الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( فإن لم يجد ) المظاهر ( ما يعتق ) وإن احتاجه لخدمته ، أو لقضاء دينه لأنه واجد حقيقة بدائع ، فما في الجوهرة : له عبد للخدمة لم يجز الصوم إلا أن يكون زمنا انتهى يعني العبد ليتوافق كلامهم ، ويحتمل رجوعه للمولى ، لكنه يحتاج إلى نقل ، ولا يعتبر مسكنه . ولو له مال [ ص: 476 ] وعليه دين مثله ، إن أدى الدين أجزأه الصوم وإلا فقولان . ولو له مال غائب انتظره . ولو عليه كفارتان وفي ملكه رقبة فصام عن إحداهما ثم أعتق عن الأخرى لم يجز ، وبعكسه جاز ( صام شهرين ولو ثمانية وخمسين ) بالهلال وإلا فستين يوما ، ولو قدر على التحرير في آخر الأخير لزمه العتق وأتم يومه ندبا ، ولا قضاء لو أفطر وإن صار نفلا ( متتابعين قبل المسيس ليس فيهما رمضان وأيام نهي عن صومها ) وكذا كل صوم شرط فيه التتابع .

التالي السابق


( قوله : فإن لم يجد ) أي وقت الأداء لا وقت الوجوب بحر وسيأتي في الفروع ( قوله : وإن احتاجه لخدمته ) مبالغة على المفهوم ، فكأنه قال أما إن وجد تعين عتقه وإن احتاجه لخدمته ( قوله : أو لقضاء دينه إلخ ) قال في البحر : وفي البدائع : لو كان في ملكه رقبة صالحة للتكفير يجب عليه تحريرها سواء كان عليه دين ، أو لم يكن لأنه واجد حقيقة . ا هـ . وحاصله أن الدين لا يمنع تحرير الرقبة الموجودة ويمنع وجوب شرائها بمال على أحد القولين . ا هـ . ( قوله : يعني العبد ) أي إن الضمير في قوله " يكون زمنا " راجع للعبد ، وهذا التأويل لصاحب البحر ، وتبعه في النهر والمنح والشرنبلالية ( قوله : ويحتمل إلخ ) هذا هو المتبادر ، فإن كونه للخدمة ينافي كونه زمنا ( قوله : لكنه يحتاج إلى نقل ) أي لأن ما في الجوهرة محتمل ، وعارضه ما في التتارخانية من قوله ومن ملك رقبة لزمه العتق وإن كان يحتاج إليها . ا هـ . وكذا قول البدائع لأنه واجد حقيقة أي فإن النص دل على إجزاء الصوم عند عدم الوجدان ، وهذا واجد .

فإن قلت : المحتاج إليه كالعدم ولذا جاز التيمم مع وجود الماء المحتاج إليه للعطش مع أن إجزاء التيمم مرتب في النص على عدم وجدان الماء .

قلت : ذكر في الفتح أن الفرق عندنا أن الماء مأمور بإمساكه لعطشه واستعماله محظور عليه ، بخلاف الخادم . ونقل ط عن السيد الحموي ولو قيل بجواز الصوم إذا كان المولى زمنا لا يجد من يخدمه إذا أعتقه كان له وجه وجيه . فإيجاب إعتاقه مع ذلك مما يخالف قواعد الشريعة ، فلا يحتاج إلى نقل بخصوصه كما لا يخفى ( قوله : ولا يعتبر مسكنه ) أي لا يكون به قادرا على العتق فلا يتعين عليه بيعه وشراء رقبة بل يجزئه الصوم لأنه كلباسه ولباس أهله خزانة ، وتقييدهم بالمسكن يفيد أنه لو كان له بيت غير مسكنه لزمه بيعه . وفي الدر المنتقى : ولا تعتبر ثيابه التي لا بد له منها . ا هـ .

