الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب الأمر باليد هو كالاختيار إلا في نية الثلاث لا غير ( إذا قال لها ) ولو صغيرة لأنه كالتعليق بزازية ( أمرك بيدك ) أو بشمالك أو أنفك أو لسانك ( ينوي ثلاثا ) أي تفويضها ( فقالت ) في مجلسها ( اخترت نفسي بواحدة ) أو قبلت نفسي ، أو اخترت أمري ، أو أنت علي حرام ، أو مني بائن ، أو أنا منك بائن أو طالق [ ص: 325 ] ( وقعن ) وكذا لو قال أبوها قبلتها خلاصة ، وينبغي أن يقيد بالصغيرة ( وأعرتك طلاقك ) وأمرك بيد الله ويدك وأمري بيدك على المختار خلاصة ( كأمرك بيدك ) وذكر اسمه تعالى للتبرك ، وإن لم ينو ثلاثا فواحدة ; ولو طلقت ثلاثا فقال نويت واحدة ولا دلالة حلف وتقبل بينتها على الدلالة كما مر ( واتحاد المجلس وعلمها ) وذكر النفس أو ما يقوم مقامها ( شرط ، فلو جعل أمرها بيدها ولم تعلم ) بذلك ( وطلقت نفسها لم تطلق ) لعدم شرط خانية .

( وكل لفظ يصلح للإيقاع منه يصلح للجواب منها وما لا ) يصلح للإيقاع منه ( فلا ) يصلح للجواب منها ، فلو قالت : أنا طالق أو طلقت نفسي وقع ، بخلاف طلقتك لأن المرأة توصف بالطلاق دون الرجل اختيار ( إلا لفظ الاختيار خاصة ) [ ص: 326 ] فإنه ليس من ألفاظ الطلاق ويصلح جوابا منها بدائع ، لكن يرد عليه صحته بقبولها وقبول أبيها كما مر فتدبر ، وفي قولها في جوابه ( طلقت نفسي واحدة أو اخترت نفسي بتطليقة بانت بواحدة ) لما تقرر أن المعتبر تفويض الزوج لا إيقاعها .

( ولا يدخل الليل في ) قوله ( أمرك بيدك اليوم وبعد غد ) لأنهما تمليكان ( فإن ردت الأمر في يومها بطل الأمر في ذلك اليوم فكان أمرها بيدها بعد غد ) [ ص: 327 ] ولو طلقت ليلا لم يصح ولا تطلق إلا مرة ( ويدخل ) الليل ( في أمرك بيدك اليوم وغدا ، وإن ردته في يومها لم يبق في الغد ) لأنه تفويض واحد .

( ولو قال أمرك بيدك اليوم وأمرك بيدك غدا فهما أمران ) خانية ولم يذكر خلافا ; ولا يدخل الليل كما لا يخفى .

[ تنبيه ] ظاهر ما مر أنه يرتد بردها ، لكن في العمادية أنه يرتد قبل قبوله لا بعده [ ص: 328 ] كالإبراء ، وأنه في المتحد لا يبقى في الغد ، لكن في الولوالجية : أمرك بيدك إلى رأس الشهر فقالت اخترت زوجي بطل خيارها في اليوم ، ولها أن تختار نفسها في الغد عند الإمام . ووجهه في الدراية بأنه متى ذكر الوقت اعتبر تعليقا وإلا فتمليكا . [ ص: 329 ] بقي لو طلقها بائنا هل يبطل أمرها إن كان التفويض منجزا ، نعم وإن معلقا كإن دخلت الدار فأمرك بيدك أو مؤقتا لا عمادية ; لكن في البحر عن القنية : ظاهر الرواية أن المعلق كالمنجز .

