الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وشرط له ) أي للتيمم في حق جواز الصلاة به ( نية عبادة ) ولو صلاة جنازة [ ص: 248 ] أو سجدة تلاوة لا شكر في الأصح ( مقصودة ) خرج دخول مسجد ومس مصحف ( لا تصح ) أي لا تحل ليعم قراءة القرآن للجنب ( بدون طهارة ) خرج السلام ورده ( فلغا تيمم كافر لا وضوءه ) ; لأنه ليس بأهل للنية ، فما يفتقر إليها لا يصح منه : وصح تيمم جنب بنية الوضوء [ ص: 249 ] به يفتى . .

التالي السابق


( قوله في حق جواز الصلاة ) أما في حق صحته في نفسه فيكفي فيه نية ما قصده لأجله من أي عبادة كانت عند فقد الماء ، وعند وجوده يصح لعبادة تفوت لا إلى خلف كما قدمناه ( قوله نية عبادة ) قدمنا في الوضوء تعريف النية وشروطها . وفي البحر : وشرطها أن ينوي عبادة مقصودة إلخ أو الطهارة أو استباحة الصلاة أو رفع الحدث أو الجنابة ، فلا تكفي نية التيمم على المذهب ، ولا تشترط نية التمييز بين الحدث والجنابة خلافا للجصاص . ا هـ ويأتي تمام الكلام عليه قريبا . قلت : وتقدم في الوضوء أنه تكفي نية الوضوء ، فما الفرق بينه وبين نية التيمم تأمل ، ولعل وجه الفرق أنه لما كان بدلا عن الوضوء أو عن آلته على ما مر من الخلاف ولم يكن مطهرا في نفسه إلا بطريق البدلية لم يصح أن يجعل مقصودا بخلاف الوضوء فإنه طهارة أصلية .

والأقرب أن يقال : إن كل وضوء تستباح به الصلاة ، بخلاف التيمم فإن منه ما لا تستباح به ، فلا يكفي للصلاة التيمم المطلق ، ويكفي الوضوء المطلق ، هذا ما ظهر لي ، والله أعلم . ( قوله ولو صلاة جنازة ) قال في البحر : لا يخفى أن قولهم بجواز الصلاة بالتيمم لصلاة الجنازة محمول على ما إذا لم يكن واجدا للماء كما قيده في الخلاصة [ ص: 248 ] بالمسافر . أما إذا تيمم لها مع وجوده لخوف الفوت فإن تيممه يبطل بفراغه منها . ا هـ لكن في إطلاق بطلانه نظر بدليل أنه لو حضر جنازة أخرى قبل إمكان إعادة التيمم له أن يصلي عليها به ، فالأولى أن يقول فإن تيممه لم يصح إلا لما نواه وهو صلاة الجنازة فقط بدليل أنه لا يجوز له أن يصلي به ولا أن يمس المصحف ولا يقرأ القرآن جنبا ، كذا قرره شيخنا حفظه الله تعالى ( قوله في الأصح ) هذا بناء على قول الإمام إنها مكروهة ، أما على قولهما المفتى به إنها مستحبة فينبغي صحته وصحة الصلاة به أفاده ح ( قوله مقصودة ) المراد بها ما لا تجب في ضمن شيء آخر بطريق التبعية ، ولا ينافي هذا ما في كتب الأصول من أن سجدة التلاوة غير مقصودة ; لأن المراد هنا أنها شرعت ابتداء تقربا إلى الله تعالى ، لا تبعا لغيرها ، بخلاف دخول المسجد ومس المصحف ، والمراد بما في الأصول أن هيئة السجود ليست مقصودة لذاتها عند التلاوة بل لاشتمالها على التواضع ، وتمامه في البحر ( قوله خرج دخول مسجد إلخ ) أي ولو لجنب ، بأن كان الماء في المسجد وتيمم لدخوله للغسل ، فلا يصلي به كما مر ; وخرج أيضا الأذان والإقامة .

ولا يقال : دخول المسجد عبادة للاعتكاف لأن العبادة هي الاعتكاف والدخول تبع له ، فكان عبادة غير مقصودة كما في البحر ( قوله ليعم قراءة القرآن للجنب ) قيد بالجنب لأن قراءة المحدث تحل بدون الطهارة ، فلا يجوز أن يصلي بذلك التيمم ، بخلاف الجنب ، وهذا التفصيل جعله في البحر هو الحق ، خلافا لمن أطلق الجواز ، ولمن أطلق المنع .

وأشار الشارح إلى أن القراءة عبادة مقصودة ، وجعلها في البحر جزء العبادة ، فزاد في الضابط بعد قوله مقصودة أو جزئها لإدخالها .

واعترضه في النهر بأنه لا حاجة إليه ; لأن وقوع القراءة جزء عبادة من وجه لا ينافي وقوعها عبادة مقصودة من وجه آخر ، ألا ترى أنهم أدخلوا سجود التلاوة في المقصود مع أنه جزء من العبادة التي هي الصلاة . ا هـ ( قوله خرج السلام ورده ) أي فلا يصلي بالتيمم لهما ولو عند فقد الماء ، وكذا قراءة المحدث وزيارة القبور .

وأما الإسلام فلا يصح ذكره هنا ; لأنه عند أبي يوسف يصلي به وعندهما لا يصح أصلا كما نبهنا عليه سابقا ، فمن عده هنا لم يصب ( قوله فلغا إلخ ) تفريع على اشتراط النية : أي لما شرطناها فيه ، ومن شرائط صحتها الإسلام . لغا تيمم الكافر سواء نوى عبادة مقصودة لا تصح بالطهارة أو لا ، وصح وضوءه لعدم اشتراط النية فيه ، ولما لم يشترطها زفر سوى بينهما نهر ( قوله بنية الوضوء ) يريد به طهارة الوضوء ، لما علمت من اشتراط نية التطهير بحر . وأشار إلى أنه لا تشترط نية التمييز بين الحدثين خلافا للجصاص كما مر ، فيصح التيمم عن الجنابة بنية رفع الحدث الأصغر كما في العكس تأمل ، لكن رأيت في شرح المصنف على زاد الفقير ما نصه : وقال في الوقاية : إذا كان به حدثان كالجنابة وحدث يوجب الوضوء ينبغي أن ينوي عنهما ، فإن نوى عن أحدهما لا يقع عن الآخر لكن يكفي تيمم واحد عنهما . ا هـ . فقوله لكن يكفي ، يعني لو تيمم الجنب عن الوضوء كفى وجازت صلاته ولا يحتاج أن يتيمم للجنابة وكذا عكسه ، لكن لا يقع تيممه للوضوء عن الجنابة ، ولهذا قال الرازي : وإن وجد ماء يكفي لغسل أعضائه مرة بطل في المختار ; لأن تيممه للوضوء وقع له لا للجنابة وإن كفى عنهما فتأمل . ا هـ ما في شرح [ ص: 249 ] الزادي ( قوله به يفتى ) كذا في الحلية عن النصاب .




الخدمات العلمية