الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وينكح مبانته بما دون الثلاث في العدة وبعدها بالإجماع ) ومنع غيره فيها لاشتباه النسب ( لا ) ينكح ( مطلقة ) من نكاح صحيح نافذ [ ص: 410 ] كما سنحققه ( بها ) أي بالثلاث ( لو حرة وثنتين لو أمة ) ولو قبل الدخول ، وما في المشكلات باطل ، أو مؤول كما مر ( حتى يطأها غيره ولو ) الغير ( مراهقا ) يجامع مثله ، وقدره شيخ الإسلام بعشر سنين ، [ ص: 411 ] أو خصيا ، ، أو مجنونا ، أو ذميا لذمية ( بنكاح ) نافذ خرج الفاسد والموقوف ، فلو نكحها عبد بلا إذن سيده ووطئها قبل الإجازة لا يحلها حتى يطأها بعدها .

التالي السابق


مطلب في العقد على المبانة .

( قوله : وينكح مبانته بما دون الثلاث ) لما ذكر ما يتدارك به الطلاق الرجعي ذكر ما يتدارك به غيره فتح ولذا عقد له في الهداية هنا فصلا ( قوله : بالإجماع ) راجع إلى قوله في العدة وهو جواب عن سؤال هو أن قوله : { ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله } يعني انقضاء العدة عام ، فكيف جاز للزوج تزوجها في العدة والنص بعمومه يمنعه ، والجواب أنه خص منه العدة من الزوج نفسه بالإجماع ( قوله : ومنع غيره ) أي غير الزوج في العدة لاشتباه النسب بالعلوق ، فإنه لا يوقف على حقيقته أنه من الأول ، أو الثاني ، وهذا حكمة شرعية العدة في الأصل ، والمراد بذكرها هنا بيان عدم المنع من تحصيص الزوج بالإجماع لا بيان علته لأنه يرد عليه الصغيرة والآيسة ، وعدة الوفاة قبل الدخول ، ومعتدة الصبي والحيضة الثانية والثالثة فإنه لا اشتباه في ذلك ، ولا يجوز التزوج في المدة لعلة أخرى هي إظهار خطر المحل أو هو حكم تعبدي ، وتمام بيانه في الفتح .

( قوله : لا ينكح مطلقة ) تقديره لفظ " ينكح " هو مقتضى العطف على ما قبله ، لكن الأولى أن يزيد ولا يطأ بملك يمين لأنه كما لا يحل له نكاحها بالعقد لا يحل له وطؤها بالملك كما يأتي ، ولو قال لا تحل كما في الآية الكريمة لشمل كلا منهما ( قوله : من نكاح صحيح نافذ ) احترز بالصحيح عن الفاسد ، وهو ما عدم بعض شروط الصحة ككونه بغير شهود فإنه لا حكم قبل الوطء . وبعده يجب مهر المثل ، والطلاق فيه لا ينقص عددا لأنه متاركة فلو طلقها ثلاثا لا يقع شيء وله تزوجها بلا محلل كما تقدم آخر باب الصريح ، واحترز بالنافذ عن الموقوف [ ص: 410 ] ففي نكاح الرقيق من الفتاوى الهندية عن المحيط : إذا تزوج العبد ، أو المكاتب ، أو المدبر أو ابن أم الولد بلا إذن المولى ثم طلقها ثلاثا قبل إجازة المولى فهذا الطلاق متاركة النكاح لا طلاق على الحقيقة حتى لا ينقص من عدد الطلاق فإن أجاز المولى النكاح بعد لا تعمل إجازته .

وإن أذن له بتزوجها بعده كرهت له تزوجها ولم أفرق بينهما . ا هـ . ( قوله : كما سنحققه ) أي في باب العدة حيث قال هناك : والخلوة في النكاح الفاسد لا توجب العدة ، والطلاق فيه لا ينقص عدد الطلاق لأنه فسخ جوهرة ا هـ ولم يذكر الموقوف هناك لأنه من أقسام الفاسد . ويحتمل أن مراده ما يأتي قريبا من قوله خرج الفاسد والموقوف إلخ فإنه وإن كان في المحلل لكنه يفهم أنه في الذي طلق غير معتبر أيضا وليس مراده الإشارة إلى تحقيق ما يأتي بعده من قوله ثم هذا كله فرع صحته النكاح الأول إلخ . لأن مراده به صحته في المذاهب كلها كما ستعرفه ، وليس مما نحن فيه فافهم ( قوله : وما في المشكلات ) حيث قال : من طلق امرأته قبل الدخول بها ثلاثا فله أن يتزوجها بلا تحليل . وأما قوله تعالى { فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره } ففي المدخول بها ( قوله : باطل ) أي إن حمل على ظاهره ، ولذا قال في الفتح : إنه زلة عظيمة مصادمة للنص والإجماع لا يحل لمسلم رآه أن ينقله فضلا عن أن يعتبره لأن في نقله إشاعته وعند ذلك ينفتح باب الشيطان في تخفيف الأمر فيه . ولا يخفى أن مثله مما لا يسوغ الاجتهاد فيه لفوات شرطه من عدم مخالفة الكتاب والإجماع ، نعوذ بالله من الزيغ والضلال ، والأمر فيه من ضروريات الدين لا يبعد إكفار مخالفه . ا هـ .