التالي السابق


الأمر هنا بمعنى الحال واليد بمعنى التصرف بحر عن المصباح ، فالمعنى باب بيان حال طلاق المرأة الذي جعله زوجها في تصرفها ط وقدمنا أن المناسب الترجمة هنا بالفصل بدل الباب ( قوله هو كالاختيار ) أي في اشتراط النية ، وذكر النفس أو ما يقوم مقامها ، وعدم ملك الزوج الرجوع ، وتقيده بمجلس التفويض أو مجلس علمها إذا كانت غائبة أو بالمدة إذا كان مؤقتا ( قوله إلا في نية الثلاث ) فإنها تصح هنا لا في التخيير لأن الأمر جنس يحتمل الخصوص والعموم ، فأيهما نوى صحت نيته . وما في البدائع من عدم اشتراط ذكر النفس هنا مخالف لعامة الكتب كما في البحر والنهر ( قوله ولو صغيرة ) هذه واقعة الفتوى التي قدمناها في الباب المار عن الذخيرة ( قوله لأنه كالتعليق ) أي لأنه وإن كان تمليكا لكن فيه معنى التعليق كما مر بيانه في التخيير ( قوله أمرك بيدك ) مثله المعلق ، كإن دخلت الدار فأمرك بيدك ، فإن طلقت نفسها كإن وضعت القدم فيها طلقت وإن بعد ما مشت خطوتين لم تطلق لأنها طلقت بعدما خرج الأمر من يدها بحر عن المحيط .

وفي العتابية : وإن مشت خطوة بطل فيحمل على ما إذا كانت رجلها فوق العتبة والأخرى دخلت بها ، وما سبق على ما إذا كانت خارج العتبة فبأول خطوة لم تتعد أول الدخول ، وبالثانية تتعدى ويخرج الأمر من يدها مقدسي ( قوله أو بشمالك إلخ ) وفي البزازية : أمرك في عينيك وأمثاله يسأل عن النية بحر ( قوله ينوي ثلاثة ) أشار إلى أنه لا بد من نية التفويض ديانة أو دلالة الحال قضاء كما في البحر ، وسيأتي محترز قوله ثلاثة ( قوله أي تفويضها ) أي تفويض الثلاث ، وأشار إلى أن هذه الألفاظ كناية عن التفويض لا عن الإيقاع ، حتى لو نوى بها الإيقاع لم يقع لأن لفظها لا يحتمل ذلك وهو ظاهر في غير الأمر باليد ، أما هو فيحتمل الإيقاع لأنه إذا أبانها كان أمرها بيدها وكأنه لم يجعل كناية عنه لعدم التعارف رحمتي ( قوله في مجلسها ) استفيد هذا القيد من الفاء التعقيبية نهر ، [ ص: 325 ] وهذا قيد في التفويض المطلق عن الوقت كما مر ( قوله وقعن ) أي الثلاث لأن الاختيار يصلح جوابا للأمر باليد لكونه تمليكا كالتخيير والواحدة صفة للاختيار فصار كأنها قالت اخترت نفسي بمرة واحدة وبذلك تقع الثلاث نهر . أما طلقي نفسك فإن الاختيار لا يصلح جوابا له كما يأتي في الفصل الآتي ( قوله وينبغي إلخ ) فيه نظر .

وعبارة الخلاصة عن المنتقى : لو جعل أمرها بيد أبيها فقال أبوها قبلتها طلقت ، وكذا لو جعل أمرها بيدها فقالت قبلت نفسي طلقت ا هـ وفي مثل هذا لا يتوقف على صغرها لأنه يصح أن يجعل الأمر بيد أجنبي وإن كانت بالغة ، وليس في عبارة الخلاصة أنه جعل أمرها بيدها فقبل أبوها حتى يتأتى ما بحثه الشارح تبعا لصاحب النهر رحمتي .

