الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( فلو طلق امرأته ثم أنكره وأقيمت عليه بينة وقضى القاضي بالفرقة ) كأن ادعته عليه في شوال وقضى به في المحرم ( فالعدة من وقت الطلاق لا من وقت القضاء ) بزازية . وفي الطلاق المبهم من وقت البيان ، ولو شهدا بطلاقها ثم بعد أيام عدلا فقضى بالفرقة فالعدة من وقت الشهادة لا القضاء ، بخلاف ما ( لو أقر بطلاقها منذ زمان ) ماض فإن الفتوى أنها من وقت الإقرار مطلقا . [ ص: 521 ] نفيا لتهمة المواضعة ، لكن ( إن كذبته ) في الإسناد ، أو قالت لا لا أدري ( وجبت ) العدة ( من وقت الإقرار ولها النفقة والسكنى ، وإن صدقته فكذلك ، غير أنه ) إن وطئها لزمه مهر ثان اختيار ، و ( لا نفقة ) ولا كسوة ( ولا سكنى ) لها لقبول قولها على نفسها خانية . وفيها : أبانها ثم أقام معها زمانا ، إن مقرا بطلاقها تنقضي عدتها لا إن منكره وفي أول طلاق جواهر الفتاوى : أبانها وأقام معها فإن اشتهر طلاقها فيما بين الناس تنقضي وإلا لا ; وكذا لو خالعها ، فإن بين الناس وأشهد على ذلك تنقضي وإلا لا هو الصحيح ، وكذا لو كتم طلاقها لم تنقض زجرا ا هـ . [ ص: 522 ] وحينئذ فمبدؤها من وقت الثبوت والظهور .

التالي السابق


( قوله : فلو طلق ) تفريع على المتن ط ( قوله : من وقت البيان ) لأنه إنشاء من وجه بحر ، وهذه الجملة بمنزلة الاستثناء من قوله : ومبدأ العدة بعد الطلاق والموت . ا هـ . ح . قال في الشرنبلالية : قوله : وابتداؤها عقيبهما أي عقيب الطلاق والموت يستثنى منه من بين طلاقها فإن عدتها من وقت البيان لا من وقت قوله إحداكما طالق ، وإن مات قبل البيان لزم كلا منهما عدة الوفاة تستكمل فيها ثلاث حيض كما في البزازية . ا هـ . وسيأتي استثناء مسائل أخر في كلامه ( قوله : عدلا ) أي الشاهدان أي زكاهما غيرهما ليصح القضاء بشهادتهما على ما عرف في موضعه ( قوله : من وقت الشهادة ) على حذف مضاف : أي من وقت تحمل الشهادة لأن من وقت أدائها ، فإنهما لو شهدا في المحرم أنه طلقها في شوال كان ابتداء العدة من شوال كما تقدم ح

قلت : والظاهر أن يراد وقت الشهادة على ظاهره بناء على أن أداءها حصل وقت التحمل لأنها شهادة حسبة يفسق الشاهد بتأخيرها بلا عذر فلا تقبل كما أشار إليه في البحر ( قوله : بخلاف إلخ ) مرتبط بقوله فالعدة من وقت الطلاق ( قوله : فإن الفتوى أنها من وقت الإقرار مطلقا ) أي سواء صدقته أم كذبته أم قالت لا أدري كما يدل عليه السياق .

قال في البحر : وظاهر كلام محمد في المبسوط وعبارة الكنز اعتباره من وقت الطلاق إلا أن المتأخرين اختاروا وجوبها من وقت الإقرار حتى لا يحل له التزوج بأختها وأربع سواها زجرا له حيث كتم طلاقها وهو المختار كما في الصغرى ا هـ ووفق السعدي بحمل كلام محمد على ما إذا كانا متفرقين من الوقت الذي أسند الطلاق إليه ، أما إذا كانا مجتمعين فالكذب في كلامهما ظاهر فلا يصدقان في الإسناد . قال في البحر : وهذا هو التوفيق [ ص: 521 ] إن شاء الله تعالى .

وفي الفتح أن فتوى المتأخرين مخالفة للأئمة الأربعة وجمهور الصحابة والتابعين ، وحيث كانت مخالفتهم للتهمة فينبغي أن يتحرى به محالها والناس الذين هم مظانها ، ولهذا فصل السعدي بما مر ا هـ ملخصا ، وأقره في البحر والنهر ( قوله : نفيا لتهمة المواضعة ) أي الموافقة على الطلاق وانقضاء العدة ليصح إقرار المريض لها بالدين ، أو ليتزوج أختها ، أو أربعا سواها فتح ( قوله : لكن إلخ ) استدراك على ما قبله حيث سكت فيه عن بيان النفقة والسكنى فإن فيها فرقا بين التصديق والتكذيب ، وكان الأخصر أن يقول فإنه الفتوى أنها إن كذبته إلخ ( قوله : إن وطئها لزمه مهر ثان ) ينبغي تقييده بما إذا كان في عدة ما دون الثلاث أو في عدة الثلاث ، لكن مع ظنه الحل لما قدمناه عن البزازية أنه لو وطئها في عدة الثلاث مع العلم بالحرمة كان زنا . بقي هل يتكرر المهر بتكرر الوطآت ؟ ذكر في البحر في باب المهر عن الخلاصة : لو وطئ المعتدة من ثلاث وادعى الشبهة يلزمه مهر واحد أم بكل وطء مهر ؟ قيل إن كانت الطلقات الثلاث جملة فظن أنها لم تقع فهو ظن في موضعه فيلزمه مهر واحد ، وإن ظن أنها تقع لكن ظن أن وطأها حلال فهو ظن في غير موضعه فيلزمه بكل وطء مهر ا هـ تأمل ( قوله : ولا نفقة إلخ ) أي إذا كان الزمن الماضي استغرق العدة ، أما إذا بقي منها شيء تجب النفقة والسكنى فيه ط ( قوله : لقبول قولها على نفسها ) أي في حق نفسها فيسقط ما وجب لها .

