اليوم أو الشهر أو السنة ، وأما لو نكره انصرف إلى كامله وكان ابتداؤه من حين التخيير فينتهي بمثله من الغد ، فيدخل ما بينهما من الليل ضرورة مع أن الليل لا يتبع اليوم المفرد ، وكأن هذه المسألة مستثناة من ذلك رحمتي ، وما ذكره الشارح مأخوذ من الجوهرة .

وعبارة البحر في الفصل الآتي عن الذخيرة : لو قال أمرك بيدك يوما أو شهرا أو سنة فلها الأمر من تلك الساعة [ ص: 324 ] إلى استكمال المدة المذكورة ا هـ وهذه العبارة تحتمل أنه يكون المراد أنه يكمل من الليل أو يكمل من اليوم الثاني مع دخول الليل وعدمه ، لكن صرحوا في الأيمان في : لا أكلمه يوما ، بتكميله من اليوم الثاني مع دخول الليل كما مر عن الرحمتي ( قوله وإلى تمام ثلاثين يوما ) لأن التفويض حصل في بعض الشهر فلا يمكن اعتبار الأهلة فيه فيعتبر بالأيام بالإجماع ذخيرة ، ومفهومه أنه لو كان حين أهل الهلال يعتبر بالهلال كما في مسألة الإجارة ( قوله في الليلة الأولى ويومها ) لأن الرأس الأول ، وتحت الشهر نوعان : الليل والنهار ، فأول الليالي الليلة الأولى ، وأول الأشهر اليوم الأول ط ( قوله ولا يبطل المؤقت ) أي الخيار المؤقت بيوم أو شهر أو سنة بالإعراض في مجلس العلم بل يمضي الوقت المعين علمت بالتخيير أو لا ، أما الخيار المطلق فيبطل بالإعراض ط والله أعلم .




الخدمات العلمية