قلت : على أنه إذا جعل أمرها بيدها يكون في معنى التعليق على اختيارها نفسها ، فلا يصح من أبيها ولو كانت صغيرة ، وكذا لو جعله بيد أبيها لا يصح منها ولو كبيرة لعدم وجود المعلق عليه ( قوله وذكر اسمه تعالى للتبرك ) أي فتنفرد المخاطبة بالأمر ( قوله وإن لم ينو ثلاثا ) محترز قوله ينوي ثلاثا ، وهو صادق بأن لم ينو عددا أو نوى واحدة أو ثنتين في الحرة فإنها تقع واحدة بائنة وقدمنا أنه لا بد من نية التفويض إليها ديانة أو يدل الحال عليه قضاء بحر ( قوله ولا دلالة ) أما إذا وجدت الدلالة على الثلاث كمذاكرتها أو الإشارة بثلاث أصابع فيعمل بها ، وهذا أولى من قول النهر كما إذا كان في حال الغضب أو مذاكرة الطلاق فإنه لا يدل على نية الثلاث ط ( قوله وتقبل بينتها على الدلالة ) أي على الغضب أو المذاكرة مثلا ، ولا تقبل على النية إلا أن تقام على إقراره بها كما في النهر عن العمادية ( قوله كما مر ) أي في أول الكنايات ح ( قوله أو ما يقوم مقامها ) كالاختيارة واخترت أمري ط وكاخترت أبي أو أمي أو أهلي أو الأزواج كما يعلم مما مر في التخيير فالظاهر أيضا أن التكرار هنا مثله هناك ( قوله فلو جعل أمرها بيدها إلخ ) محترز قوله : وعلمها وترك الآخرين لظهورهما فلو اختارت نفسها بعد انقضاء المجلس لا يقع ، وهذا إذا أطلق ، أما إذا وقته كأمرك بيدك يوما فلها الخيار ما دام الوقت ، ولو قال لها أمرك بيدك فقالت اخترت ولم تقل نفسي ولا ما يقوم مقامها لم يقع رحمتي ( قوله لم تطلق ) كالوكيل لا يصير وكيلا قبل العلم بالوكالة حتى لو تصرف لا يصح تصرفه ، بخلاف الوصي لأنه خلافة كالوكالة بزازية ( قوله وكل لفظ إلخ ) نقل هذا الأصل في البحر عن البدائع ، ولم أر من أوضحه .

والذي ظهر لي في بيانه أنه ليس المراد تخصيص اللفظ بمادته وهيئته ولا بتغيير الضمائر والهيئات كما قيل : بل المراد أن تسند اللفظ إلى ما لو أسنده إليه الزوج يقع به الطلاق ، فبهذا يكون ما يصلح للإيقاع منه يصلح للجواب منها ، فقولها : أنت علي حرام أو أنت مني بائن أو أنا منك بائن يصلح للجواب كما مر لأنها أسندت الحرمة والبينونة في الأولين إلى الزوج وهو لو أسندهما إليها يقع بأن قال : أنا عليك حرام أو أنا منك بائن ، وفي الثالث أسندت البينونة إلى [ ص: 326 ] نفسها وهو لو أسندها إلى نفسها يقع بأن قال : أنت مني بائن ، وكذا قولها أنا طالق أو طلقت نفسي أسندت الطلاق إلى نفسها فيصح جوابا لأنه لو أسند الطلاق إليها يقع ، بخلاف قولها طلقتك ، ومثله قولها أنت مني طالق لأنها أسندت الطلاق إليه ، وهو لو أسنده إلى نفسه لم يقع ; فحيث لم يكن صالحا للإيقاع منه لم يصلح للجواب منها فهذا هو الصواب في تقرير هذا الضابط ، وبه سقط ما قيل إنه منقوض بهذا الأخير لأنه لو قال لها طلقتك يقع ، وهو مبني على أن المراد تغيير الضمائر والهيئات وليس كذلك بل المراد ما ذكرنا .

