الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( طلق حاملا منكرا وطأها فراجعها ) قبل الوضع ( فجاءت بولد لأقل من ستة أشهر ) من وقت الطلاق ولستة أشهر ( فصاعدا ) من وقت النكاح ( صحت ) رجعته السابقة ، وتوقف ظهور صحتها على الوضع لا ينافي صحتها قبله ، فلا مسامحة في كلام الوقاية .

التالي السابق


( قوله : طلق حاملا ) أي من ظهر كونها حاملا وقت الطلاق بولادتها لأقل من ستة أشهر من وقت الطلاق ( قوله : فراجعها قبل الوضع ) هذا زاده المصنف تبعا لصدر الشريعة كما يأتي لأنه بعد الوضع لا مراجعة ( قوله : فجاءت بولد لأقل من ستة أشهر فصاعدا من وقت النكاح ) كذا في أكثر النسخ ، وفي بعضها فجاءت بولد لأقل من ستة أشهر من وقت الطلاق ، ولستة أشهر فصاعدا من وقت النكاح ، وهذه هي الصواب لأنه بذلك يعلم أن الولد علق بعد النكاح قبل الطلاق ( قوله : صحت رجعته السابقة ) أي المذكورة في قوله فراجعها قبل الوضع ، أي ظهر بهذه الولادة أن تلك الرجعة كانت صحيحة وإن كان مقتضى إنكاره الوطء أنها تصح لأنها على زعمه قبل الدخول ; والمطلقة قبله لا رجعة لها ، لكن لما ثبت نسبه صار مكذبا شرعا فصحت رجعته .

مطلب فيما قيل إن الحبل لا يثبت إلا بالولادة

( قوله : وتوقف ظهور صحتها إلخ ) اعلم أنه قال في الوقاية طلق ذات حمل ، أو ولد وقال : " لم أطأ " : راجع . ا هـ . ومثله في الكنز والهداية وغيرهما .

واعترضهم المحقق صدر الشريعة بأن ذات الحمل فيها إشكال وذلك أن وجود الحمل وقت الطلاق إنما يعرف إذا ولدته لأقل من ستة أشهر من وقته ، وإذا ولدت انقضت العدة فكيف يملك الرجعة . ولا يرد أنه يملك الرجعة قبل وضع الحمل أي بأن يحكم بصحتها قبله لأنه لما أنكر الوطء لم يكن مكذبا شرعا إلا بعد الولادة لأقل من ستة أشهر لا قبلها ، فالصواب أن يقال : ومن طلق حاملا منكرا وطأها فراجعها فجاءت بولد لأقل من ستة أشهر صحت الرجعة ا هـ ملخصا ، وقد تبعه المصنف في متنه كما رأيت ، وقد أشار الشارح إلى الجواب عن الوقاية بأن قوله راجع معناه أنه لو راجع قبل الولادة صحت رجعته متوقفة على الولادة لأقل من ستة أشهر من وقت الطلاق ، وتوقف ظهور صحتها على الولادة لا ينافي صحتها لكن لا يخفى ما في ذلك من البعد ، لكن انتصر في البحر للمشايخ ، ورد قول صدر الشريعة أن وجود الحمل إلخ بأن الحمل يثبت قبل الوضع ويثبت به النسب ، لما صرحوا به في باب خيار العيب أن حمل الجارية المبيعة يثبت بظهوره قبل الوضع ، وفي باب ثبوت النسب أنه يثبت بالحبل الظاهر ا هـ أي وإذا كان الحمل يثبت قبل الولادة يمكن الحكم بصحة الرجعة قبلها . ورده أيضا يعقوب باشا في حواشيه عليه من وجهين : أحدهما ما مر عن البحر . والثاني أنه سيجيء في المسألة الآتية أنه لو راجعها ثم ولدته لأقل من عامين ثبت نسبه . قال : فعلم أن الحمل يعرف بالولادة لأكثر من ستة أشهر . ا هـ . وأقره في النهر .

أقول : وقد أجاب عن الوجه الأول العلامة المقدسي حيث قال : إن كلام صدر الشريعة تحقيق بالقبول حقيق .

