الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( خلع الأب صغيرته بمالها ، أو مهرها طلقت ) في الأصح ، كما لو قبلت هي وهي مميزة ولم يلزم المال لأنه تبرع وكذا الكبيرة إلا إذا قبلت فيلزمها المال ، ولا يصح من الأم ما لم تلزم البدل ولا على صغير أصلا ( كما لو خالعت ) المرأة ( بذلك ) أي بمالها ، أو بمهرها [ ص: 458 ] ( وهي غير رشيدة ) فإنها تطلق ولا يلزم ، حتى لو كان بلفظ الطلاق يقع رجعيا فيهما شرح وهبانية ( فإن خالعها ) الأب على مال ( ضامنا له ) أي ملتزما لا كفيلا لعدم وجوب المال عليها ( صح والمال عليه ) كالخلع مع الأجنبي فالأب أولى ( بلا سقوط مهر ) لأنه لم يدخل تحت ولاية الأب .

التالي السابق


مطلب في خلع الصغيرة .

( قوله : طلقت ) أي بائنا لو بلفظ الخلع كما يأتي ، ومر أيضا ( قوله : في الأصح ) وقيل لا تطلق لأنه معلق بلزوم المال وقد عدم . ووجه الأصح أنه معلق بقبول الأب وقد وجد بزازية ( قوله : كما لو قبلت هي ) أشار بالكاف إلى أنها مسألة اتفاقية فافهم . قال في الفتح : هذا أي ما ذكر من الخلاف إذا قبل الأب ، فإن قبلت وهي عاقلة تعقل أن النكاح جالب والخلع سالب وقع الطلاق بالاتفاق ولا يلزمها المال . ا هـ . قلت : ويقع كثيرا أنه يطلقها بمقابلة إبرائها إياه من مهرها . والظاهر أنه يقع الرجعي لعدم سقوط المهر .

ثم رأيت في جامع الفصولين ما نصه : واقعة : وقال لامرأته الصبية : أنت طالق بمهرك فقبلت ينبغي أن تطلق رجعيا ولا يسقط المهر ا هـ ويأتي ما يؤيده عن شرح الوهبانية ( قوله : ولم يلزم المال ) أي لا عليها ولا على الأب على قول ابن سلمة وعنه : يلزمه وإن لم يضمن ، جامع الفصولين . وأما إذا ضمنه فلا كلام في لزومه عليه وهي مسألة المتن الآتية . قال في البحر : ومذهب مالك أن الأب إذا علم أن الخلع خير لها بأن كان الزوج لا يحسن عشرتها فالخلع على صداقها صحيح فإن قضى به قاض نفذ قضاؤه كذا في البزازية ، والمراد بالقاضي المالكي ( قوله : وكذا الكبيرة إلخ ) أي إذا خلعها أبوها بلا إذنها فإنه لا يلزمها المال بالأولى لأنه كالأجنبي في حقها . وفي الفصولين : إذا ضمنه الأب ، أو الأجنبي وقع الخلع . ثم إن أجازت نفذ عليها وبرئ الزوج من المهر وإلا ترجع به على الزوج والزوج على المخالع ، وإن لم يضمن توقف الخلع على إجازتها ، فإن أجازت جاز وبرئ الزوج عن المهر وإلا لم يجز . قال في الذخيرة : ولا تطلق . وقال غيره : ينبغي أن تطلق لأنه معلق بالقبول وقد وجد ا هـ أي بقبول المخالع . وفي البزازية : وإن لم يضمن توقف على قبولها في حق المال . قال : وهذا دليل على أن الطلاق واقع ، وقيل : لا يقع إلا بإجازتها . ا هـ . ( قوله : ولا يصح من الأم إلخ ) قال في البحر : قيد بالأب لأنه لو جرى الخلع بين زوج الصغيرة وأمها ، فإن أضافت الأم البدل إلى مال نفسها ، أو ضمنت تم الخلع كالأجنبي وإلا فلا رواية فيه . والصحيح أنه لا يقع الطلاق ، بخلاف الأب ( قوله : ولا على صغير أصلا ) قال في البحر : وقيد بالأنثى ، لأنه لو خلع ابنه الصغير لا يصح ولا يتوقف خلع الصغير على إجازة الولي . وحاصله أنه في الصغير لا يلزم المال مع وقوع الطلاق ، وفي الصغير لا وقوع أصلا .