ثم اعلم أن المراد من قولهم : كل ما صلح للإيقاع من الزوج : ما يصلح له بلا توقف على نية بعد طلبها منه الطلاق لما في جامع الفصولين : الأصل أن كل شيء من الزوج طلاق إذا سألته فأجابها به ، فإذا أوقعت مثله على نفسها بعدما صار الطلاق بيدها تطلق ، فلو قالت : طلقني فقال أنت حرام أو بائن أو خلية أو برية تطلق ، فلو قالته بعدما صار الطلاق بيدها تطلق أيضا ، ولو قالت له طلقني فقال الحقي بأهلك وقال لم أنو طلاقا صدق ، فلو قالته بعدما صار الأمر بيدها بأن قالت ألحقت نفسي بأهلي لا تطلق أيضا ا هـ أي لأنه من الكنايات التي تحتمل الرد فتوقف على النية في حالة الغضب والمذاكرة ، فلا تتعين للإيقاع بعد سؤالها الطلاق إلا بالنية ، بخلاف حرام وبائن فإنه يقع بلا نية في حال المذاكرة ، وبه اندفع ما في البحر من استشكاله الفرق بين ألحقت نفسي وأنا بائن فافهم ( قوله فإنه ليس من ألفاظ الطلاق ) لأنه لو نوى به الإيقاع لم يقع لأنه كناية تفويض لا إيقاع ، لكنه ثبت بالإجماع على خلاف القياس كما مر ، ومثله : أمرك بيدك ، وإنما لم يستثنه لأنه لا يصلح جوابا منها ، بأن تقول أمري بيدي كما صرح به في البحر ( قوله لكن يرد عليه ) أي على هذا الضابط صحته أي صحة الجواب منها بقولها قبلت أو قول أبيها ذلك إذا كان التفويض إليه مع أن القبول لا يصلح للإيقاع منه ، وهذا الإيراد لصاحب البحر وقد يجاب عنه بأن قولها قبلت عبارة عن اخترت نفسي فهو داخل تحت المستثنى ( قوله لما تقرر إلخ ) علة لقوله بانت ، يعني وإن أجابت بالصريح الواقع به الرجعي ، لكن يقع بائنا لأن المعتبر تفويض الزوج ، وتفويضه إنما يكون بالبائن لأنها به تملك أمرها لا بالرجعي .

وأما علة وقوع الواحدة دون الثلاث فهي أن الواحدة في كلامها صفة لمصدر هو طلقة إذ خصوص العامل اللفظي قرينة خصوص المقدر ، وبهذا وقع الفرق بين طلقت نفسي بواحدة واخترت نفسي بواحدة ، واندفع ما قيل إنه ينبغي وقوع الوحدة في الثاني أيضا ، وتمامه في الفتح ( قوله ولا يدخل الليل ) أراد بالليل الجنس فيشمل الليلتين ، وكذا لا يدخل اليوم الفاصل وسكت عنه لظهوره ح . وفي الحاوي القدسي : ولا يدخل الليلان وغد فيه ( قوله لأنها تمليكان ) قال في البحر : لأن عطف زمن على زمن مماثل مفصول بينهما بزمن مماثل لهما ظاهر في قصد تقييد الأمر المذكور بالأول وتقييد أمر آخر بالثاني ، فيصير لفظ ( اليوم ) مفردا غير مجموع إلى ما بعده في الحكم المذكور لأنه صار عطف جملة على جملة : أي أمرك بيدك اليوم وأمرك بيدك بعد غد ، ولو أفرد اليوم لا يدخل الليل فكذا إذا عطف جملة أخرى . ا هـ . ح ( قوله فكان أمرها بيدها بعد غد ) الذي شرح عليه المصنف وكان بالواو وهي [ ص: 327 ] الأولى ط . قلت : وهي كذلك في بعض النسخ ( قوله ولو طلقت ) مضعف مبني للمعلوم حذف مفعوله ، يعني ولو طلقت نفسها ليلا : أي في إحدى الليلتين لا يصح ، وهذا تصريح بما فهم من قوله ولا يدخل الليل ح ( قوله ولا تطلق إلا مرة ) أراد بهذا دفع ما يتوهم من اقتضاء كونهما تمليكين جواز أن تطلق نفسها مرتين في كل يوم مرة . ا هـ . ح . أقول : هذا يحتاج إلى نقل صريح بهذا المعنى لأن كونهما تمليكين يدل على أن لها أن تطلق نفسها اليوم بعد غد .