أقول : وإياك أن تغتر بما ذكره الزاهدي في آخر الحاوي في أول كتاب الحيل فإنه عقد فيه فصلا في حيلة تحليل المطلقة ثلاثا ، وذكر فيه هذه المسألة غير قابلة للتأويل الآتي ، وذكر حيلا كثيرة كلها باطلة مبنية على ما يأتي رده من الاكتفاء بالعقد بدون وطء ( قوله : أو مؤول ) أي بما قاله العلامة البخاري في شرحه غرر الأذكار على درر البحار ولا يشكل ما في المشكلات لأن المراد من قوله ثلاثا ثلاث طلقات متفرقات ليوافقن ما في عامة الكتب الحنفية ا هـ وقدمنا تأييد هذا التأويل بجواب صاحب المشكلات عن الآية ، فإن الطلاق ذكر فيها مفرقا مع التصريح فيها بعدم الحل ، فأجاب بها في المدخول بها فافهم ( قوله : كما مر ) أي في أول باب طلاق غير المدخول بها ( قوله : حتى يطأها غيره ) أي حقيقة ، أو حكما ، كما لو تزوجت بمجبوب فحبلت منه كما سيأتي ، وشمل ما لو وطئها حائضا ، أو محرمة ، وشمل ما لو طلقها أزواج كل زوج ثلاثا قبل الدخول فتزوجت بآخر ودخل بها تحل للكل بحر ، ولا بد من كون الوطء بالنكاح بعد مضي عدة الأول لو مدخولا بها ، وسكت عنه لظهوره . ثم اعلم أن اشتراط الدخول ثابت بالإجماع فلا يكفي مجرد العقد . قال القهستاني : وفي الكشف وغيره من كتب الأصول أن العلماء غير سعيد بن المسيب اتفقوا على اشتراط الدخول ، وفي الزاهدي أنه ثابت بإجماع الأمة . وفي المنية أن سعيدا رجع عنه إلى قول الجمهور ، فمن عمل به يسود وجهه ويبعد ، ومن أفتى به يعزر ، وما نسب إلى الصدر الشهيد فليس له أثر في مصنفاته بل فيها نقيضه . وذكر في الخلاصة عنه أن من أفتى به فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، فإنه مخالف الإجماع ولا ينفذ قضاء القاضي به وتمامه فيه .

( قوله : ولو مراهقا ) هو الداني من البلوغ نهر ولا بد أن يطلقها بعد البلوغ لأن طلاقه غير واقع در منتقى عن التتارخانية ( قوله : يجامع مثله ) تفسير للمراهق ذكره في الجامع ، وقيل هو الذي تتحرك آلته ويشتهي النساء كذا في الفتح ، ولا يخفى أنه لا تنافي بين القولين نهر . والأولى أن يكون حرا بالغا : فإن الإنزال شرط عند مالك كما في الخلاصة .

[ ص: 411 ] مطلب : مال أصحابنا إلى بعض أقوال مالك رحمه الله ضرورة

فالأولى الجمع بين المذهبين لأنه كالتلميذ لأبي حنيفة ولذا مال أصحابنا إلى بعض أقواله ضرورة كما في ديباجة المصفى قهستاني .

وفي حاشية الفتال : وذكر الفقيه أبو الليث في تأسيس النظائر أنه إذا لم يوجد في مذهب الإمام قول في مسألة يرجع إلى مذهب مالك لأنه أقرب المذاهب إليه . ا هـ . ( قوله : أو خصيا ) بفتح الخاء : وهو من قطعت خصيتاه ، وإنما جاز تحليله لوجود الآلة ط ( قوله : أو مجنونا ) بنونين ح ، وفي نسخة ، أو مجبوبا بباءين : وهو الذي لم يبق له شيء يولجه في محل الختان ، لكن شرط تحليله أن تحبل منه كما يأتي ( قوله : أو ذميا لذمية ) أي ولو كان التحليل لأجل زوجها المسلم كما في البحر ( قوله : خرج الفاسد والموقوف ) أي خرجا بقيد النافذ . وفيه أن الفاسد يقابل الصحيح لا النافذ ، لأن النافذ من العقود ما لا يتوقف على إجازة غير العاقد فالبيع بشرط فاسد نافذ بالمعنى المذكور ، نعم الموقوف فيه طريقان للمشايخ ، قيل هو قسم من الصحيح ، وقيل من الفاسد كما سيأتي تحقيقه في البيوع إن شاء الله تعالى فعلى الطريق الثاني كل موقوف فاسد ، ولا عكس لغويا ، ويقال أيضا كل صحيح نافذ ولا يصح العكس على الطريقين فافهم ، وبه علم أنه كان ينبغي للمصنف متابعة الكنز وغيره في التعبير بنكاح صحيح ، فيخرج الفاسد وكذا الموقوف على أحد الطريقين . وقد يجاب بأن النكاح المطلق هو الصحيح فيخرج به الفاسد ( قوله : ووطئها قبل الإجازة لا يحلها ) أي وإن أجاز بعد ، ولعل وجهه أن النكاح المشروط بالنص ينصرف إلى الكامل لأنها المعهود شرعا بخلاف الفاسد والموقوف وإلا فقد صرحوا بأن الموقوف ينعقد سببا في الحال ويتأخر حكمه إلى وقت الإجازة فيظهر بها الحل من وقت العقد .




الخدمات العلمية