[ ص: 458 ] مطلب في خلع غير الرشيدة .

( قوله : وهي غير رشيدة ) الرشد : كون الشخص مصلحا في ماله ولو فاسقا كما سيأتي في الحجر . وذكروا هناك أن الحجر بالسفه يفتقر عند أبي يوسف إلى قضاء كالحجر بالدين . وقال محمد : يثبت بمجرد السفه وهو تبذير المال وتضييعه على خلاف الشرع . وظاهر ما في شرح الوهبانية اعتماد الثاني ، فإنه قال عن المبسوط : وإذا بلغت المرأة مفسدة فاختلعت من زوجها بمال جاز الخلع لأن وقوع الطلاق في الخلع يعتمد القبول وقد تحقق منها ، ولم يلزمها المال لأنها التزمته لا لعوض هو مال ولا لمنفعة ظاهرة فتجعل كالصغيرة ، فإن كان طلقها تطليقة على ذلك المال يملك رجعتها لأن وقوعه بالصريح لا يوجب البينونة إلا بوجوب البدل ، بخلاف ما إذا كان بلفظ الخلع ا هـ ملخصا ( قوله : فإنها تطلق إلخ ) تصريح بوجه المشابهة بين مسألتي الصغيرة وغير الرشيدة ، وقوله : فيهما : أي في المسألتين .

( قوله : فإن خالعها ) أي الصغيرة ( قوله : على مال ) شمل المهر ( قوله : لعدم وجوب المال عليها ) فلم تتحقق الكفالة لأنها ضم ذمة الكفيل إلى ذمة الأصيل في المطالبة ، ولا مطالبة على الأصيل ط ( قوله : كالخلع من الأجنبي ) أي الفضولي . وحاصل الأمر فيه أنه إذا خاطب الزوج ، فإن أضاف البدل إلى نفسه على وجه يفيد ضمانه له ، أو ملكه إياه كاخلعها بألف علي ، أو على أني ضامن ، أو على ألفي هذه ، أو عبدي هذا ففعل صح والبدل عليه ، فإن استحق لزمه قيمته ولا يتوقف على قبول المرأة ، وإن أرسله بأن قال : على ألف ، أو على هذا العبد ، فإن قبلت لزمها تسليمه ، أو قيمته إن عجزت ، وإن أضافه إلى غيره كعبد فلان اعتبر قبول فلان ; ولو خاطبها الزوج ، أو خاطبته بذلك اعتبر قبولها سواء كان البدل مرسلا ، أو مضافا إليها ، أو إلى الأجنبي ، ولا يطالب الوكيل بالخلع بالبدل إلا إذا ضمنه ويرجع به عليها ، وتمامه في البحر ( قوله : فالأب أولى ) لأنه يملك التصرف في نفسها ومالها فتح ( قوله : بلا سقوط مهر ) أي سواء كان الخلع على المهر أو على ألف مثلا ، ولكن إذا كان على المهر فلها أن ترجع به على الزوج ، والزوج يرجع به على الأب لضمانه ، أما لو كان على ألف فإنها إذا رجعت بالمهر على الزوج لا يرجع به على الأب لأنه لم يضمن له المهر بل ضمن له الألف وكلام الفتح محمول على هذا التفصيل كما في النهر وشرح المقدسي ، خلافا لما فهمه في البحر فحكم عليه بالخطأ ، وما ذكره الشارح في شرح الملتقى في حل هذا المحل فيه إيجاز مخل .




الخدمات العلمية