في المنح : لما ثبت أنهما أمران لانفصال وقتهما ثبت لها الخيار في كل واحد من الوقتين على حدة فبرد أحدهما لا يرتد الآخر وفيه خلاف زفر . ا هـ . فالظاهر أن مراد الشارح أنها لا تطلق في كل يوم إلا مرة .

قال في البدائع . ولو اختارت نفسها في الوقت مرة ليس لها أن تختار مرة أخرى لأن اللفظ يقتضي الوقت لا التكرار ذكر ذلك في بحث المؤقت كاليوم والشهر ، فإذا كان تمليكين في وقتين فلها أن تختار في كل واحد منهما مرة فقط ويدل عليه ما نذكره قريبا عن البدائع أيضا فافهم ( قوله وإن ردته إلخ ) عطف على قوله ويدخل الليل لبيان الفرق بين هذه المسألة والتي قبلها من وجهين : أحدهما أن لها أن تطلق نفسها ليلا . والثاني لو ردت الأمر اليوم لم تملكه في الغد ، وبه علم أن العطف بالواو أحسن منه بالفاء فافهم ( قوله لم يبق في الغد ) قال في الهداية : هو ظاهر الرواية . وعن أبي حنيفة لها أن تختار نفسها غدا لأنها لا تملك رد الأمر كما لا تملك رد الإيقاع . ا هـ . ( قوله لأنه تفويض واحد ) لأنه لم يفصل بينهما بيوم آخر وكان جمعا بحرف الجمع في التمليك الواحد ، فهو كقوله أمرك بيدك يومين ، وفيه تدخل الليلة المتوسطة استعمالا لغويا وعرفيا بحر ( قوله فهما أمران ) قال في البدائع : حتى لو اختارت زوجها اليوم أو ردت الأمر فهي على خيارها غدا ، لأنه لما كرر اللفظ فقد تعدد التفويض فرد أحدهما لا يكون ردا للآخر ، ولو اختارت نفسها في اليوم الأول فطلقت ثم تزوجها قبل الغد فأرادت أن تختار نفسها فلها ذلك ، وتطلق أخرى لأنه ملكها بكل واحد من التفويضين طلاقا ; فالإيقاع بأحدهما لا يمنع الإيقاع بالآخر ا هـ فهذا دليل على ما ذكرناه في المسألة الأولى من أن لها أن تطلق في كل يوم مرة واحدة ( قوله ولم يذكر خلافا ) أي لم يذكر في الخانية خلافا في كونهما أمرين ، فما في الهداية من تخصيص أبي يوسف برواية ذلك عنه ليس لإثبات الخلاف وإنما هو لأنه مخرج الفرع المذكور كما في الفتح ( قوله ولا يدخل الليل ) لأنه أثبت لها الأمر في يوم مفرد والثابت في اليوم الذي يليه أمر آخر فتح ( قوله ظاهر ما مر ) أي من قوله فإن ردت الأمر في يومها بطل الأمر في ذلك اليوم ، وإنما قال ظاهر لاحتمال أن يراد برد الأمر اختيارها زوجها لا قولها رددته ، وستسمع التفصيل فيه ح ( قوله لكن في العمادية إلخ ) فيه اختصار ، فكان عليه أن يقول وفي الذخيرة أنه لا يرتد ، ووفق في العمادية إلخ .

وبيان ذلك أن الحكم بصحة ردها مناقض لما في الذخيرة من أنه لو جعل أمرها بيدها أو يد أجنبي ثم ردت [ ص: 328 ] الأمر أو رده الأجنبي لا يصح لأن هذا تمليك شيء لازم فيقع لازما ، والمسألة مروية عن أصحابنا رحمهم الله تعالى . ا هـ .

