الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولو طلقت بعد زوج آخر لا يقع ) إن كانت طلقت نفسها ثلاثا متفرقة وإلا فلها تفريقها بعد زوج آخر وهي مسألة الهدم الآتية ( أنت طالق حيث شئت أو أين شئت لا تطلق إلا إذا شاءت في المجلس ، وإن قامت من مجلسها قبل مشيئتها لا ) مشيئة لها [ ص: 338 ] لأنهما للمكان ولا تعلق للطلاق به فجعلا مجازا عن إن لأنها أم الباب . ( وفي كيف شئت يقع ) في الحال ( رجعية ، فإن شاءت بائنة أو ثلاثا وقع ) ما شاءته ( مع نيته ) وإلا فرجعية لو موطوءة وإلا بانت وبطل الأمر ، وقول الزيلعي والعيني قبل الدخول صوابه بعده فتنبه . [ ص: 339 ]

( وفي كم شئت أو ما شئت لها أن تطلق ما شاءت ) في مجلسها ولم يكن بدعيا للضرورة ( وإن ردت ) أو أتت بما يفيد الإعراض ( ارتد ) لأنه تمليك في الحال فجوابه كذلك .

( قال لها طلقي ) نفسك ( من ثلاث ما شئت تطلق ما دون الثلاث ، ومثله اختاري من الثلاث ما شئت ) لأن من تبعيضية . وقالا : بيانية ، فتطلق الثلاث ، والأول أظهر .

التالي السابق


( قوله لا يقع ) لأن التعليق إنما ينصرف إلى الملك القائم وهو الثلاث ، فباستغراقه ينتهي التفويض بحر ( قوله وإلا ) أي وإن لم تطلق نفسها أصلا أو طلقت نفسها ثلاثا في مجلس أو طلقت نفسها واحدة فقط أو ثنتين في مجلس ح .

مطلب في مسألة الهدم

( قوله وهي مسألة الهدم الآتية ) أي في آخر باب الرجعة ، وهي أن الزوج الثاني يهدم ما دون الثلاث كما يهدم الثلاث ، فمن طلق امرأته واحدة أو أكثر ثم عادت إليه بعد زوج آخر عادت إليه بملك جديد فيملك عليها ثلاث طلقات ، وهذا عندهما . وعند محمد إنما يهدم الثاني الثلاث فقط لا ما دونها ، فمن طلق امرأته ثنتين ثم عادت إليه بعد زوج آخر عادت إليه بما بقي وهو طلقة واحدة ، فإذا طلقها بعد العود طلقة واحدة لا تحرم عليه حرمة غليظة عندهما وعنده تحرم ; وكذا إذا قال : كلما دخلت الدار فأنت طالق فدخلتها مرتين ووقع عليها الطلاق وانقضت عدتها ثم عادت إليه بعد زوج آخر ; فعندهما تطلق كلما دخلت الدار إلى أن تبين بثلاث طلقات خلافا لمحمد كما ذكره الزيلعي في باب التعليق عند قوله وتعليق الثلاث يبطل تنجيزه . وعبارة البحر هنا : قيدنا بكونه بعد الطلاق الثلاث [ ص: 338 ] لأنها لو طلقت نفسها واحدة أو ثنتين ثم عادت إليه بعد زوج آخر فلها أن تفرق الثلاث خلافا لمحمد وهي مسألة الهدم الآتية ا هـ وهو موافق لما نقلناه عن الزيلعي ، ومثله في الفتح وغاية البيان ، وهذا صريح في أنها بعد العود لها أن تطلق نفسها ثلاثا متفرقة عندهما . وعند محمد تطلق ما بقي فقط ، فتفريق الثلاث مبني على قولهما لا على قول محمد فافهم ، نعم يشكل على هذا التعليل المار بأن التعليق إنما ينصرف إلى الملك القائم وهو الثلاث ، فإنه يقتضي أنها لو طلقت نفسها ثنتين ثم عادت إليه بعد زوج آخر ليس لها أن تطلق نفسها أصلا عندهما لأنها عادت إليه بملك حادث ، وطلقات الملك الأول هدمها الزوج الثاني .

ولا إشكال على قول محمد من أنها تطلق واحدة فقط لأنها الباقية لكون الزوج الثاني لم يهدم ما دون الثلاث عنده ثم رأيت المحقق في الفتح أفاد الجواب عن ذلك في باب التعليق بما حاصله أن قولهم إن المعلق طلقات هذا الملك الثلاث مقيد بما دام مالكا لها فإذا زال ملكه لبعضها صار المعلق ثلاثا مطلقة ( قوله لأنهما للمكان ) فحيث ظرف مكان مبني على الضم وأين ظرف مكان يكون استفهاما ، فإذا قيل أين زيد لزم الجواب بتعيين مكانه ويكون شرطا أيضا وتزاد فيه " ما " فيقال أينما تقم أقم بحر عن المصباح ( قوله ولا تعلق للطلاق به ) ولذا لو قال أنت طالق بمكة أو في مكة كان تنجيزا للطلاق كما مر فتكون طالقا في كل مكان في الحال بخلاف الزمان فإن الطلاق يتعلق به ( قوله فجعلا مجازا عن إن إلخ ) جواب عن إيرادين .

أحدهما أنه إذا ألغى ذكر المكان صار أنت طالق شئت ، وبه يقع للحال كأنت طالق دخلت الدار .