ومفاده لزوم بيع ما لا يحتاجه منها ط ( قوله : ولو له مال إلخ ) أي ثمن عبد فاضلا عن قدر كفايته . [ ص: 476 ] لأن قدرها مستحق الصرف فصار كالعدم ومنها قدر كفايته لقوت يومه لو محترفا وإلا فقوت شهر بحر . والحاصل أن المسألة على ثلاثة أوجه : إن ملك الرقبة لا يجزئه الصوم ولو محتاجا إليها على ما مر تفصيله ، وإن وجد غيرها مما هو مشغول بحاجته الأصلية كالمسكن فهو بمنزلة العدم لأنه ليس عين الواجب ولا معدا لتحصيله ; وإن وجد ما أعد لتحصيله كالدراهم والدنانير وهو مشغول بحوائجه الأصلية ، فإن صرفها إليه يجزئه الصوم لتحقق عجزه وإلا فقولان : أحدهما أنه يصح بمنزلة المعدوم لحاجته إليه ، والآخر أنه مالك لما أعد لتحصيله ، فهو واجد للرقبة حكما أفاده الرحمتي ، والقولان المذكوران يشير إليهما كلام محمد كما أوضحه في البحر ( قوله : ولو له مال غائب انتظره ) أي ليعتق به ، ولا يجزئه الصوم ، وكذا لو كان مريضا مرضا يرجى برؤه فإنه ينتظر الصحة ليصوم بحر ، بخلاف ما إذا كان لا يرجى برؤه فإنه يطعم كما سيأتي ، وفي البحر عن المحيط : لو له دين لا يقدر على أخذه من مديونه يجزئه الصوم ، وإن قدر فلا ، وكذا لو وجبت عليها كفارة وقد تزوجها زوجها على عبد وهو قادر على أدائه إذا طالبته ا هـ ( قوله : لم يجز ) أي الصوم عن الأولى ، أما الإعتاق فجائز مطلقا ، ثم هذا ذكره في البحر بحثا ، وأقره عليه في النهر والمقدسي أخذا مما في المحيط : عليه كفارتا يمين وعنده طعام يكفي لإحداهما فصام عن إحداهما ثم أطعم عن الأخرى لا يجوز صومه لأنه أطعم وهو قادر على التكفير بالمال ( قوله : بالهلال ) حال من لفظ الشهرين المقدر بعد " لو " ، وفي بعض النسخ لو بالهلال .

وحاصله أنه إذا ابتدأ الصوم في أول الشهر كفاه صوم شهرين تامين ، أو ناقصين ، وكذا لو كان أحدهما تاما والآخر ناقصا ( قوله : وإلا ) أي وإن لم يكن صومه في أول الشهر برؤية الهلال بأن غم ، أو صام في أثناء شهر فإنه يصوم ستين يوما . وفي كافي الحاكم وإن صام شهرا بالهلال تسعة وعشرين وقد صام قبله خمسة عشر وبعده خمسة عشر يوما أجزأه ( قوله : ولو قدر إلخ ) أفاد أن المراد بعدم الوجود - في قوله " فإن لم يجد إلخ " - عدم مستمر إلى فراغ صوم الشهرين بحر ( قوله : لزمه العتق ) وكذا لو قدر على الصوم في آخر الإطعام لزمه الصوم وانقلب الإطعام نفلا شرنبلالية ( قوله : وإن صار نفلا ) لأنه شرع مسقطا لا ملتزما منح ، أي وقد علم أن الظان لا يلزمه الإتمام إن قطع على الفور ; أما لو مضى عليه ولو قليلا صار بمنزلة الشروع في النفل فيلزمه إتمامه رحمتي ، لكن يشترط كون المضي عليه في وقت النية إذ لو كان بعد الزوال لا يمكنه الشروع ولا يكون العزم على المضي بمنزلة الشروع كما قررناه في الصوم ( قوله : ليس فيهما رمضان إلخ ) لأنه في حق الصحيح المقيم لا يسع غير فرض الوقت ، أما المسافر فله أن يصوم عن واجب آخر . وفي المريض روايتان كما علم في الأصول في بحث الأمر ، والمراد بالأيام المنهية يوما العيد وأيام التشريق لأن الصوم بسبب النهي فيها ناقص فلا يتأدى به الكامل . وأفاد أنه لا يشترط أن لا يكون فيها وقت نذر صومه لأن المنذور المعين إذا نوى فيه واجبا آخر وقع عما نوى ، بخلاف رمضان بحر وصورة عروض يوم الفطر عليه فيما لو كان مسافرا وصام رمضان عن كفارته ( قوله : وكذا كل صوم إلخ ) ككفارة قتل وإفطار ويمين . [ ص: 477 ] وفي البحر عن أيمان الفتح : وكالمنذور المشروط فيه التتابع معينا ، أو مطلقا بخلاف المعين الخالي عن اشتراطه فإن التتابع فيه وإن لزم لكن لا يستقبل إذا أفطر فيه يوما كرجب مثلا فإنه لا يزيد على رمضان ، وحكمه ما ذكرناه .




الخدمات العلمية