قال العمادي في فصوله : والتوفيق أنه يرتد باليد عند التفويض لا بعد قبوله نظيره الإقرار ، فإن من أقر لإنسان بشيء فصدقه المقر له ثم رد إقراره لا يصح الرد ا هـ ومشى على هذا التوفيق شراح الهداية واختار المحقق ابن الهمام في الفتح توفيقا آخر ، وهو أن المراد بقولهم فإن ردت الأمر في يومها بطل هو اختيارها زوجها اليوم ، وحقيقته انتهاء ملكها ، والمراد بما في الذخيرة أن تقول رددت ا هـ وإليه يرشد قول الهداية لأنها إذا اختارت نفسها اليوم لا يبقى لها الخيار في غد فكذا إذا اختارت زوجها برد الأمر . ووفق في جامع الفصولين بأنه يحتمل أن يكون في المسألة روايتان لأنه تمليك من وجه ، فيصح رده قبل قبوله نظرا إلى التمليك ، ولا يصح نظرا إلى التعليق لا قبله ولا بعده ، فرواية صحة الرد نظرا للتمليك وفساده نظرا للتعليق ا هـ . واستظهره في البحر ، وأيده بأنه في الهداية نقل رواية عن أبي حنيفة بأنها لا تملك رد الأمر كما لا تملك رد الإيقاع ، وقال : فلا حاجة إلى ما تكلفه ابن الهمام والشارحون . وأورد قبل ذلك ما قاله العمادي والشارحون أن قولها بعد القبول رددت إعراض مبطل لخيارها وتابعه على هذا الإيراد المقدسي فقال : وهذا حيث أبطلوه بما يدل على الإعراض والرد كالأكل والشرب ولم يبطلوه بصريح الرد ا هـ .

أقول : هذا مدفوع بأن الكلام في المؤقت وقد صرحوا بأنه لا يبطل بالقيام عن المجلس والأكل والشرب ما لم يمض الوقت ، بخلاف المطلق عن الوقت كما مر ( قوله قبل قبوله ) مصدر مضاف لمفعوله : أي قبول المرأة التفويض ( قوله كالإبراء ) أي عن الدين فإنه بعد ثبوته لا يتوقف على القبول ، ويرتد بالرد لما فيه من معنى الإسقاط والتمليك فتح ( قوله وأنه في المتحد ) عطف على قوله إنه يرتد بردها أي وظاهر ما مر أيضا أنه في المتحد ، مثل أمرك بيدك اليوم وغدا لا يبقى الغد ، وفيه أن هذا منصوص في كلام المصنف صريحا ، وقوله لكن إلخ استدراك على قوله لا يبقى في الغد ( قوله إلى رأس الشهر ) أي الشهر الآتي ( قوله بطل خيارها في اليوم إلخ ) المراد باليوم والغد المجلس كما عبر به في التتارخانية لا خصوص اليوم الأول والثاني ( قوله ولها أن تختار نفسها في الغد ) أي فقد بقي مع أنه من المتحد ح ( قوله عند الإمام ) وكذا عند محمد وقال أبو يوسف : خرج الأمر من يدها في الشهر كله . وذكر في البدائع أن بعضهم ذكر الخلاف على العكس : أي أنه يخرج الأمر في الشهر كله عندهما لا عند أبي يوسف ، وكذا في التتارخانية وقال إنه الصحيح ( قوله بأنه متى ذكر الوقت ) أي كأمرك بيدك اليوم وغدا أو إلى رأس الشهر اعتبر تعليقا أي والتعليق لا يرتد بالرد وإلا : أي وإن لم يذكر الوقت كأمرك بيدك يعتبر تمليكا أي والتمليك يرتد قبل قبوله كما مر ، وفيه نظر من وجهين .

الأول أن القبول هنا بمعنى اختيارها أحد الأمرين نفسها أو زوجها ، فإذا قالت اخترت زوجي وجد القبول فلا تملك الرد بعده باختيارها نفسها فلا فرق حينئذ بين اعتبار التعليق والتمليك فليتأمل .