[ ص: 406 ] وقول من رده بأن الحمل يثبت قبل الوضع ويثبت النسب به قبله مردود . أما ما استدل به في باب خيار العيب فرواية ضعيفة عن محمد أنه يرد بشهادة المرأة بالعيب . وعن أبي يوسف روايتان أظهرهما أنه إنما يقبل قولها للخصومة لا للرد ، وأما ما في باب ثبوت النسب من قولهم الحبل الظاهر فإنما يثبت النسب بالفراش والولادة بقول المرأة ، والخلاف هناك معروف أن أبا حنيفة يقول إذا جحد الزوج ولادة المعتدة لا تثبت إلا بشهادة رجلين ، أو رجل وامرأتين إلا أن يكون الحبل ظاهرا فيثبت معه بشهادة المرأة وهي القابلة ، فليس في هذا أن الحبل يثبت وإنما ظهوره يؤيد شهادة المرأة . وأما ثبوته فمتوقف على الولادة كما نص عليه في المبسوط فيما لو قال إن حبلت فطالق ، فقال : لو وطئها مرة فالأفضل أن لا يقربها ، ثم قال : إن أتت بولد بعد قوله المذكور لأكثر من سنتين يقع الطلاق وتنقضي العدة بالولد ، فلم يثبته إلا بالولادة على الوجه المخصوص ، وظهوره لا يسمى ثبوتا ولا يترتب عليه ما يتوقف على الثبوت . ا هـ .

قلت : وفيه نظر ، فإن الذي حرره الزيلعي هناك أن الولادة تثبت بقول المرأة ولدت إذا كان هناك حبل ظاهر ، أو فراش قائم أو اعتراف من الزوج بظهور الحبل ، حتى لو علق طلاقها بولادتها يقع بقولها ولدت عند أبي حنيفة ، وشهادة القابلة شرط عنده لتعيين الولد ، وعندهما لا تثبت الولادة إلا بشهادة القابلة ، فقد ظهر أن الولادة تثبت بظهور الحبل عنده ، وقد قال العلامة قاسم هناك : إن المراد بظهوره أن تظهر أماراته بحيث يغلب ظن كل من شاهدها بكونها حاملا ، نعم يعتبر ظهوره حيث لم يعارضه غيره كما في مسألتنا فإن إقراره بأنه لم يطأ ينافي صحة رجعته ما لم يظهر كذبه بأن تلد لدون ستة أشهر . ونظيره ما لو أخبرت المعتدة بانقضاء عدتها ثم ادعت الحبل ، فإنهم لم ينظروا إلى ظهور الحبل وإنما نظروا إلى ولادتها ، فإذا ولدت لأقل من ستة أشهر من وقت الإخبار ثبت النسب للتيقن بكذبها ، ولو لأكثر فلا للتناقض ، فلم ينظروا إلى ظهور الحبل عند التناقض ، وإنما نظروا إلى ما يظهر به كذب الإخبار الأول يقينا ، فهذا مؤيد لما قاله صدر الشريعة .

وأما الجواب عن الوجه الثاني فهو أن الطلاق في المسألة الآتية مفروض بعد إقراره بالخلوة بها ، والطلاق بعد الخلوة موجب للعدة ، ومعتدة الرجعي إذا لم تقر بانقضاء عدتها وجاءت بولد ثبت نسبه ، لكن إن ولدته لأكثر من سنتين كانت الولادة رجعة وإلا لا لجواز علوقه قبل الطلاق كما سيأتي في العدة ، فإذا ثبت نسبه وكان قد راجعها بالقول مثلا تبين صحة تلك الرجعة بالولادة لأقل من عامين ، أما في مسألتنا فإنه يقدر بالخلوة لتلزمها العدة فإذا طلقها يكون طلاقا قبل الدخول ظاهرا فلا عدة عليها ، فإذا ولدت لأقل من ستة أشهر من وقت الطلاق تبين أن الطلاق كان بعد الدخول وأنها معتدة ، فإذا كان قد راجعها قبل الولادة تبين صحة الرجعة لأنها في العدة ، بخلاف ما إذا ولدت بعد ستة أشهر من وقت الطلاق فإنه لا يعلم أن الرجعة كانت في العدة ولا يثبت نسب الولد ، لما صرحوا به من أن الأصل أن كل امرأة لم تجب عليها العدة ، فإن نسب ولدها لا يثبت من الزوج إلا إذا علم يقينا أنه منه بأن تجيء به لأقل من ستة أشهر . وبه ظهر أنه لا فرق بين المسألتين في توقف صحة الرجعة على الولادة وثبوت النسب ، وأن النسب لا يثبت في مسألتنا إلا بالولادة لأقل من ستة أشهر من وقت الطلاق للعلم بأنها علقت به قبل الطلاق وأنها معتدة ، بخلاف المسألة الآتية لأنها [ ص: 407 ] مفروضة في المختلى بها الواجب عليها العدة فتصح رجعتها وإن ولدت لأكثر من ستة أشهر ، فاغتنم تحرير هذا المقام الذي زلت فيه الأفهام والسلام ، فافهم .




الخدمات العلمية