قال في البحر : والحاصل أنها إن كذبته في الإسناد ، أو قالت : لا أدري فمن وقت الإقرار ، وإن صدقته ففي حقها من وقت الطلاق وفي حق الله تعالى من وقت الإقرار . ا هـ . وفيه أن السكنى من حق الله تعالى ومقتضاه لزومها وإن صدقته ط .

قلت : وليس في عبارة البحر لفظ السكنى بل عبارته ولكن لا نفقة لها ولا كسوة إن صدقته وهكذا في النهر . وأصل المسألة في الخانية كما عزاه الشارح إليها . وعبارتها : وفي الفتوى عليها العدة من وقت الإقرار ولا يظهر أثر تطليقها إلا في إبطال النفقة ، فقد ظهر أن ذكر السكنى في كلام المصنف مستدرك فافهم ( قوله : ثم أقام معها ) أطلقه فشمل ما إذا وطئها ، أو لا . ا هـ . ط ( قوله : إن مقرا بطلاقها تنقضي عدتها ) أي يكون ابتداؤها من وقت الطلاق والظاهر أن المراد إقراره بين الناس لا مجرد إقراره به عندها مع تصديقها له ، وأن المراد إقراره به من حين التطليق ، وبه ظهر الفرق بين هذه المسألة ومسألة المتن فإنها مفروضة فيما لو كتم طلاقها ثم أقر به بعد زمان وظهر أيضا عدم مخالفته للتصحيح الآتي عن جواهر الفتاوى من اعتبار الاشتهار ولا لما سيأتي في الفروع من اعتباره أيضا فافهم ( قوله : فإن اشتهر إلخ ) فلو طلقها ثلاثا بعد هذه الطلقة المشتهرة لا تقع الثلاث كما سيأتي في الفروع ( قوله : وكذا لو خالعها ) هو داخل تحت قوله أبانها ، لكن الإبانة قد تكون بدون علمها بخلاف المخالعة لأنها مفاعلة فأشار إلى أنه لا فرق في اشتراط الاشتهار بين كونها عالمة ، أو لا ، فافهم ( قوله : وأشهد ) أشار إلى أن الاشتهار لا بد أن يكون بإقراره بين الناس لا بمجرد سماعهم من غيره وإلى أن إقراره عند رجلين يكفي فلا يلزمه الإقرار عند أكثر ، فإن الشهادة إشهار كما قالوه في النكاح من أن الإعلان الذي قال باشتراطه الإمام مالك يحصل بالشاهدين فافهم ( قوله : وكذا لو كتم طلاقها لم تنقض زجرا ) أي زجرا له عن الكتمان ، وهذا [ ص: 522 ] التعليل ذكره في الخانية ، وتقدم تعليل آخر وهو قوله " نفيا لتهمة المواضعة " ، وهو مذكور في الهداية . وذكر هذه المسألة مكرر بما مر في المتن لأنه مفروض فيما لو كتم طلاقها ثم أخبر به بعد زمان كما مر . وفي بعض النسخ " ولذا " - باللام - وهي أولى .

والحاصل أنه إن كتمه ثم أخبر به بعد مدة فالفتوى على أنه لا يصدق في الإسناد بل تجب العدة من وقت الإقرار سواء صدقته ، أو كذبته ، وإن لم يكتمه بل أقر به من وقت وقوعه ، فإن لم يشتهر بين الناس فكذلك ، وإن اشتهر بينهم تجب العدة من حين وقوعه وتنقضي إن كان زمانها مضى ، وهذا إذا لم يكن وطئها بشبهة ظن الحل وإلا وجبت بالوطء عدة أخرى وتداخلتا كما مر ، وكذا كلما وطئها تجب عدة أخرى فلا يحل لها التزوج بآخر ما لم تمض عدة الوطء الأخير ، بخلاف ما إذا كان الوطء بلا شبهة فإنه لا يوجب عدة لتمحضه زنا والزنا لا يوجب عدة كما مر ، فلها التزوج بآخر كما صرح به في التتارخانية في الفصل الثاني والعشرين من الطلاق : أي إذا كان الطلاق مشتهرا ومضت عدته كما علمته وإلا فلا ، ولحوق الثلاث بعد هذه الطلقة على هذا التفصيل كما سيأتي في الفروع ( قوله : وحينئذ فمبدؤها من وقت الثبوت والظهور ) أي وحين إذ علمت هذا التفصيل الذي ذكرنا حاصله ظهر أن هذه المسائل إذا لم يكن الطلاق فيها مشتهرا يكون مبدأ العدة من وقت الثبوت أي ثبوت الطلاق وظهوره بينهم ، قوله " والظهور " عطف تفسير أي يكون مبدؤها من وقت إقراره به بين الناس فتكون هذه المسائل مستثناة أيضا من قوله : ومبدأ العدة بعد الطلاق ، بخلاف ما إذا كان مشتهرا من الأصل فإنها تكون من وقت الطلاق ، وقد علمت أن الإقرار في عبارة الخانية بمعنى الإشهار بين الناس من حين التطليق ، هكذا ينبغي حل هذا المقام فافهم .




الخدمات العلمية