ثانيهما أنه إذا كان مجازا عن الشرط فلم حمل على إن دون متى مما لا يبطل بالقيام عن المجلس . والجواب عن الأول أنه جعل الظرف مجازا عن الشرط لأن كلا منهما يفيد ضربا من التأخير وهو أولى من إلغائه بالكلية . وعن الثاني بأن حمله على إن أولى لأنها أم الباب ولأنها حرف الشرط وفيه يبطل بالقيام ، أفاده في الفتح ( قوله ويقع في الحال رجعية إلخ ) أي تطلق طلقة رجعية بمجرد قوله ذلك شاءت أو لا ، ثم إن قالت شئت بائنة أو ثلاثا وقد نوى الزوج ذلك تصير كذلك للموافقة ، وهذا عنده . أما عندهما فما لم تشأ لم يقع شيء فعنده أصل الطلاق لا يتعلق بمشيئتها بل صفته وعندهما يتعلقان معا ، وتمامه في الفتح .

وكتبت في حاشيتي على شرح المنار الفرق بين هذا التفويض وعامة التفويضات حيث لم تحتج إلى نية الزوج أن المفوض هاهنا حال الطلاق وهو متنوع بين البينونة والعدد فيحتاج إلى النية لتعيين أحدهما بخلاف عامة التفويضات ( قوله وإلا فرجعية ) صادق بما إذا شاءت خلاف ما نوى وبما إذا لم ينو شيئا ، والمراد الأول لما في الفتح : وإن اختلفا بأن شاءت بائنة والزوج ثلاثا أو على القلب فهي رجعية لأنه لغت مشيئتها لعدم الموافقة ، فبقي إيقاع الزوج بالصريح ، ونيته لا تعمل في جعله بائنا أو ثلاثا ولو لم تحضر الزوج نية لم يذكره في الأصل ، ويجب أن تعتبر مشيئتها ، حتى لو شاءت بائنة أو ثلاثا ولم ينو الزوج يقع ما أوقعت بالاتفاق إلخ . ا هـ . ( قوله لو موطوءة ) قيد لقوله رجعية في الموضعين وتقدم في باب المهر نظما أن المختلى بها كالموطوءة في لزوم العدة ، وكذا في وقوع طلاق آخر في عدتها فافهم ( قوله وإلا ) أي بأن كانت غير مدخول بها طلقت طلقة بائنة وخرج الأمر من يدها لفوات محليتها بعدم العدة كذا في الفتح أما المختلى بها فتلزمها العدة كما علمت فتطلق رجعية ولا يخرج الأمر من يدها فافهم ( قوله وقول الزيلعي ) عبارته : وثمرة الخلاف تظهر في موضعين [ ص: 339 ] فيما إذا قامت عن المجلس قبل المشيئة ، وفيما إذا كان ذلك قبل الدخول فإنه يقع عنده طلقة رجعية وعندهما لا يقع شيء والرد كالقيام ا هـ ح ( قوله لها أن تطلق ما شاءت ) أي واحدة أو ثنتين أو ثلاثا ، ويتعلق أصل الطلاق بمشيئتها بالاتفاق بخلاف مسألة كيف شئت على قوله لأن كم اسم للعدد وما شئت تعميم للعدد والواحد عدد على اصطلاح الفقهاء فكان التفويض في نفس العدد والواقع ليس إلا العدد إذا ذكر ، فصار التفويض في نفس الواقع فلا يقع شيء ما لم تشأ فتح .

[ تنبيه ] لم يذكر اشتراط النية من الزوج وشرطه الشارح في شرحه على المنار ، وكذا في شرح المرقاة . وذكر في الكشف أنه رأى بخط شيخه . معلما بعلامة البزدوي أن مطابقة إرادة الزوج شرط لأنه لما كان للعدد المبهم احتيج إلى النية وأقره في التقرير ، لكن ظاهر الهداية والفتح وغيره أنه لا يشترط واستظهره صاحب البحر في شرحه على المنار لأنه لا اشتراك لأن المفوض إليها القدر فقط وله أفراد فلا إبهام ، بخلافه في كيف لأن المفوض إليها الحال وهو مشترك كما قدمناه . قلت : وهو ظاهر المتون أيضا ( قوله في مجلسها ) لأنه تمليك فيقتصر عليه كما مر ( قوله ولم يكن بدعيا ) قال في البحر : وأفاد بقوله ما شاءت أن لها أن تطلق أكثر من واحدة من غير كراهة ، ولا يكون بدعيا إلا ما أوقعه الزوج لأنها مضطرة إلى ذلك لأنها لو فرقت خرج الأمر من يدها . ا هـ .

قلت : وكذا لو كانت حائضا ، وقد مر التصريح به في أول الطلاق . قال ط : ويقال نظير ذلك في كيف شئت السابق إذا أوقعت ثلاثا مع النية ( قوله وإن ردت ) بأن قالت لا أطلق فتح ( قوله بما يفيد الإعراض ) كالنوم والقيام عن المجلس ( قوله لأنه تمليك في الحال ) احتراز عن إذا ومتى ، يعني هذا تمليك منجز غير مضاف إلى وقت في المستقبل فاقتضى جوابا في الحال فتح ( قوله والأول أظهر ) لأنه لو كان المراد البيان لكفى قوله طلقي ما شئت كما في النهر عن التحرير ح




الخدمات العلمية