الثاني ما أورده ح من أن هذا التوجيه لا يدفع التناقض بين ما في المتن وما في الولوالجية لأنه يقتضي أن يبقى الأمر بيدها في الغد إذا اختارت زوجها اليوم في أمرك بيدك اليوم وغدا مع أنه خلاف ما نص عليه المصنف . وأجاب ط بأن مقصود الشارح ثبوت التناقض لا دفعه . [ ص: 329 ]

أقول : والجواب عن التناقض أن الخلاف جار في مسألة المتن أيضا كما قدمناه عن الهداية . وفي البدائع : ولو قال أمرك بيدك اليوم وغدا فهو على ما مر من الاختلاف ، وصرح به الولوالجي أيضا فقال في مسألة اليوم وغدا : لو ردت الأمر في اليوم يبقى في الغد . وفي الجامع الصغير لا يبقى ، وعليه الفتوى ا هـ وقد علمت مما مر من حكاية الخلاف في مسألة الشهر أن الأمر لا يبقى في الغد عندهما خلافا لأبي يوسف فافهم ( قوله بقي لو طلقها بائنا إلخ ) قيد بالبائن لأنه لو طلقها رجعيا بقي أمرها قولا واحدا ح وأراد الشارح الجواب عن مناقضة أخرى بين كلامهم فإن العمادي ذكر في فصوله أنه لو قال أمرك بيدك ثم طلقها بائنا خرج من يدها في ظاهر الرواية ، وقال في موضع آخر لا يخرج ، ثم وفق بحمل الأول على التفويض المنجز والثاني على المعلق . قال في النهر : وأصله ما مر من أن البائن لا يلحق البائن إلا إذا كان معلقا ( قوله لكن في البحر إلخ ) استدراك على توفيق العمادي ، فإنه صرح في القنية بأنه إذا قال : إن فعلت كذا فأمرك بيدك ثم طلقها قبل وجود الشرط طلاقا بائنا ثم تزوجها يبقى الأمر في يدها ثم رقم ، لا يبقى في ظاهر الرواية ، فهذا صريح في أن المعلق يخرج كالمنجز في ظاهر الرواية .

قال في البحر : فالحق أن في المسألة اختلاف الرواية ، وأن ظاهر الرواية بطلانه بالإبانة لو طلقت نفسها في العدة لا بعد زوج آخر لقولهم : إن زوال الملك بعد اليمين لا يبطلها والتخيير بمنزلة التعليق . وأجاب في النهر بأن ما في القنية مبني على الطلاق ، وظاهر الرواية وهو مقيد بما مر من التوفيق .

قلت : ويؤيده ما في شرح المقدسي عن الخلاصة . قال السرخسي : قال لامرأته : اختاري ثم طلقها بائنا بطل الخيار ، وكذا الأمر باليد ، ولو رجعيا لا يبطل ، أصله أن البائن لا يلحق البائن ، فلو تزوجها في العدة أو بعدها لا يعود الأمر ، بخلاف ما إذا كان الأمر معلقا بشرط ثم أبانها ثم وجد الشرط . وفي الإملاء : لو قال اختاري إذا شئت أو أمرك بيدك إذا شئت ثم طلقها واحدة بائنة ثم تزوجها واختارت نفسها عند أبي حنيفة تطلق بائنا . وعند أبي يوسف لا . قال الإمام السرخسي قوله ضعيف ا هـ فظهر بهذا قوة ما وفق به في الفصول .

فإن قلت : نفس الاختيار فيه معنى التعليق فينبغي أن لا يكون فرق ، قلنا : الفرق بين التعليق الصريح وما فيه معنى التعليق ظاهر لا يخفى على من عنده نوع تحقيق . ولبعضهم هنا كلام يغني النظر إليه عن التكلم عليه ا هـ . والظاهر أنه أراد بالبعض صاحب البحر ، فإن ما ذكره من عدم الفرق بين المنجز والمعلق وتقييده البطلان بما إذا طلقت نفسها في العدة لا بعدها بناء على أن التخيير بمنزلة التعليق يرده صريح كلام السرخسي فافهم




الخدمات العلمية